مقابلة الحريري التلفزيونية تؤكد ولا تنفي احتجازه بالسعودية وذلك جراء التناقض الواضح بين منطوق القول ولغة الجسد
انشغل المشاهدون اللبنانيون والعرب بتفاصيل المقابلة الأولى لرئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، التي أجرتها معه من الرياض مساء امس الأحد، الإعلامية بولا يعقوبيان.
وخلال المقابلة التي بثتها عدة فضائيات عربية، ولبنانية، ظهر رجل يقف خلف يعقوبيان، وبيده ورقة، فيما ينظر إليه الحريري بشكل ملفت.
وفي فيديو آخر، يظهر أن الحريري يوجه الشخص نفسه بالابتعاد، وفقا لناشطين.
وقد تهكم ناشطون على المشهد، قائلين إنه يشبه إلى حد كبير، الرجل المثير للجدل الذي وقف خلف نائب الرئيس المصري عمر سليمان، عند قراءته خطاب تنحي مبارك عام 2011.
ولفت ناشطون إلى ملاحظات أخرى في المقابلة، مثل الخزانة “العتيقة” التي ظهرت خلف الحريري، حيث يظهر بأن مقبض أحد دواليبها مخلوع من مكانه.
وقال ناشطون إن الحريري ذكر أن عائلته تتابع المقابلة من المنزل، فيما يقول إنه موجود في المنزل، في إشارة إلى تناقض رواية رئيس الوزراء.
وأنشأ ناشطون هاشتاغين بعنوان “تحت الضغط”، و “المغيّب سعد الحريري”، قالوا خلالهما إن الحريري “مسلوب الحرية”، خلال وجوده في الرياض.
وبرغم ما أحدثته الإطلالة التلفزيونية للحريري من ارتياح في الشارع اللبناني، ولا سيما بعد تأكيده أن عودته إلى لبنان هي “مسألة أيام”، إلا أنها لم تبدد الشكوك بشأن حقيقة وضعه في السعودية، خصوصاً بعد إصرار رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على تكرار موقفه القائل بأنّ مواقف رئيس الحكومة لا يمكن الاعتداد في ظل الغموض الذي يكتنف ظروف إقامته – أو احتجازه المفترض – من قبل السلطات السعودية، مضافاً إليها إشارة أكثر وضوحاً بأن وضعه وصل درجة “الحد من حريته” و”فرض شروط على إقامته”.
وفي العموم، فإنّ الإطلالة التلفزيونية للحريري أثارت الكثير من التساؤلات، التي ترافقت مع ملاحظات شكلية، تناول بعضها لغة جسد رئيس الحكومة الذي بدا هادئاً، وإنما مرتبكاً بعض الشيء، شأن الإخراج التلفزيوني للمقابلة نفسها، التي أشاعت بعض مظاهرها تكهنات، قد تكون صحيحة أو خاطئة، بأنّ أجواءها لم تكن طبيعية، برغم محاولة الإعلامية بولا يعقوبيان التقليل من أهميتها، من خلال إرجاع ظهور شخص على الأقل داخل “الكادر” إلى أسباب لوجستية، وتشديدها أكثر من مرّة على الطابع “المباشر” للحوار.
وأما الملاحظات السياسية على مضمون مواقف الحريري، فلم تشذ عن أجواء التشكيك، لا سيما أن سقفها، تجاه إيران أو “حزب الله” بدا منخفضاً عن خطاب الاستقالة الذي تلاه الحريري السبت الماضي، من الرياض، والذي قالت بعض المصادر أن الجهات السعودية أملته عليه، وهو ما سعى الحريري إلى نفيه، بالإشارة إلى أن المواقف التي يمكن أن تصدر في بيان، تختلف كلياً عن تلك التي يمكن أن تصدر في حوار صحافي.
ومن جهة ثانية، فقد أثارت بعض التصريحات التي أدلى بها الحريري، في المقابلة التلفزيونية، تكهنات إضافية، لا سيما بعد حديث عن المخاطر الأمنية التي تتهدد أمنه وعائلته، من جهة، وإشارته إلى أن ثمة “أسراراً” مرتبطة بالاستقالة، لن يفصح عنها إلا لرئيس الجمهورية.
وبشكل عام، فإنّ الحريري سعى، بالأمس، إلى إشاعة أجواء هادئة، في خضم الصدمة السائدة في لبنان منذ أسبوع، لا سيما في تأكيده أكثر من مرّة على أن عودته إلى لبنان قريبة، وفي ربطة الاستقالة بحوار وطني، يعيد الاعتبار لمبدأ “النأي بالنفس”، الذي يشكو المعارضون لـ”حزب الله” خرقه من قبل “حزب الله”، أو حتى رئيس الجمهورية، وأيضاً في تشديده على حماية التسوية التي قادت إلى انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية.
وبانتظار أن تسهم عودة الحريري، وعائلته، إلى لبنان في قطع الشك باليقين إزاء وضعه داخل السعودية، يتوقع أن تشهد الأيام المقبلة حراكاً متعدد المستويات لإيجاد مخارج سياسية، لا يبدو أنها ستكون سهلة، بالنظر إلى تنامي حالة الاستقطاب الإقليمية، والمحاولات السعودية لصب الزيت على النار، ولا سيما بعد الدعوة إلى اجتماع استثنائي لوزراء خارجية الجامعة العربية في القاهرة، لمناقشة الوضع في لبنان، وما يدور حوله.
وهكذا لم ينجح معدّو مقابلة الرئيس الحريري التلفزيونية، في تبديد انطباعات اللبنانيين التي تكوّنت منذ تقديم استقالته، عن كون رئيس حكومتهم مسلوب الإرادة في إقامته في المملكة العربية السعودية. لا شكلاً ولا مضموناً، تمكّن الحريري ومن يقف خلف المقابلة في إزالة هذا اللّبس، أو التخفيف من وطأته، بل على العكس، رسّخ التعب والقلق، اللذين ظهرا على وجهه وصوته، نظريّة إقامته الجبرية في مملكة القهر السعودية.
وعدا عن ترتيبات المقابلة المفاجئة والسريّة التي أحيطت بها بدايةً، وعدم معرفة المحاوِرة بولا يعقوبيان، بموعد المقابلة الدقيق حتى وصولها إلى الرّياض، وعدم معرفتها إن كانت المقابلة ستبثّ مباشرةً على الهواء أو سيتمّ عرضها لاحقاً بعد تسجيلها، كان كافياً أن يظهر رجلٌ في خلفيّة «الكادر» يرفع ورقةً للحريري، فيشيح رئيس الحكومة بنظره عن الشاشة، حتّى تزيد شكوك المتابعين بأن إحاطة الأمن السعودي للحريري في خطواته أكثر من حقيقة.
ويمكن القول من خلاصة المقابلة إن من خطّط لهذه الاستقالة، منتظراً مفاعيل مختلفة عن تلك التي ظهرت على الساحة اللبنانية، قد اضطّر تحت وطأة الفشل إلى أن يخفض من سقف مواقفه، وهو ما ظهر على لسان الحريري أمس.