مطالبات كردية واسعة باستقالة البرزاني بعد هزيمة مشروعه الانفصالي

دعا رئيس برلمان إقليم كردستان العراق يوسف محمد  امس الاول الثلاثاء ، مسعود برزاني إلى التنحي عن السلطة، مشيراً إلى أنه “سيقدم خدمة كبيرة لشعب كردستان عند استقالته”. وقال محمد في كلمة خاصة بشأن الأوضاع في كركوك: “إننا جميعا أسرى لنخبة سياسية تعمل للسيطرة على ثروات الوطن من أجل توسيع سلطتها.. هذه النخبة السياسية تتاجر بتضحيات الشعب ودماء شهدائه”، بحسب ما نقلت وكالة أنباء الإعلام العراقي/ واع.

تراجع في شعبية برزاني

يأتي ذلك بعيد استعادة قوات الحكومة المركزية في بغداد سيطرتها على مدينة كركوك وبعض المناطق المتنازع عليها مع الإقليم. في هذا السياق قال رئيس المركز المصري للدراسات والبحوث الكوردية وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية رجائي فايد إن الخسارات العسكرية لكردستان العراق في الأيام القلية الماضية ستؤدي “للتأثير سلباً على شعبية برزاني”. ويذهب الخبير بالشؤون الكردية أبعد من ذلك في حديث لـDW  عربية: “ربما يؤدي هذا الأمر إلى عزلته السياسية تماماً”.

ويستنتج فايد من رسالة برزاني إلى “شعب كردستان والرأي العام الكردستاني والعراقي والعالمي” أمس الثلاثاء أن الزعيم الكردي يتصف بـ”العناد والمكابرة وعدم التسليم بما حدث من هزيمة فادحة”.

ومن جانبه، لا يعتقد الدكتور بيار دوسكي من الجامعة الأمريكية في دهوك في حوار مع DW عربية أن ما حدث في الأيام القليلة الماضية سيؤثر على شعبية برزاني “كثيراً”. ويعلل ذلك بأن بارزاني “استجاب لرغبة الناس بالإصرار على إجراء الاستفتاء”. كما يستند دوسكي في معرض تبريره “للقاعدة الشعبية الكبيرة ولرمزية عائلة برزاني”.

 دعم إقليمي للمنافسين والخصوم

خاطب رئيس برلمان إقليم كردستان العراق  وسف محمد مسعود برزاني قائلاً: “عليك الاعتراف بالفشل وترك شعبنا يقرر مصيره بنفسه وليس أن تحدده أنت بحسب رغباتك”. وينتمي محمد إلى حركة “حركة التغيير” (غوران)، التي تأسست على يد نوشيروان مصطفى عام 2009 بعد تركه حزب “الاتحاد الوطني الكردستاني” بزعامة جلال طالباني. وفي انتخابات 2013 البرلمانية في الإقليم حصلت الحركة على 24 مقعداً من أصل 111 مقعداً متقدمةً على حزب “الاتحاد الوطني الكردستاني” ولتصبح القوى الثانية في برلمان كردستان العراق بعد “حزب برزاني”.

وكان “الحزب الديموقراطي الكردستاني” بزعامة برزاني قد منع في 12 تشرين الأول 2015 رئيس برلمان الإقليم يوسف محمد من دخول مدينة أربيل، عاصمة الإقليم، وعطل عمل البرلمان منذ ذلك التاريخ. وقاطع نواب حركة التغيير ونواب “الجماعة الإسلامية في كردستان العراق”، التي لها ستة مقاعد في البرلمان، جلسة البرلمان العراقي في 25 أيلول الماضي والتي صادقت على إجراء الاستفتاء على استقلال كردستان عن العراق.

وتأسس حزب “الجماعة الإسلامية في كردستان العراق” عام 2001 على يد علي بابير، العضو السابق في “الحركة الإسلامية في كردستان العراق”.

والجدير ذكره أن “حزب طالباني” انشق عن “حزب برزاني” في عام 1975 وعقد مؤتمره التأسيسي في دمشق. ومنذ ذلك التاريخ ارتبط طالباني بعلاقات وثيقة مع دمشق ومن ثم مع طهران. كما تتحدث مصادر عن “علاقة مقربة” تربط حزب “الجماعة الإسلامية في كردستان العراق” مع كل من أنقرة وطهران. كما ترتبط هاتان الجهتان بعلاقات جيدة مع كل من بغداد وأنقرة.

استفتاء “فرض بالقوة”

بعد فوزه في الانتخابات غير المباشرة عام 2005، أعيد انتخاب برزاني مرة أخرى في 2009 بنحو 70 في المئة من الأصوات في أول انتخابات عامة مباشرة، ليبدأ ولاية جديدة من أربع سنوات. وبعد انقضاء المدة، مدد برلمان الإقليم ولاية برزاني لعامين آخرين. لكن برزاني لم يغادر منصبه مع انتهاء هذين العامين في 2015، ما أثار أزمة داخل الإقليم.

وأمام المعارضة القوية من خصومه، قال إنه لن يترشح للرئاسة. لكنه بعد الاستفتاء أنشأ “المجلس السياسي الأعلى لكردستان” برئاسته، على أن تكون مهمته “إدارة نتائج الاستفتاء والعلاقات مع بغداد والدول المجاورة”.

وبشكل أعمق، يشعر قادة الاتحاد الوطني الكردستاني أن برزاني كان يتخذ القرارات بمفرده، لا سيما بسبب مرض خصمه جلال طالباني الذي توفي في مطلع تشرين الأول. وتقول النائبة من” الاتحاد الوطني الكردستاني” في البرلمان العراقي آلاء طالباني إن الاستفتاء “فرض بالقوة” من جانب رئيس رفض الاستماع إلى حلفائه.

كما دعا يوسف محمد مسعود برزاني “الذي يحكم بشكل شرعي وغير شرعي منذ 12عاماً على رأس هرم السلطة”، أن يقدم “خدمة كبيرة لشعبه من خلال استقالته من منصبه”.

يعتقد رجائي فايد أن ما يضمن بقاء برزاني في السلطة هو فقط “القوة العسكرية المتمثلة في قوات البيشمركة، والتي يسيطر عليها تماماً”، في إشارة إلى جزء من قوات البيشمركة الذي يسيطر عليه برزاني.

  بوادر انشقاق

في مقابلة مع فضائية “العربية الحدث” تحدث سكرتير “الحزب الديموقراطي الكردستاني” وأمين سر مكتبه السياسي فاضل ميراني عن “اعتزازي بعراقيتي طالما كردستان غير مستقلة”، مضيفاً بالقول: “في الوقت الحاضر كل الأراضي عراقية. لا توجد أراضي عراقية وأخرى غير عراقية. كركوك عراقية مثلها مثلها مثل السماواة والناصرية”.

يستشعر فايد في ذلك “مراجعة للمواقف” من قبل بعض قيادات حزب برزاني. ويعتبر فايد ذلك “مؤشراً حقيقياً على محاولة عدة أطراف من داخل تيار برزاني للتنصُّل مما حدث”. ومن جانب آخر رأى البعض أن في التصريحات “محاولة لامتصاص الصدمة” وربما لـ”توزيع الأدوار”.

تدهور  اقتصادي

قالت النائبة الكردية آلاء طالباني: “لا أحد يعلم أين هي أموال آبار النفط وإنتاجها في وقت يسيطر فيه حزب برزاني عليها منذ حزيران 2014”. من جانبه أشار لاهور شيخ جنكي، المسؤول العام للجهاز الكردي لمكافحة الإرهاب في منطقة السليمانية، معقل الاتحاد الوطني الكردستاني بالقول: “فيما كنا نقوم بحماية الشعب الكردي، كان مسعود برزاني يسرق النفط ويعزز نفوذه”، مضيفاً في بيان له: “اعتباراً من الآن، لن نضحي بأبنائنا من أجل عرش مسعود برزاني”.

ونشرت وكالة فرانس برس قبل حوالي شهر من الآن تقريراً عن الوضع الاقتصادي للإقليم مستندة لدراسة للبنك الدولي عام 2015. وذكرت الدراسة أن عجز الميزانية وتدفق النازحين كان لهما أثر سلبي على اقتصاد الإقليم، وأدّى إلى “انخفاض قدره 5 بالمئة في نسبة النمو بين عامي 2013 و2014، وارتفاع معدل الفقر إلى 8.1 بالمئة بعد إن كان 3,5 بالمئة للفترة نفسها”.

وأكد مصدر بارز في حكومة الإقليم لفرانس برس انخفاض أجور الموظفين الحكوميين منذ نهاية 2015 بنسبة 60 بالمئة. والأسوأ من ذلك أنه لم يتم دفع رواتب موظفي الإقليم، وعددهم 1.2 مليون شخص، خلال شهري تموز وآب الماضيين.

وترى الخبيرة في شؤون النفط العراقي ربى حصري أن الأزمة أكثر سوءاً مما تدعيه حكومة كردستان، موضحة أن “خزائن كردستان فارغة والإقليم ممزق بالديون”. وترى الخبيرة النفطية أن “الاستفتاء يمثل هرباً إلى الإمام من أجل البقاء في السلطة فيما الوضع الاقتصادي كارثي”.

ووسط الحصار المطبق على الإقليم وتلك الأوضاع الصعبة بالنسبة للأكراد فإن خسارة كركوك تشكل ضربة اقتصادية كبيرة لبرزاني. بيّد أن رجائي فايد يعتقد أن “الملف الاقتصادي سيفلت من يد الجميع وليس برزاني وحده”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى