الزعيم جمال عبد الناصر ومعارك طواحين الهواء

  بقلم : عبد الهادي الراجح

الزعيم جمال عبد الناصر قائد عظيم وقامة قومية لن تتكرر في تاريخ الأمة ، والحديث عنه يكتسب أهمية تاريخية لأسباب كثيرة حيث أنه قاد وأسس أول ثورة عربية في التاريخ الحديث تنجح بلا دعم ومساندة من الخارج  .

لذلك اكتسب عدوات كثيرة من أصحاب الثورات المعلبة والتعليمات الجاهزة  من وكلاء الاستعمار وذيولهم ، ولكونه جاء بوقت كان الاستعمار الكونيالي البريطاني الفرنسي ثم وريثه الأمريكي يخيم على وطننا العربي والعالم تقريبا، قامت مصر الدور وليس الوظيفة بقيادته بمحاربة الاستعمار وطرده من وطننا العربي  ومطاردته في القارات الثلاثة  ثم قيامه بثورة التصنيع إضافة للاصلاح الزراعي في مصر ، واسترداد ثروات الوطن الطبيعية خاصة قناة السويس التي كانت دولة داخل الدولة  وغيرها الكثير من الشركات والمؤسسات التي أممها .

وفي العهد الناصري ارتفع اسم العرب وقيمتهم بقيادة مصر الى عنان السماء حتى في أصعب الظروف والمحن ، لذلك أي تقييم موضوعي لتلك المرحلة المشرفة من تاريخ الأمة العربية يجب أن ينطلق من قياسات تلك المرحلة وظروفها  وليس بمفهوم اليوم في القرن الواحد والعشرين .

والأكثر غرابة أننا نسمع ونقرأ من دعاة الفكر والقوالب الجاهزة ما يصبون به جام غضبهم على الزعيم جمال عبد الناصر رغم أنه في جوار الله مما يقارب النصف قرن ولكنها الحرب على الدور والرسالة التي قام بها  الزعيم  الخالد جمال عبد الناصر  .

نصف قرن من الغياب تقريبا فأين التقدم التكنولوجي الذي منعكم من مواصلته ، الحروب الرسمية انتهت عند مفاوضات 101كم  ، والسلام مع العدو تحقق والمساعدات الأمريكية لمصر 2 مليار سنويا وخفضت على حسب ما أعلم والعالم العربي كله لحق بمصر الثورة المضادة وأصبحت ثقافة ما يسمى بالسلام مع أعداء السلام هي السياسة الرسمية لكل الأنظمة الناطقة بالعربية تقريبا ، فأين هو التقدم الذي منعه عنكم  سياسة جمال عبد الناصر  .

الملاحظ أن كل الأنظمة التي أبرمت سلاما مع العدو علنا هي الأسوأ ظروف اقتصادية وسياسية واجتماعية  والجيوش عندما تصبح بلا عقيدة قتالية تصبح الأقرب للأمن الداخلي  أو العصا بيد الحاكم .

قبل أيام وفي مؤتمر قيل أنه للشباب في مصر تحدث شخص يدعي وسيم السيسي ولأول الأمر اعتقدنا أنه  أحد الشباب مما لديهم تلوث فكري نتيجة 46 عاما من الثورة المضادة وغسل الأدمغة ، وكانت المفاجأة أن هذا السيسي تجاوز السبعين عاما من عمره ، حيث ركز حديثه في المؤتمر على تجربة جمال عبد الناصر وصور أعظم ايجابياتها في صورة سلبيات مثل بناء السد العالي وتأميم قناة السويس، مدعيا أن بريطانيا كانت ستنسحب طواعية بعد انتهاء المدة، وتجاهل أن بريطانيا حاربت في سبيل بقائها في قناة السويس قبل وبعد عبد الناصر حيث كانت تحصل قبل التأميم على نصيب الأسد ومصر صاحبة القناة لا تحصل إلا على الفتات التي تتكرم به بريطانيا ،  والسد  العالي الذي أجمع العالم على أنه أعظم مشروع هندسي في القرن العشرين أنقذ مصر من الجفاف وفيضانات النيل معا  وأصبح في نظر المفكر وسيم السيسي  كارثة أتلفت الأراضي الزراعية  .

لا أعلم هل هو الجهل بالتاريخ والحقائق أو إرضاء لجهات خارجية، فوزير صحة نظام السيسي صرح هو الآخر قبل مدة ليست بعيدة بأن جمال عبد الناصر أفسد النظام الصحي في مصر لأنه جعل التأمين الصحي حقا لكل مواطن ومفكر آخر يرى أن عبد الناصر أفسد التعليم عندما جعله حقا لكل مواطن  ، فهل يعقل هذا ؟ ولو سألتهم ماذا قدمتم بعد نصف قرن من غياب جمال عبد الناصر  لساد الصمت وأصبح سيد الموقف فأنتم من جعل العدو صديقا والصديق عدوا وأنهيتم الحرب، حيث قال السادات قائد الردة والخيانة بأن كل مواطن سوف يصبح لديه سيارة (عربية) وشقة ، ولكن بعد السلام مع العدو .

اليوم وبعد إبرام جريمة كامب ديفيد بأكثر من ستة وثلاثين عاما هاهي  أحوال مصر لا تسر صديقا ،  وأما محترفو الكذب والتزوير المنافقين من أنور السادات وخلفائه  وصولا لمدعي الثقافة وسيم السيسي وعمرو موسى وبطرس غالي ونجيب سايرس  حتى توفيق عكاشه وأحمد موسى  تنطبق عليهم قصة دون كيشوت الشهيرة الذي انطلق في محاربة طواحين الهواء طاعنا برمحه كوما من القش متخيلا ذلك عدوا وهميا يحاربه ، ولعل عجز وفشل نظام الردة من أنور السادات حتى السيسي  قد جعلهم يحاربون طواحين الهواء على طريقة دون كيشوت.

ان جمال عبد الناصر في ذمة الله منذ ما يقارب النصف قرن ولا يزال فرسان الساحات الفارغة يصولون ويجولون بالهجوم عليه  إرضاء  للخارج وليس من أجل المستقبل، ومحاولة تزوير التاريخ وليس تصحيح مساره وتلك مصيبة الأمة العربية وعلى رأسها مصر .

رحم الله الزعيم جمال عبد الناصر الذي لا يزال مشروعه مستهدفا من أعداء الأمة في الخارج وخونتها في الداخل.. ولا عزاء للصامتين .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى