ابو نواس يقفز مع خمرياته من العصر العباسي ليحط في بريطانيا

يصدر الشهر المقبل كتابٌ جديدٌ باللغة الإنجليزية، يتضمن ترجمةً لقصائد للشاعر العباسي أبو نواس، ما يتيح الفرصة لأبيات هذا الرجل كي تدخل مخيلة القراء الغربيين، بل وتغيير تصوراتهم عن منطقة الشرق الأوسط كذلك.

من بين دروس الحياة الأدبية التي لا يمكن إنكارها أن قرائح الشعراء من معتنقي مذهب السعي وراء اللذة تمكنهم من نظم قصائد شديدة الروعة. فـ”هوراس” – وهو أحد أبرز الشعراء الغنائيين في روما القديمة – كرس ذات مرة قصيدةً كاملة لقارورته التي كانت على مقربة منه وقد اُتْرِعتْ حتى حافتها بالخمر، مُعلناً خلال ما كانت على الأرجح ليلةً مفعمة بالمتع واللهو: “لن نتنازل فنستسلم إلى سلطان النوم، بل سنصبغ جنبات الكون باللون الأحمر “.

الأمر نفسه عبر عنه الشاعر الإنجليزي المفعم بالحيوية اللورد بايرون، الذي أفصح عن إيمانه بالمذهب الأبيقوري الذي يقوم على الانغماس في الشهوات، بأبياتٍ قال فيها : “لإمساكٌ (بعنقود) كرْمٍ متألقِ، أفضلُ من فقس بيض دود الأرض الموحلِ”.

لكن ماذا إن قلت لك إن أكبر مُغرم بمذهب اللذة بين الشعراء، ليس واحداً ممن عشقوا في قديم الزمان العربدة والمجون، أو حتى من أبناء الحركة الرومانسية في بريطانيا ممن كانوا مولعين بمعاقرة الخمور؛ بل هو شاعرٌ نصف عربي ونصف فارسي، عاش في حقبة قريبة من عصر صدر الإسلام؟

على أي حال ستصبح أشعار هذا الرجل، وهو الشاعر العباسي أبو نواس، من تلك التي كرسها للخمر وعُرفت باسم “الخمريات”، متاحةً للمرة الأولى لقراء الإنجليزية ومُقفاةً بالكامل، ما يسلط الأضواء من جديد على أعمال أحد أكثر شعراء العالم الإسلامي إثارةً للجدل.

ويرى مترجم القصائد أليكس رَويل أن القصائد الملحمية التي نظمها أبو نواس عن معاقرة الخمور، والمجون، ومضاجعة الرجال والنساء على حد سواء، لا تزال “حتى الآن ممتعة ومثيرة بفعل غرابتها، ومُخربة كذلك لقيم المجتمع، بالقدر نفسه الذي لا بد أنها كانت عليه عند نَظْمِها في وقتها”.

وبرغم شهرة أبو نواس الواسعة في العالم العربي، فإن أحداً لا يعرفه تقريباً في الغرب، على عكس شعراء آخرين قَدِموا من الشرق الأوسط أيضاً، مثل عمر الخيام، وجبران خليل جبران.

كما أن أشعار هذا الرجل لم تلق حظاً وافراً في الترجمة إلى الإنجليزية، فغالباً ما كانت تُنقل إلى هذه اللغة بين دفتي مجلدات عتيقة الطراز ذات سمتٍ متكلف، تُحفظ عادةً للمستشرقين والمهتمين باللغة العربية.

لكن الترجمة الرائعة المُقفاة التي قدمها رَويل اجتذبت أنظار الناشرين، ليصبح كتابه الذي يحمل اسم “مِزاج الخمر: الأشعار الإسلامية حول النبيذ التي نظمها أبو نواس”، على وشك الصدور خلال الشهر المقبل.

وكان أبو نواس ذا سمعةٍ سيئة، على صعيد الآراء التي كان يبديها في النقاشات الدينية، التي كانت تدور في زمنه قريب العهد بعصر صدر الإسلام. كما خصص الجانب الأكبر من “خمرياته” لتفنيد التوبيخ والنقد القاسييّن، اللذين كان يلقاهما من المسلمين ذوي التوجهات المحافظة، ممن رأوا أنه يقترف المحرمات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى