مافيات الفساد العالمي تغتال في مالطا مكتشفة “اوراق بنما”

كما شغلت تحقيقاتها الصحفية القوية العالم، بعد أن زعزعت عروش سياسيين ورجال أعمال ومافيا منذ أكثر من سنة، شغل اغتيالها أيضًا الجميع واحتلت صورها وسائل الاعلام الدولية التي تحدثت بإطناب عن هول الفاجعة التي اعتبرها رئيس الوزراء المالطي يومًا أسود للديمقراطية في بلاده ولحرية التعبير.

إنها المدونة المالطية الشهيرة “دافنه كاروانا غاليزيا”، التي قادت فريق التحقيقات الذي كشف عن تقديم شركة “موساك فونسيكا” للخدمات القانونية في بنما، خدمات تتعلق بالحسابات الخارجية لرؤساء الدول وشخصيات عامة وسياسية أخرى، فيما عرف باسم “وثائق بنما”.

اغتيال سياسي

عشية أمس الاول الإثنين، انتهت حياة “دافنه كاروانا غاليزيا”، فقد اُغتيلت بتفجير سيارتها وهي من طراز (بيجو 108) بواسطة عبوة ناسفة قوية فور خروجها من منزلها، ويأتي اغتيالها بعد 15 يومًا من تقدمها ببلاغ للشرطة يفيد بأنها تعرضت لتهديدات بالقتل من قبل أشخاص نافذين، نشرت تقريرًا بشأن تورطهم في قضايا فساد وغسيل أموال في مالطا، حسب ما ذكرته صحيفة الغارديان البريطانية، نقلًا عن وسائل إعلام محلية في مالطا.

فور اغتيالها، خرج رئيس الوزراء المالطي جوزيف موسكات، الذي وصف كاروانا غاليزيا بأكثر المنتقدين قسوة، خلال مؤتمر صحفي منددًا بالجريمة باعتبارها عملًا همجيًا، معتبرًا الحادث “يومًا أسود لديمقراطيتنا ولحرية التعبير”، وأصدر موسكات أوامر لأجهزة الأمن بتخصيص أكبر قدر من الموارد لتقديم المسؤولين عن الجريمة إلى العدالة، وقال: “ما حدث اليوم غير مقبول على مختلف المستويات، لن أشعر بالارتياح حتى يتم تحقيق العدالة”.

احتراق سيارة الصحفية بالكامل

بدورها دعت رئيسة مالطا “ماري لويز كوليرو بريكا” إلى الهدوء، وقالت: “في هذه الأوقات عندما تروع البلاد بحادث وحشي كهذا، أدعو الجميع إلى حساب كلماتهم وعدم إصدار أحكام وإظهار التضامن”، فيما وصف زعيم المعارضة المالطية آدريان ديليا الحادث بالاغتيال السياسي، من جانبه قال أحد أبنائها يدعى ماثيو في صفحته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: “اُغتيلت والدتي لأنها كانت بين سيادة القانون وأولئك الذين سعوا لانتهاكه، مثل العديد من الصحفيين القويين، لكنها استُهدفت أيضًا لأنها كانت الشخص الوحيد الذي فعل ذلك، هذا هو ما يحدث عندما تكون مؤسسات الدولة عاجزة”.

إلى جانب ذلك، رصد مؤسس موقع “ويكيليكس” جوليان أسانج مكافأة قدرها 20 ألف دولار إلى أي شخص لديه معلومات من شأنها أن تؤدي إلى القبض على قاتل دافني كاروانا جاليزيا، وقال أسانج في تغريد له على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” إنه غاضب من خبر قتل المدونة المالطية، وعلى استعداد لتقديم المكافأة.

تورط سياسيين؟

بالنظر إلى سلسلة التحقيقات المتعلقة بالفساد التي قادته “غاليزيا”، يرى العديد من المتابعين إمكانية تورط سياسيين في اغتيال المدونة المالطية، خاصة أنها كشفت فضائح كبيرة تخصهم، ساهمت في إرباك الوضع السياسي في بلادها مالطا، وسبق أن قرر زعيم حزب العمال جوزيف موسكات، وهو رئيس لمجلس الوزراء منذ عام 2013، التوجه إلى الانتخابات العام السابق، بعد بروز اسم زوجته في إحدى قضايا الفساد الناجمة عن تسريبات ما يسمى “أوراق بنما”، رغم نفيه ارتكاب مخالفات، ووعد بتقديم استقالته إذا ظهرت أدلة على أن أسرته لديها حسابات مصرفية سرية تستخدم للرشاوى، كما اتهمته غاليزيا.

وكان آخر كشف أفشته غاليزيا في تحقيق أشار بأصابع الاتهام إلى رئيس وزراء مالطا جوزيف موسكات واثنين من أقرب المساعدين له، حيث كشفت الصحفية أن شركات بالخارج على علاقة بالثلاثة رجال تقوم ببيع جوزات سفر مالطية، كما يتلقون دفعات مالية من حكومة أذربيجان، وفور تعيين قاضية مكلفة بإجراء التحقيق في مقتل غاليزيا، طالبت عائلة الصحفية من حكومة مالطا تغيير القاضية، وقالت العائلة إن القاضية كونسويلو شيري هيريرا “بصفتها الشخصية” أطلقت إجراءات قضائية ضد غاليزيا بشأن تعليقات سابقة لها.

آخر ما كتبت

آخر ما كتبته المالطية غاليزيا على مدونتها، كان قبل 30 دقيقة من مقتلها وجاء فيه: “هناك أوغاد في كل مكان تنظر إليه الآن، لقد أصبح الوضع مؤسفًا”، في تدوينتها الأخيرة هاجمت دافنه كاروانا قادة المعارضة، ووصفت الوضع السياسي الحالي في بلدها بأنه “يائس”، وانتقدت شهادة كيث شمبري رئيس الأركان المالطي الذي مثل الإثنين أمام المحكمة في قضية وثائق بنما، ووجهت له اتهامات باستخدام نفوذه لصالح شركته الخاصة في مالطا.

وقالت دافنه إن شمبري كان في محكمة يحاول أن يقول إنه ليس محتالاً، مضيفة “يقول إنه ليس فاسدًا، رغم أنه أنشأ شركة سرية في بنما رفقة وزيره المفضل كونراد ميزي”، كما سخرت غاليزيا من قول شمبري إن راتبه لا يكفي لشراء “فول سوداني”، حيث اتهمت زوجة جوزيف موسكات – رئيس وزراء جمهورية مالطا – بتلقيها أموالًا من ابنة رئيس أذربيجان، من خلال شركة أنشأتها موساك فونسيكا، قائلة: “في النهاية حلوا مشكلات رواتبهم عن طريق إنشاء بنك مخفي في مالطا، ليختبئوا عن الأضواء”.

حياتها

ولدت المدونة دافنه كاروانا غاليزيا في 26 من شهر آب سنة 1964 في مدينة “سليمة” المالطية، تعيش مع زوجها و3 من أبنائها (وهي أم لأحد أعضاء الفريق الدولي للصحفيين الاستقصائيين يدعى ماثيو كاروانا غاليزيا، والذي فاز بجائزة “بوليتزر” لعمله على فضيحة وثائق بنما، بحسب “أسوشييتد برس”)، مهنتها في الصحافة ككاتبة عمود صحافي في “صنداي تايمز” التي تصدر من مالطا عام 1987، لتصبح بعدها مساعدة محرر في “ذا مالطا إندبندنت”، واستمرت في الكتابة في المطبوعة حتى بعد استقالتها من ذلك المنصب.

في السنوات الأخيرة، دونت دافني في مدونة خاصة، تحت اسم Running Commentary، والتي جذبت نحو 400 ألف قارئ في أيام الذروة، بحسب “بوليتيكو” الأوروبية، علمًا أن نسبة السكان في مالطا أقل من 450 ألف نسمة، وقد ضمن اسمها العام الماضي في لائحة “بوليتيكو” الأوروبية لأكثر 28 شخصًا يشكلون يهزون ويثيرون أوروبا.

وتعتبر الصحفية، عضو الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين دافني كاروانا غاليزيا، واحدة من أبرز الصحفيين الاستقصائيين خلال السنوات الأخيرة، وشاركت في تحقيقات “وثائق بنما” التي تمت بإشراف المنظمة الدولية لصحافة التحقيق واستمر لسنوات، بعد الحصول على أكثر من 11.5 مليون ملف من أرشيف وكالة “موساك فونسيكا” البنمية، والتي تعد من أكبر مكاتب الاستشارات المالية وتوظيف الأموال عن بعد، وشملت الوثائق أرشيف الوكالة منذ عام 1977 إلى 2015، واهتمت غاليزيا بالكشف عن الفساد الذي يحيط بشركات الأوف شور في موطنها.

عملها الاستقصائي

في إطار عملها الاستقصائي، كشفت غاليزيا تورط الوزير المالطي كونراد ميزي، ومسؤول موظفي رئيس الوزراء جوزيف موسكات، كيث ستشيمبري، بتلقي أموال من أذربيجان، كما قالت كاروانا غاليزيا إن شركة بنما “إغرينت” كانت مملوكة لزوجة رئيس الوزراء ميشيل مسقط، وكانت غاليزيا معارضة لاذعة لحزب العمال والحكومة المالطية لسنوات، ووسعت انتقاداتها مؤخرًا لتشمل الحزب الوطني المعارض، بحسب تقارير إعلامية.

ووصفت صحيفة الغارديان البريطانية الضحية بأنها واحدة من أبرز المحققين الصحفيين في السنوات الأخيرة، وأن ما تدونه كان يجذب قراءً يزيد عددهم عما تستقطبه كل الصحف الورقية المالطية، فيما قالت عنها مجلة “بوليتكو” الأمريكية إنها “ويكيليكس قائمة بذاتها”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى