ضباط شرطة مصريون يدعمون دواعش سيناء لتمكينهم من اغتيال السيسي

ألقى الحادث الذي وقع بصحراء مصر الغربية الضوء على ظاهرة تورط عسكريين سابقين في عمليات إرهابية نوعية، بعد أن ثبت تورط قياديين خدما بالجيش المصري في تخطيط وتنفيذ تلك العملية في 20 تشرين اول الماضي وراح ضحيتها 16 عنصرا من رجال الشرطة.

وأعلنت خلية صغيرة أطلقت على نفسها “أنصار الإسلام”، يقودها ضابط الصاعقة المفصول عماد عبدالحميد، مسؤوليتها عن الحادث، وتتبع تلك الخلية تنظيم المرابطين الموالي لتنظيم القاعدة والذي يتزعمه هشام عشماوي أحد ضباط الصاعقة المفصولين أيضا، كما أن تلك الخلية بها ضابطان آخران كانا ينتميان إلى قوات الصاعقة، تباينت الروايات حول اسميهما.

تظهر بصمات تلك العناصر عبر قوة العمليات التي يقومون بتنفيذها، وبالنظر للحالة المصرية فإن هناك أدلة تارخية شاهدة على ذلك منذ حادث اغتيال الرئيس المصري الراحل أنور السادات في 6 تشرين اول 1973، وهو الحادث الذي نفذه عدد من ضباط الجيش انخرطوا في صفوف الجماعة الإسلامية.

كان على رأس هؤلاء الملازم أول خالد الإسلامبولي والملازم أول عبدالحميد عبدالسلام والضابط مهندس عطا طايل ورقيب متطوع بالقوات المسلحة حسين عباس والمقدم بالمخابرات الحربية عبود الزمر والضابط احتياط بالقوات المسلحة محمد طارق إبراهيم، إلى جانب 18 متهما آخرين.

وقبل ذلك بثلاثة أعوام تورط ضابط شرطة مصري سابق في حادث اغتيال وزير الأوقاف المصري محمد حسين الذهبي، على خلفية تأليف الشيخ كتابا يحذر فيه من عنف الجماعات الجهادية ويفند أفكارها.

بالنظر إلى العمليات التي نفذتها عناصر إرهابية في مصر منذ الإطاحة بالإخوان، نجد أن أكثرها تأثيرا حملت بصمات عناصر عملت بمؤسسة أمنية، منها محاولة اغتيال موكب وزير الداخلية السابق اللواء محمد إبراهيم، واغتيال ضابط أمن الدولة محمد مبروك، أحد الشهود في قضية اتهام الرئيس الأسبق محمد مرسي بالتخابر مع قطر.

في العام 2014، تورط ضابطان سابقان في المشاركة بحادث مذبحة نقطة الفرافرة الحدودية بمحافظة الوادي الجديد (جنوب غرب)، والتي راح ضحيتها 22 مجندا، فيما تورط خمسة ضباط سابقين في حادث اغتيال ثمانية من عناصر الشرطة المصرية في منطقة حلون (جنوب القاهرة)، عبر استهداف دوريتهم ليلا.

وكشف النائب العام المصري نبيل صادق عن تورط بعض ضباط الشرطة السابقين في محاولة اغتيال فاشلة للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، مشيرا إلى أن الضباط كونوا خلية تابعة لتنظيم “ولاية سيناء” التابع لتنظيم داعش، وقدموا معلومات لقيادات التنظيم عن خط سير السيسي لاستهدافه بسيارة مفخخة في الطريق العام.

واستطاع داعش أن يستقطب عددا من ضباط الشرطة المفصولين إلى قواته في سوريا والعراق، منهم أحمد الدوري، وأعلن التنظيم عن مقتله في العام 2016، وحلمي هاشم المكني الذي ترقى إلى منصب قاضي القضاة، بحسب ما أشارت إليه تقديرات أمنية سابقة.

وقال نبيل نعيم، القيادي السابق في تنظيم الجهاد، إن تركيز التنظيمات الإرهابية ينصب على العناصر المفصولة من المؤسسات الأمنية، مستغلة وجود مشكلات سياسية أو فكرية مع تلك المؤسسات، وتقدم لها إغراءات مالية باهظة لتجنيدها والحصول على أسرار المؤسسات الأمنية واختراقها والتعرف على مناطق القوة والضعف داخلها.

ما يبرهن على ذلك أن معظم العمليات التي نفذتها عناصر عسكرية سابقة استهدفت عددا من الشخصيات العامة المؤثرة، ونتجت عن توافر معلومات سرية عنها وأوقات تحركها وخطوط سيرها.

وأضاف نعيم يقول: استنادا إلى تجربته خلال مشاركته في معسكرات تدريب تنظيم القاعدة في أفغانستان، أن الضباط السابقين المفصولين من الجيش والشرطة كانوا يتولون مناصب قيادية في تلك المعسكرات، وقد أسندت إليهم مهام ميدانية وتدريب الأفراد على حمل السلاح، ويعاملون معاملة مختلفة من قيادات القاعدة.

ولا تقتصر استراتيجية التنظيمات الإرهابية في التقاط العناصر العسكرية المتطرفة على المؤسسات الأمنية المصرية أو حتى على البلدان التي تستهدف اختراقها أمنيا نتيجة الفوضى التي تشهدها العديد من بلدان الشرق الأوسط، بل إنها كانت مثار جدل في عدد من البلدان الأوروبية والولايات المتحدة.

فقد كشف وزير الداخلية الفرنسي جيرارد كولومب عن شكوك لديه في تبنى “بضع عشرات” من قوات الأمن الفرنسية لآراء متطرفة، ما يزيد من احتمالية تصاعد اختراق التنظيمات الإرهابية بشكل عام وتنظيم داعش خاصة للجيش وجهاز الأمن الفرنسيين، وفشل أجهزة الأمن الغربية في تأمين نفسها ومكافحة هذه التنظيمات تماما.

وقبل عام تقريبا، قالت اللجنة البرلمانية المكلفة بمراقبة عمل الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في بلجيكا إن الفكر المتشدد أصبح أكثر حضورا في الجيش البلجيكي، وأن الاستخبارات العسكرية عليها القيام بدور أكبر لمنع انتشار العناصر المتشددة بين صفوف الجيش وموظفي وزارة الدفاع. وأشارت اللجنة إلى أن هناك 50 ملفا يتعلق بعسكريين متهمين بالتشدد، منهم أربعة جنود تورطوا بالفعل في أنشطة تتعلق بالتشد.

ذكرت دراسة أعدتها الباحثة سمية متولي في مركز المستقبل للدراسات السياسية المتقدمة في أبوظبي وجود ثغرات متعددة في الاحترافية العسكرية للجيوش بالدول الغربية سمحت للتنظيمات الإرهابية والجماعات المتطرفة باختراقها وتجنيد بعض المجندين والضباط، أو دس بعض العناصر الإرهابية ضمن صفوفها، ما دفع الدول الغربية إلى مراجعة آليات التجنيد والتدريب والتأهيل الفكري والنفسي داخل المؤسسات العسكرية على مدار العامين الماضيين.

وقد رصدت الدراسة عدة آليات أساسية تعتمد عليها التنظيمات الإرهابية في اختراق المؤسسات العسكرية الغربية. وكشف مسؤولون في أجهزة مكافحة التجسس العسكري في أوروبا عن إرسال جماعات إرهابية أفرادها للانضمام إلى الجيش أو الجهاز الأمني، بغرض حصولهم على تدريب محترف.

ونجح داعش في استغلال مرونة قواعد التجنيد والالتحاق ببعض الجيوش التي بموجبها يحق لأي فرد التقدم بطلب تجنيد، وهو بذلك يوظف ثغرات الاحترافية العسكرية المؤسسية، ويستطيع التنظيم الاستفادة من هذه العناصر المنضمة في التجسس على أعمال الجيش، واستقطاب جنود آخرين.

وأشارت الدراسة إلى أنه في حالة المتقاعدين تستغل التنظيمات الإرهابية على رغبة هذه الفئة في الإحساس بالذات والقيمة والرغبة في الاستمرار في لعب الدور، إذ تركز على حالة الرفض النفسي والتخبط الفكري لدى هؤلاء، بالإضافة إلى ضعف الانتماء.

ولهذا يؤكد بعض الخبراء ضرورة استيعاب الضباط المتقاعدين وعدم تركهم فريسة لتلك التنظيمات، عبر الاستفادة منهم في العديد من المجالات المدنية، وشدد آخرون على أهمية وجود رقابة أمنية صارمة من قبل أجهزة المخابرات الحربية على أنشطة الضباط المفصولين تحديدا، والبحث في علاقات النسب والمصاهرة التي تكون في الغالب وسيلة تلك التنظيمات للوصول إليهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى