دور السينما المصرية في فضح قضايا الفساد طوال نصف قرن

اهتمت السينما المصرية منذ بدايتها برصد الظواهر السلبية في المجتمع وتسليط الضوء عليها، بهدف لفت انتباه الحكومة إليها، ومن أهم تلك الظواهر فساد رجال الأعمال، وتلاعبهم بآمال وحقوق البسطاء، وظهورهم كأشخاص فوق القانون.

فيما يلي رصد لصور فساد رجال الأعمال، وتطورها عبر الزمن في السينما المصرية.

الأربعينات: دليلك إلى الفساد

شهدت فترة الأربعينات إنتاجاً وفيراً للأفلام السينمائية التي ناقشت العديد من القضايا الاجتماعية، ومنها فساد الذمة المالية للتجار أو الأوصياء على الأوقاف، وكيف كانت طرقهم في سرقة المال، من أجل تحقيق الثراء السريع.

ومن تلك الأفلام، فيلم “أبو حلموس” سنة 1947، من إخراج إبراهيم حلمي، وتأليف بديع خيري، وبطولة نجيب الريحاني وعباس فارس وزوز شكيب، ويناقش سرقة المال العام في أحد الأوقاف المصرية، وذلك عندما قدم الباشكاتب (الريحاني) لناظر الوقف (فارس)، دليلاً مفصلاً عن كيفية السرقة بشكل احترافي، دون أن يحاسبك أي شخص، وهو يعرض عليه فاتورة طلاء إحدى الغرف، وتكلفة العناية بالخروف، في واحد من أجمل المشاهد الساخرة.

أيضاً، وفي نفس العام، قدمت السينما المصرية، فيلم “غني حرب”، من إخراج نيازي مصطفى، وتأليف أبو السعود الإبياري، وبطولة بشارة واكيم وكمال الشناوي وهاجر حمدي وماري منيب، وتدور قصة الفيلم حول تاجر بسيط (واكيم)، الذي قرر أن يستغل فترة الحرب من أجل تحقيق الثراء، وتخزين البضائع، وذلك من خلال رشوة موظفي الحكومة من أجل الحصول على أفضل السلع الضرورية وبيعها بأسعار عالية.

الخمسينات والستينات: كل شيء مقابل المال

في عام 1951، تغنَّت الراقصة والممثلة المصرية تحية كاريوكا بأغنية “بفلوسك وبمالك” في فيلم فيروز هانم، من إخراج وتأليف عباس كامل، وبطولة فيروز وتحية كاريوكا وحسن فائق، وتدور أحداثه عن تلاعب الوصي وقدرته على سرقة أموال فتاة قاصر، وكانت هذه الأغنية بمثابة شعار المرحلة.

فمع نهاية العهد الملكي عام 1952، وبداية نظام جديد في مصر، بدأت السينما تبرز الجوانب السلبية، وخاصة فساد البشوات، أصحاب رأسمال في تلك الفترة، ففي عام 1955، عرضت السينما فيلم “الله معنا”، للمخرج أحمد بدرخان، وتأليف إحسان عبد القدوس، وبطولة فاتن حمامة وعماد حمدي وحسين رياض ومحمود المليجي، وتدور قصته حول أحد رجال القصر الذي يتعاون مع أحد البشوات، ليمرر له صفقة أسلحة فاسدة مقابل جزء من ثمنها، ويُعد هذا أول ظهور لتزاوج رأسمال والسلطة على شاشة السينما.

كذلك، فيلم “صراع في الوادي” عام 1954، للمخرج يوسف شاهين، وتأليف على الزرقاني، وبطولة فاتن حمامة وعمر الشريف وزكي رستم وفريد شوقي، يُمثل صورة أخرى لعلاقة السلطة الحاكمة مع الفساد الاقتصادي، من خلال الباشا (رستم) الذي يستغل الفلاحين للحفاظ على أرباحه من الأراضي الزراعية، وعلى أصواتهم لضمان مقعده في البرلمان.

وفي سياق مشابه نجد فيلم “الفتوة” إنتاج 1957، للمخرج صلاح أبو سيف، وتأليف نجيب محفوظ، وبطولة فريد شوقي وزكي رستم وتحية كاريوكا، يتناول نفس المشكلة، وهي استغلال التاجر الكبير لصغار التجار من أجل تحقيق مكاسب شخصية، وذلك من خلال علاقته بالقصر وحاشية الملك فاروق، لدعمه في مزادات الفاكهة والخضراوات.

وفي فيلم “شفيقة القبطية” إنتاج عام 1963، للمخرج حسن الإمام، وتأليف مصطفى سامي وجليل البنداري، وبطولة هند رستم وحسين رياض وحسن يوسف، يُقدم صورة أخرى من فساد البشوات وعلاقتهم بالراقصة شفيقة، والتي تُقيم لهم يومياً حفلات صاخبة لعقد صفقاتهم الخاصة، دون أي اهتمام بدعم الاقتصاد المصري.

السبعينات: بيئة خصبة للفساد

خلال تلك الفترة، وتحديداً بعد حرب 1973، عرفت مصر عهد الانفتاح الاقتصادي، وظهرت نوعية جديدة من الأفلام التي تناقش الأزمات الاجتماعية والاقتصادية في مصر.

ومن الأفلام التي عبَّرت بشكل كامل عن ملامح التغيير مع بعض شخصيات المجتمع المصري، وتقبله لفساد رجال الأعمال، فيلم “دمي ودموعي وابتسامتي” إنتاج 1973، إخراج حسين كمال، والمأخوذ عن رواية بنفس الاسم لإحسان عبد القدوس، وبطولة نجلاء فتحي وكمال الشناوي وحسين فهمي، والذي يلقي الضوء على دفع بطل الفيلم زوجته للبغاء مع رجل ثري من أجل المال أو المنصب.

صورة أخرى لسينما السبعينات، تتضح في فيلم “ولا يزال التحقيق مستمراً” إنتاج 1979، إخراج أشرف فهمي، ومأخوذ عن رواية لإحسان عبد القدوس، وبطولة نبيلة عبيد ومحمود يس ومحمود عبد العزيز، ويحكي عن مدحت (عبد العزيز) الطالب الفاشل دراسياً، الذي سافر إلى أوروبا ثم عاد منها رجل أعمال لا يفهم سوى لغة السوق، ومبدؤه في الحياة النجاح يعني الفلوس.

الثمانينات والتسعينات: العصر الذهبي للفساد

تُعد تلك المرحلة امتداداً لما سبقها، مع اختلاف تناول الفساد بشكل مباشر، وأسبابه ونتائجه، على سبيل المثال نجد فيلم “أهل القمة” إنتاج 1981، إخراج علي بدرخان، ومأخوذ عن رواية لنجيب محفوظ، وبطولة سعاد حسني ونور الشريف وعمر الحريري، والذي يناقش فساد الانفتاح بشكل مباشر من خلال شخصية زعتر (الشريف)، ورجل الأعمال زغلول (الحريري)، وتعاونهما معاً في تهريب البضائع، وجلب سلع منتهية الصلاحية من أجل تحقيق الثراء السريع، دون النظر للضرر الذي سوف تسببه.

كذلك فيلم “الغول”، إنتاج 1983، إخراج سمير سيف، وتأليف وحيد حامد، وبطولة عادل إمام وفريد شوقي ونيللي وحاتم ذو الفقار، والذي يتناول صورة كاملة لفساد رجال الأعمال، فضلاً عن نفوذهم التي لا يقاوم، وذلك من خلال رجل الأعمال فهمي الكاشف (شوقي)، الذي يحاول الدفاع عن ابنه نشأت (ذو الفقار)، بعد اتهامه في جريمة قتل، وتهديد كل من يحاول قول الحقيقة.

وفي إطار كوميدي من نفس العام، يقدم عادل إمام أيضاً، فيلم “الأفوكاتو” إخراج وتأليف رأفت الميهي، وبطولة يسرا وحسين الشربيني وصلاح نظمي، والذي يحكي عن حسن سبانخ المحامي الذي يستغل ثغرات القانون والاستعانة بشهود الزور، من أجل خروج حسونة محرم (الشربيني) من السجن، رغم معرفته بأنه تاجر مخدرات.

أما في فترة التسعينات فقد تعرفنا على جانب آخر من صور الفساد في حياة رجال الأعمال، وهذا ما نراه في فيلم “المنسي” إنتاج 1993، للمخرج شريف عرفة، وتأليف وحيد حامد، وبطولة عادل إمام ويسرا وكرم مطاوع، حيث يقوم رجل الأعمال أسعد (مطاوع) بعقد إحدى صفقاته، بشرط أن يقدم سكرتيرته غادة (يسرا) لشريكه، ولكنها ترفض، وهو ما يعكس كيف يفكر رجال الأعمال، وقبولهم لأي شرط من أجل نجاح صفقاتهم، كما يؤكد نظرة رجال الأعمال للبسطاء على أنهم بلا قيمة.

وفي سياق آخر مشابه نجد فيلم “حرب الفراولة” إنتاج 1994، إخراج وتأليف خيري بشارة، وبطولة يسرا ومحمود حميدة وسامي العدل، والذي تدور قصته في قالب غنائي ساخر حول رجل الأعمال ثابت (العدل)، الذي يعقد اتفاقاً مع حمامة (حميدة)، الذي يفرض عليه القيام بأعمال تشعر الأول بالسعادة مقابل منح الثاني مبلغاً من المال، تلك الصورة التي جسدها أبطال الفيلم توضح كيف أصبح البسطاء مجرد لعبة في يد الأغنياء.

الألفية الجديدة: حدِّث ولا حرج

أصبح لرجال الأعمال حصانة، وذلك من خلال عضوية في البرلمان أو العلاقات القوية مع أحد المسؤولين الكبار، خاصة بعد انتهاء موجة الخصخصة التي انتشرت في التسعينات، وأصبح السوق مفتوحاً بالنسبة لهم.

ويُعد فيلم “عمارة يعقوبيان” إنتاج 2006، للمخرج مروان حامد، أروع نموذج لتزاوج رأس المال والسلطة، وذلك من خلال المشهد الذي جمع بين نور الشريف وخالد صالح، حيث يطلب رجل الأعمال من السياسي مقعداً في البرلمان مقابل مبلغ مليون جنيه.

وفي نفس العام، يقدم فيلم “واحد من الناس” نموذجاً لرجل الأعمال الذي يدفع المال حتى لا يدخل ابنه السجن، بالإضافة إلى سجنه كل من يقف أمامه.

وفي عام 2008، تقدم لنا السينما نموذج رجل الأعمال الذي يسعى لتحقيق مكاسبه الشخصية على حساب البسطاء، من خلال الاستيلاء على أراضيهم في فيلم “بلطية العايمة”.

وفي فيلم “بوبوس” إنتاج 2009، للمخرج وائل إحسان، قدم عادل إمام بطل الفيلم نموذجاً لرجل الأعمال الفاسد، الذي يعتمد على تقديم الرشوة للكبار حتى لا يحاسب على أخطائه، فضلاً عن تقديمه لمعاناة البسطاء من جراء سياسة رجال الأعمال وغياب دور الحكومة، وذلك من خلال الشخصية التي يقدمها أشرف عبد الباقي.

وفي سياق مشابه، تدور قصة فيلم “صرخة نملة” إنتاج 2011، عن عضو البرلمان الذي يستغل حاجة أحد المواطنين للعمل بعد عودته من العراق، ويستخدم اسمه في التجارة، خوفاً من الملاحقة القانونية، وتحقيق أكبر قدر من المكاسب أثناء تواجده في البرلمان.

هناك نماذج أخرى لرجال أعمال فاسدين، رصدتها السينما المصرية في تلك الفترة مثل؛ فيلم “وش إجرام”، وفيلم “فتح عنيك”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى