كيسنجر يزعم ان وعد بلفور شكل حجر الزاوية للنظام العالمي بالقرن العشرين

وصف هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكية الأسبق، إعلان بلفور 1917 أنه كان “حجر الزاوية في النظام العالمي الجديد للقرن العشرين”، وأن وزير الخارجية البريطانية بذلك الوعد، أعطى الأمل ليس فقط لليهود بل للبشرية جمعاء.

جاء هذا التوصيف في الذكرى المئوية للوعد البريطاني الذي نتج عنه الاغتصاب الصهيوني لفلسطين، وسهّل لقيام دولة الاحتلال الإسرائيلي، واستهل تاريخًا دمويًا في الشرق الأوسط ترتفع الأصوات الدولية الآن لتصحيحه بإقامة الدولة الفلسطينية على ترابها الوطني.

وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، هنري كيسنجر- يهودي الديانة – و يُوصف أنه من دهاة منظري الاستراتيجيات الأممية ضمن نادٍ سرّي يتولاه آل روتشيلد، شارك في الذكرى المئوية لوعد بلفور بمقال نشرته أمس الجمعة مجلة “جويش كرونكل”، عرض فيه رؤيته التي تذهب إلى أن” إعلان بلفور تجاوزت أهميته الأهداف المباشرة بإقامة وطن قومي لليهود، وأصبح وثيقة مؤسسية لنظام عالمي ناشئ”.

يقول كيسنجر إن السنوات قبل وأثناء وبعد الحرب العالمية الأولى كانت مفصل تحول في المفاهيم الحديثة للنظام العالمي وشكّل فيها إعلان بلفور لبَّ هذا التحول، فقد تأثرت تلك الفترة بتدهور وانهيار الإمبراطوريات الحاكمة، وبدأ ذلك بالثورة الصينية العام 1912 التي أطاحت بأسرة تشينغ. ووُصفت الإمبراطورية العثمانية أنها “رجل أوروبا المريض ” وتزامن مع اختفائها بنهاية الحرب العالمية الأولى، اختفاء القيصرية النمساوية المجرية والألمانية، وبذلك كانت الحرب العالمية الأولى نهاية عهد إمبراطوريات السلالات الذي استهلته معاهدة وستفاليا العام 1648.

يقول كيسنجر إنه خلال السنوات الأولى من الحرب، رأت بريطانيا منطقة فلسطين – التي كانت آنذاك جزءًا من الإمبراطورية العثمانية – أنها ذات أهمية جيواستراتيجية بسبب قربها من سكة حديد برلين – بغداد الألمانية، وقناة السويس، ونفط الخليج العربي، وكجسرٍ بين آسيا وأفريقيا.

وهكذا كانت فلسطين، من وجهة النظر البريطانية، هي الحلقة الوحيدة المفقودة في سلسلة من الممتلكات التي لا يمكن انقطاعها، والتي يمكن أن تربط الإمبراطورية البريطانية من المحيط الأطلسي إلى منتصف المحيط الهادئ.

ويضيف كيسنجر أن الالتزام البريطاني بوطن يهودي تعزز بسبب الخوف من أن ألمانيا ستفعل ذات الشيء وتعطي لليهود وطنًا في فلسطين، ولذلك تصرفت بريطانيا قبل أن تتصرف ألمانيا.

وفي 2 تشرين الثاني 1917، أرسل وزير الخارجية آرثر جيمس بلفور رسالة إلى اللورد والتر روتشيلد، أصبحت تعرف باسم إعلان بلفور. وفي الولايات المتحدة، اعتبروا إعلان بلفور منسجمًا مع أهداف التحالف الحربي فأيّده الرئيس ويلسون في أيلول 1918. ونتيجة لذلك أصبح إعلان بلفور متشابكًا مع التسوية السلمية، وقد اعتمدت عصبة الأمم في 24 تموز 1922 تفويض بريطانيا في فلسطين، ليصبح لإعلان بلفور حياة وقوة دفع خاصة به، وأضحى جزءًا من نقطة تحول في مفهوم النظام العالمي، ويعرض كيسنجر تسلسل الإجراءات التنفيذية للنظام العالمي الجديد من مؤتمر سان ريمو 1920 إلى عصبة الأمم إلى نظام الانتداب وتقسيم الأراضي العثمانية إلى دول مستقلة.

ويزعم كيسنجر أن إعلان بلفور صدر بافتراض قيام دولة لإسرائيل، وهو ما لم يتضمنه الإعلان الذي تحدث عن وطن قومي لليهود في فلسطين مع حفظ حقوق السكان الأصليين، مشيرًا إلى أن بلفور أبلغ “ونستون تشرشل” أنه كان يفترض وعدًا بإقامة دولة يهودية في نهاية المطاف. وقد تم إضفاء الطابع المؤسسي على هذا الافتراض في نظام الانتداب، الذي فرض على القوى المنتصرة -وأبرزها الإمبراطورية البريطانية- مسؤولية إعداد الشعوب لإقامة هذه الدولة.

يقول كيسنجر إنه مع فشل المحاولات المختلفة لاستبدال الإمبراطورية العثمانية المنهارة بإقامة خلافة دينية، فقد تقرر أن تصبح جميع أقاليم الشرق الأوسط، بطريقة أو بأخرى، دولاً في النظام العالمي الجديد. ويعرض كيف أن الحرب العالمية الثانية كانت نسخة أخرى من نفس الصراع مع الحلفاء. وفي 29 تشرين الثاني 1947، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة على تقسيم فلسطين إلى أراضٍ يهودية وأخرى عربية. وصدر قرار إنهاء الانتداب متبوعًا بإطار قانوني يمكن فيه لليشوف ( المتعاطفين مع اليهود) أن يقيموا دولة وليدة، ومع رفض بعض الدول العربية للتقسيم أعلن ديفيد بن غوريون قيام دولة إسرائيل واعترفت بها الولايات المتحدة، والاتحاد السوفييتي، وقامت حرب 1948، ومع بدء الحرب الباردة، وضعت دولة إسرائيل الجديدة أساس استراتيجيتها الكبرى متمثلة في الحصول على الاعتراف بنظام الدولة الدولي لشرعية إسرائيل كدولة ذات سيادة بحدود آمنة ومقبولة من خلال عضويتها في الأمم المتحدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى