مــاذا وراء مصطلــح (شعوب سوريا) ؟
بقلم : صلاح المختار
لا نفهم كيف ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذكي جدا والمتأني جدا وقع في فخ نزعة استعمارية واضحة جدا تعود لفترة الحكم القيصري الروسي حينما ساهمت روسيا في اتفاقية سايكس بيكو الاولى مباشرة وبقوة ! فهل وقع رئيس يعد اذكى رؤوساء روسيا منذ ستالين في فخ ام انه اختاره ؟ مناسبة هذه المقدمة هو دعوة بوتين لعقد مؤتمر اطلق عليه اسم لم تستخدمه روسيا طوال اكثر من ثمانية عقود وهو ( مؤتمر شعوب سوريا ) ! كيف تحولت سوريا من دولة الشعب الواحد الى دولة ( الشعوب السورية ) ولماذا ؟
1- علينا اولا ان ننتبه الى ان هذه التسمية تقع في خانة المصطلحات الصهيونية والتي تتبناها قوى غربية معروفة منها امريكا وبريطانيا فتحويل الشعب العربي في اي قطر الى شعوب هو الهدف الصهيوني الاول منذ بدأت الصهيونية عملها المؤسسي في عام 1897 في سويسرا ، وكان وعد بلفور وتقرير بنرمان واتفاقية سايكس بيكو الاولى من نتائجه على اعتبار ان الصهيونية ليست سوى كلب حراسة ربته الرأسمالية لحماية وتوسيع نطاق سيطرتها ونهبها الاستعماري وليس كما يظن البعض من انها هي الاصل الموجه للقوى الاستعمارية . فتقسيم وتقاسم الاقطار العربية والعمل على نفي وحدتها القومية واصاله هويتها العربية هو اهم الاهداف الاستعمارية ، بالاصل وبالتبعية فانه اهم اهداف الصهونية العالمية .
2- ان بوتين وهو يستخدم هذا المصطلح يبدو منغمسا في تسابق مميت مع نظيره الامريكي ترامب حول سوريا ووجود روسيا في المنطقة كلها ، فعنصر المزايدة الدولية والاقليمية واضح جدا في دعوت بوتين لانه يعتقد بان العرب الان في حالة ضعف بينما امريكا هي التحدي الاكبر له ولمستقبل روسيا كدولة ولهذا نراه يتسابق مع امريكا في النزعة الاستعمارية ويلعب الورقة الصهيونية بحذاقة من خلال علاقاته الستراتيجية مع نتنياهو وكيانه ، مفترضا ان الدعوة لمؤتمر ( شعوب سوريا ) سيزيد من دعم اللوبي الصهيوني له في سباقه المميت مع امريكا حول الغنائم والنفوذ العالمي .
3- والاهم من كل ما تقدم هو ان المصطلح واستخدامه يدخل في اطار موقف القوى الخفية التي تحكم العالم من وراء الستار وابرزها العوائل الرأسمالية التي تستحوذ على اكبر الثروات وتعد الدولار ربها الاعلى وتتحكم في الحكومات والبرلمانات في الغرب ، فبما ان روسيا بوتين دولة رأسمالية فجة ،اي ناشئة وتتعلم دروب الرأسمالية وتكتشف خطاها الاجرامية تدريجيا وتتكيف مع ضروراتها، فان بوتين يخطو الى امام خطوة على طريق رأسمالية تنهض بقوة في روسيا لكنها تسحب معها كل عنف روسيا وتقاليدها الاقطاعية الاستبدادية والتوسعية التي طبعت النظام السوفيتي وكانت من اسباب انهياره لانها حرمت الماركسية من نقاوتها النظرية ودست في قلبها تقاليد امبراطورية استبدادية فاسدة ومفسدة .
يوتين الان يتقلب بوضوح بين رأسمالية غربية فجة بدائية ونزعات امبراطورية توسعية واضحة من اجل تحقيق اكبر قدر ممكن من النهوض الروسي وبغض النظر عن كافة الاعتبارات القيمية والانسانية والحقوقية والاخطر بدون النظر للمستقبل وما سيحدث فيه للعرب خصوصا نهوضهم الحتمي لان كبوتهم الحالية مؤقتة ، اغفال المستقبل يجعل بوتين مقامرا بعلاقته بالعرب مستقبلا من اجل مكسب امبريالي حاليا .
4- ولئن كان بوتين يتسابق مع امريكا حول كسب مواقع في العالم فان احد اهم ادلة انه جزء من المنظومة الرأسمالية العالمية هو انه منسجم كليا مع امريكا وبريطانيا واسرائيل الغربية واسرائيل الشرقية عندما يتعلق الامر بالعرب ومصيرهم وكيفية حل مشاكلهم ، فما يفعله ترامب ونتنياهو ومي رئيسة وزراء بريطانيا هو نفس مايفعله بوتين وخامنئي : شرذمة العرب واستنزافهم ودفعهم الى حالة العجز عن الدفاع الصحيح عن النفس والتشبث بوعود وامال كاذبة لا توصلهم الا الى النهابة التي رسمتها الرأسمالية بالاصل وهي انهاء الامة العربية بالقضاء على هويتها القوميةالضامنة للحمة العربية .
لنتذكر دائما وبلا اوهام بان القومية والعربية هي الهدف الاهم في المخططات الرأسمالية الغربية وما زج الاسلام في الصراع واستخدام ادوات تتستر بالاسلام الا وسيلة اساسية لشيطنة العرب اولا وقبل كل شيء وتسهيل تعزيز الحلف الدولي ضدهم ، من دون القضاء على الهوية القومية العربية لن تنجح ابدا كافة المخططات الرأسمالية والصهيونية مهما كانت قوية وذكية ، ولهذا اصطنعوا اولا التناقض الوهمي بين القومية العربية والاسلام رغم انه روح القومية العربية ، وهذا التناقض المصطنع هدفه الاهم هو القضاء على القومية العربية بواسطة الاسلام السياسي ، وتمثله قوى نراها الان تقف موقفا حاقدا بتطرف على القوميين العرب وتتحالف مع كل اعداءها الطائفيين من اجل دحر التيار القومي العربي الحقيقي .
والسبب واضح جدا ونكرر ذكره : بينما القومية العربية توحد العرب وتمنع شرذمتهم من خلال معيارها الحاسم والاساسي وهو المواطنة المتساوية بغض النظر عن الديانة والطائفة والاثنية فان الاسلام السياسي يفرق لانه يميز بين المسلمين انفسم وفقا لطوائفهم ويشرذمهم بتطرف وهو ما نراه الان مجسدا ، ثم ينتقل لتكفير غير المسلمين وهكذا تتوفر الشروط الاساسية المطلوبة لتحويل الشعب العربي الواحد الى ( شعوب عربية ) وغير عربية ، ومؤتمر ( شعوب سوريا ) جزء اصيل من مخرجات هذا المعمل .
5- لقد قسم السودان بفصل جنوبه وفقا لتلك الخطط الرأسمالية وتجري الان عمليات اكمال تقسيمه بتعزيز نزعات انفصاليه اخرى، وهذا ايضا نراه في سوريا حيث خلقت امريكا من العدم تقريبا قوة كردية مسلحة لم تكن موجودة لا سياسيا ولا عسكريا ! وسوريا المتميزة بان العرب فيها يشكلون اكثر من 95% من سكانها لم يكن يخطر ببال اي انسان انها يمكن ان تتقسم على اساس قومي وكانت الفرضية الاستعمارية والصهيونية هي تقسيمها على اساس ديني وطائفي لوجود اقليات دينية فيها.
اما الان فان امريكا خلقت وجودا لقوة تشكلت داخل سوريا لم تكن موجودة حتى عام 2011 واكملت بعناصر بشرية من خارجها لاجل ايجاد قوة تقاتل من اجل كيان مستقل عن سوريا وهو ما يلفت الانتباه خصوصا مع الرفض الامريكي التام لاي دور تركي في القضاء عل داعش في الرقة بشكل خاص رغم اعلان تركيا انها مستعدة للقضاء على داعش! انها عملية صنع قوة باسرع وقت واعداداها للعلب دور تقيسمي لاحق .
وهنا نرى المشترك والجوهري بين روسيا وامريكا وهو دعم تقسيم سوريا مهما انكر ذلك ،فالفدرالية في سوريا كما في العراق واليمن وليبيا ليست الا كونفدرالية مبرقعة لاخفاء الواقع وما يحمله من بذور تنمو وتمهد للتقسيم التام لاحقا وتستخدم الفدرالية والحكم الذاتي كأغطية مراعاة لبيئة رافضة للتقسيم ، وهذا هو ما قررته امريكا منذ عام 1998 واخذت تنفذه تدريجيا ، ولهذا فان تعابير مثل ( شعوب السودان ) و ( شعوب سوريا ) و ( شعوب العراق ) وغدا ( شعوب اليمن ) و ( شعوب ليبيا ) و ( شعوب السعودية ) و ( شعوب الجزائر ) و ( شعوب المغرب ) … الخ ستظهر تدريجيا مع اضعاف الرابطة القومية العربية والرابطة الوطنية القطرية .
6- ومن يظن ان التخلي عن هويته العربية سوف ينقذه واهم كل الوهم لان اي رابطة اخرى توضع فوق القومية العربية سوف توصل للفناء الحتمي ودروس هذه المرحلة تثبت ذلك ، فالعروبة فقط تحمينا من التشرذم وتبقينا موحدين واقوياء بعكس الطائفية التي تجردنا من اي مصدر قوة وتحولنا الى بشر يتحصن كل منهم بطائفته ضد الاخرى وتدفعنا رغم النوايا الى السقوط في جحيم عبودية القوى المتفقة على انهاء هويتنا وهي امريكا وروسيا والاسرائيليتين الشرقية والغربية .
ما يجري الان ليس تنفيذا لمبادئ انسانية وحقوقية مثل ( انصاف ) الاقليات بل هو معادلة استعمارية واضحة احد طرفيها تفتيت منظم للعرب واخضاعهم لاستعمار متعدد الاطراف ، بينما الطرف الاخر للمعادلة هو توحيد وتقوية الاقليات وتمكينها من تحقيق ما تريده سواء كان حقوقها او ماتريد اضافته لحقوقها وعلى حساب حقوق العرب الثابتة ! ولهذا فهي ليست عملية تحرر شعوب مستعمرة او مضطهدة ولا هي منح حقوق واجبة في اطار تحرري عام بعيدا عن التأثيرات الاستعمارية بل هي تحديدا عملية استعمارية – صهيونية صرفة تستغل شعارات حقوقية وانسانية من اجل تفتيت الاغلبية القومية الساحقة وانهاء هويتها واستعمارها .
وحينما نهمل قاعدة التحررية ومشروعية الحقوق ونقبل بالاعتراف بحقوق مفترضة ومفروضة لاخرين فان النتيجة الطبيعية لذلك هي التخلي عن حقوقنا خصوصا حقنا في الحياة والبقاء كبشر . وسوريا كالعراق وكالسودان وكليبيا وكاليمن وكالسعودية وكالمغرب ، وككل قطر عربي اخر ، لن تصبح دولة ( شعوب ) بل ستبقى سوريا دولة الشعب الواحد بهويته العربية والمحترم لحقوق الاقليات ، ومن قدم اكثر من مليون شهيد سوري ومن قدم اكثر من ستة ملايين شهيد عراقي منذ عام 1991 وحتى الان لن يتخلى عن حقوقه في الحياة الحرة الكريمة ووحدته الاقليمية والاستقلال وسيقدم ملايين اخرى من اجلها .