نحو نحت استراتيجية وطنية للدولة الاردنية
بقلم : د. زيد المحيسن

نحن في الأردن أبناء امة عربية خلفت عبر مسيرتها التاريخية الطويلة قيماً وانجازات روحية ومادية زاخرة لا بد من تذكرها والتذكير بها والبناء عليها، فهي أرضية تصلح للبناء عليها مداميك جديدة من الفكر القومي والثقافة والإنتاج الحضاري، فالأرض الاردنية مهد الديانات السماوية ومصدر الوحي، وإنساننا الأردني عربي الهوية والضمير وفكرة التوحيد والوحدة في ارضنا عميقة الابعاد، عظيمة الآفاق لم تكن مجرد حركة عابرة على التاريخ القديم او المعاصر.
من هنا فان سمة التجديد الذاتي وتصحيح المسارات في مؤسسات الدولة هي سنة حميدة لاستمرار عطائها وزيادة انتاجها ومواكبة للتطور الحضاري والإنساني والقيمي، وعمليات التحديث والتجديد عميقة ومتجذرة تستطيع البناء عليها من خلال قواعدها الصلبة لشرعية الكيان السياسي الأردني والمتمثلة في الثوابت التالية :
اولاً- الشرعية الدينية للحكم: فالأردن منذ عام 1921 حظي بأحفاد العترة النبوية الشريفة فأسس الملك عبدالله الأول الأردن على أسس مبادىء العروبة والإسلام العظيم، وشرع من بعده الملك طلال بن عبدالله الدستور العصري التقدمي، وبنى الملك حسين بن طلال مؤسسات الدولة الأردنية الحديثة، وعزز الملك عبدالله الثاني بن الحسين مداميك البناء ونقل الأردن الى عصر تكنولوجيا المعلومات، لهذا فالإجماع الوطني تجاه الحكم الهاشمي راسخ في الوجدان الأردني قولا وعملا وسلوكا.
ثانيا – شرعية الثورة العربية الكبرى التى أطلقها الشريف الحسين بن علي طيب الله ثراه بنوايا التخلص من الإستبداد والظلم التركي الطوراني – فصنع أول توجه عربي ذي مضمون إنساني أصيل في تاريخ الأمم لتحقيق الحلم الكبير في الوحدة والحرية والحياة الكريمة لأمة الضاد من المشرق إلى المغرب العربي .
ثالثا – شرعية الإنجاز: نهض الانسان العربي الاردني في مستهل هذا العصر تعليماً وتدريبياً وابداعاً، واصبح الاردن بالرغم من موارده المحدودة يقف اليوم في طليعة الركب العربي تقدما في معظم المجالات الحياتية التعليمية والصحية والثقافية والفكرية، واستطاع ان يقف بصلابة امام التحديات التي تواجه الأمة العربية والإسلامية بكل ثقة واقتدار.
لهذا فان المرحلة القادمة تتطلب تصليب الجبهة الداخلية وتحصين البيت الأردني سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وفكرياً، من اجل بناء اردن عربي ديمقراطي انساني يكون مثالا يحتذى من قبل الاقطار العربية الاخرى.. فالأمة العربية والإسلامية تجتاز فترة تمزق فكري واخلاقي واجتماعي وقيمي نتيجة انعدام الثقة بين الحاكم والمحكوم وانعدام الثقة ايضا بالنفس، والسقوط في متاهات الفكر الغريب، فيما يغذي الأعداء هذا التمزق بكل اسلحة الغدر والدس والفتن علاوة على تنكر صبياني لتراثنا العربي الإسلامي والروحي من قبل جاهلين وجاحدين متناسيين أن هذا الإرث هو جزء أصيل من الحضارة الإنسانية وركيزة هامة من ركائزها.
وعليه فإن علينا مسؤولية كبيرة تجاه شعبنا ووطنا وأمتنا العربية والإسلامية والإنسانية جمعاء بأن نطبق المُثل العليا في تصرفاتنا وسلوكنا ومن خلال العمل على:
*الاستمرار في تطوير النظام السياسي وسد ثغرات القصور وبناء الأطر والمؤسسات الدستورية والأدارية والتنفيذية والقضائية.
*الاستمرار في تطوير مؤسساتنا التعليمية والتربوية.
*الاستمرار في تطوير مؤسساتنا الدينية، فكراً ومضموناً وهياكل ورفدها بالكفاءات الفكرية التنويرية، واعادة انتاج خطاب دعوي معتدل ينبذ العنف والتطرف والإرهاب ويدعو الى التسامح والحوار وقبول الآخر.
*سن التشريعات الضرورية لاجتثاث النعرات الطائفية والعرقية والمناطقية والمذهبية، وتعزيز الهوية العربية الأردنية الوطنية الجامعة لكافة أبناء الوطن من خلال قانون يصدر للوحدة الوطنية ويجرم كل من يحاول العبث بها، قولاً اوفعلاً او سلوكا.
*الاستمرار في تعزيز مكانة المرأة والأسرة في المجتمع الأردني من خلال برامج التوعية وسن التشريعات الضرورية لهذه الغاية.
*تعزيز دور الشباب في المجتمع من خلال نوعية التعليم والتدريب وتوفير فرص العمل وفتح مجالات الابداع والابتكار والبحث العلمي.
*تعزيز سيادة القانون والرقابة الدائمة على تنفيذه ومعاقبة المقصرين.
*وضع استراتيجية شاملة لمواجهة التطرف والغلو والارهاب بكافة مسمياته وأشكاله على أسس ومقاربات فكرية وثقافية وتنويرية وتربوية، ومواجهة الإنحرافات الفكرية بنشر منهج الإعتدال والوسطية ليكون بمثابة الدرع الواقي للامة من التطرف والإرهاب.
*دعم منظمات المجتمع المدني من خلال تشجيعها على القيام بأدوارها التنموية والرقابة على كافة النشاطات والمجالات الاقتصادية والثقافية والإجتماعية والفكرية والتوعوية.
*رعاية النهج الديموقراطي، وايجاد مدارس ومؤسسات لتدريب النشء على الممارسات الديموقراطية والايمان بالديموقراطية الهادفة كأسلوب للحكم، والعمل في نطاق الدستور لتكون حارساً وحامياً لجميع فئات المجتمع ولتعزيز اهدافها من خلال تعزيز منهج البناء والعمل والإعمار ونبذ تيار العنف والهدم والدمار.
*تعزيز الدور الاردني الرسمي البعيد عن سياسة المحاور والتحالفات الاقليمية والدولية ونهج سياسة الحياد الايجابي وعدم التدخل في النزاعات الداخلية للدول، وجعل الاردن بمثابة واسطة العقد للامة العربية والاسلامية وكدولة مقبولة لحل مشاكل المنطقة من خلال سياسة الحياد الايجابية تجاه القضايا الداخلية للدول.
إننا ومن خلال عمق ايماننا ببلدنا ووطننا الأردن نضع هذه المقترحات كنواة لخارطة طريق لتصليب البناء الداخلي للوطن وللنهوض به نحو معارج التقدم والازدهار والتصدي لكافة المؤمرات الخارجية الصهيونية والليكودية واعوانها في المنطقة.