قطاف الزيتون.. موسم خير وبركة يشارك فيه الكبار والصغار معاً
القدس المحتلة - قدس برس
منذ ساعات الفجر وحتى يُغادر النّور، وتغيب الشمس عن الحقول الخضراء، يعمل المزارعون كخلايا النحل في كل زاوية على أنغام تراثية؛ الموسم الذي ينتظره الفلّاح بعد أول “شتوية” من تشرين أول كل عام، لتغسل حقول الزيتون إيذانًا ببدء موسم القطاف.
كـ “أسراب” يخرج المزارعون؛ أطفال، شبّان، شابات، وكبار في السنّ أيضًا، من منازلهم مع ساعات الفجر إلى حقول الزيتون، حاملين معهم أدواتهم البدائية كالسلّم الخشبي والعصا وبعض الأغطية ليضعوها تحت كل شجرة يبدؤون بقطافها، إضافة إلى الدّلاء (جمع دلو) ليجمّعوا بها الزيتون.
جداد الزيتون بشكل غير عشوائي
يقول المختص في العلوم الإنسانية، الأستاذ نبيل علقم، إن الفلاح الفلسطيني كان ينتظر موسميْن هامّين بالنسبة له خلال العام؛ قطف الزيتون، وموسم الحصاد القمح.
ويُضيف علقم لـ “قدس برس”، أن شجرة الزيتون تعتبر شجرة اقتصادية، وكمجتمع زراعي تقليدي، كان الفلاح الفلسطيني يهتم بها اهتمامًا كبيرًا ولافتًا.
وذكر أن العائلة الكبيرة كانت تخرج كل فجر وحتى ساعة الغروب لـ “جدّ الزيتون” (أي قطفه) وكانوا يُطلقون عليها “السراحة” (أن يسرحوا للفلاحة وللقطف)، حيث يُشارك الصغير قبل الكبير، لكن بعملية مرتّبة غير عشوائية من خلال ما يُسمّى بـ “الطلقات”.
و”الطلقات”؛ طريقة يتم من خلالها توزيع مجموعات من أفراد العائلة على مناطق محدّدة من الأرض، حتى إن انتهوا من المنطقة التي حُدّدت لهم، انتقلوا إلى زاوية أخرى من الأرض، وهكذا، إضافة إلى وجود حارس “ناطور” يقوم على حماية باقي الأرض التي لم تصل لها العائلة بعد.
وبيّن علقم أن هذه الطرق يستخدمها المزارعون لسببين؛ الأول كي تُساعد الناس بعضها بعضًا في عملية قطف الزيتون وبالتالي يستطيعون إنهاء العمل بشكل أسرع، والثاني لمنع ظاهرة سرقة الزيتون.
“العونة”
كانت العائلات الفلسطينية قديمًا تُساعد بعضها البعض في “جداد الزيتون” كونه يستغرق وقتًا طويلًا قد يصل لشهور، سواء من قبل الأهل المتواجدين خارج القرية، أو الجيران والمحبين، وكانوا يُطلقون على ذلك “العونة”؛ (من معاونة الآخرين)، وعلى صاحب الأرض أن يُكرم ضيوفه ومعاونيه.
وأوضح علقم أن صاحب الأرض كان يُكرم ضيفه بوجبة غداء تحضّرها الفلاحة الفلسطينية إمّا في البيت وتأتي بها للأرض، أو أن يتم إيقاد النيران وتُطبخ على الحطب في الخلاء، بالإضافة لحلوى “الزلابيا” أو “المسفّن”.
والمسفّن هو من الحلويات الشتوية التي تتكون من العجين وحبة البركة واليانسون والقليل من بهار الكركم “أو العُصفر”، ثم يُقلى بالزيت، ويوضع بعد ذلك في القطر، ويُمكن لربّة المنزل أن تقوم بتحضيره مُسبقًا، وتأتي به للحقول، أو أن تُحضر الصاج وتوقد النار من تحته وتقليه أثناء قيام الرجال بالجِداد.
وغير ذلك، كانت هنالك عائلات فلسطينية فقيرة ومحتاجة، تقدّم يد العون لأصحاب الحقول، ويتم مُجازاتها بإعطائها جزءًا من الزيت أو الزيتون، حسب المتعارف عليه، سواء للرجال منهم أو النساء.
ظاهرة تبادل البضائع بالزيتون
يُشير علقم إلى أن ظاهرةً كانت موجودة في أيام موسم الزيتون قديمًا، وهي وجود الباعة المتجوّلين في الحقول أو عند أطرافها، فيقومون بعملية “تبادل” بضاعتهم بالزيتون.
فمثلًا كان يتواجد بائع الترمس والفول، أو الفواكه والخضراوات، أو باعة تُغري الأطفال بما لذّ وطاب من الحلوى، فيتم مُبادلة تلك البضاعة بجزء من الزيتون، وهكذا يحصّل البائع على زيتون بيته من خلال تجارته في الحقول، وفقًا لـ “نبيل علقم”.
مشاركة جميع الفئات العُمرية
منذ الإعلان عن بدء موسم قطف الزيتون، لا يُسمح لأي فرد بالتواجد في الشارع أو في البيت، وعلى الجميع أن يكونوا في الحقول وجدّ الزيتون؛ باستثناء صغار السّن ممن لا يستطيعون فعل شيء، فيُمكن أن يبقوا بالمنزل مع الجدّة الكبيرة في السن أو الجيران
وهنا لا بدّ من ذكر أن الأدوات البدائية التي كانوا يستخدمونها قديمًا هي عبارة عن سلالم خشبية وعصا صغيرة تسمّى “العِبيّة” (لمن يعمل داخل شجرة الزيتون ذاتها)، رغم أن المعتقد الذي كان سائدًا أن ضربها (الزيتونة) كان يؤثّر على محصولها في العام القادم، لكن هذا ما كان مُتاحًا، و”الطرّافة” وهي عصا ثانية يصل طولها إلى أربعة أو خمسة أمتار، تستطيع أن تصل إلى أطراف الشجرة التي لا يُمكن الوصول لها بالسلالم.
وبعد عملية القطف يتم نقل جميع الدلّاء إلى “المكمر” في المنزل، وهو مكان يتم تخزين ما قُطف من الزيتون فيه حتى نقله إلى “الفرّازات” (ماكينات فرز الزيتون).
شجرة الزيتون تتعرّض لـ “حقد” الاحتلال
كان الفلاحون قديمًا يعملون في قطف الزيتون بأمن وأمان، أما اليوم فيقومون بذلك بحذر شديد بسبب اعتداءات المستوطنين وقوات الاحتلال التي صعّدت من انتهاكاتها بحق شجرة الزيتون والفلاح الفلسطيني.
وبيّن علقم أن شجرة الزيتون تتعرّض لـ “حقد” الاحتلال، كونها رمز مهم في حياة الفلسطيني، فالاحتلال استخدم الحرق والقلع والتجريف والمواد السامة، من أجل اقتلاعها، وكذلك عملية سرقة الزيتون من قبل المستوطنين.
ويُؤكد أن عدد الأشجار المُنتهكة من قبل الاحتلال سواء التي قُلعت أو حُرقت أو وضعت عليها مواد سامة تتجاوز المليون شجرة، والمستوطنون اليوم أصبحوا يملكون حقول زيتون استولوا عليها من أراضينا، لتُصبح لديهم معاصر خاصة.
ونوه المختص بالعلوم الإنسانية، نبيل علقم، إلى أن شجرة الزيتون دليل قوي على عمق جذور الهوية الفلسطينية.