الازمة دستورية.. ولكن تجلياتها سياسية واقتصادية وادارية

نعلن باعلى الصوت واعرض العناوين، ان الدولة الاردنية تعمل بلا روح، وتخطو متثاقلة بلا حيوية، وتسير فقط بقوة الاستمرار، وتعاني هبوطاً متواصلاً في الاداء، وتقصر جهودها ونشاطاتها على مجرد تحصيل الحاصل وتصريف الاعمال الروتينية ومداومة دق الماء في الاناء.

نعلن باعلى الصوت واضخم العناوين، ان الازمة الراهنة التي تأخذ بخناق البلاد والعباد، هي ازمة دستورية اولاً واساساً، وان الازمات السياسية والاقتصادية والادراية التي تتفاقم يوماً بعد يوم، ليست سوى تجليات تعبيرية وتفصيلية عن الازمة الام المتمثلة في غياب الحياة الدستورية، واضعاف السلطات الثلاث.. التشريعية والتنفيذية والقضائية، وابعادها عن دورها الدستوري في المشاركة بتحمل المسؤولية وصنع القرار.

كلنا يعرف عمق المأزق الاقتصادي الذي ننحشر في قلبه، وكلنا يدرك حجم الترهل والتسيب والفساد المتغلغل في الدوائر الحكومية والمؤسسات العامة، وكلنا يعي فداحة التفاوت الطبقي بين اقلية مترفة واغلبية كادحة، وكلنا يلمس تدني مستوى الكفاءة في المدارس والجامعات والبلديات والمستشفيات ودور الرعاية وباقي المرافق الخدمية، وكلنا يعلم علم اليقين مدى التدهور الاخلاقي بين الناس، وابتلاء المجتمع بآفات القتل والغش والنصب والكذب والسرقة والاعتداء على المعلمين والاطباء وغيرهم.. فماذا ننتظر، او ماذا ينتظرنا، اذا ما ظل الحال دارجاً على هذا المنوال ؟؟

اعمى تماماً كل من لا يرى هذه المظاهرة المقلقة والمؤرقة والمرشحة للتصعيد والتعقيد اذا لم يتم التصدي لها بقوة وحزم، اليوم اليوم وليس غداً.. ذلك لان التأخير في المعالجة سوف ينطوي على المزيد من المخاطر والمصاعب والتداعيات السلبية التي لا تحمد عقباها ابداً.

اغلب النخب الوطنية، والهيئات الشعبية، والاحزاب السياسية، والنقابات المهنية والعمالية طالبت، عبر مئات البيانات وعلى مدى خمس سنوات، بتفعيل الدستور، ومباشرة الاصلاح السياسي الجدي، وتفعيل آليات المحاسبة والمساءلة، ووقف المصادرة المتواصلة للحريات العامة، واحترام التعددية السياسية والتنوع الفكري والثقافي، وتشكيل حكومة توافقية قوية ذات صلاحيات واسعة وولاية دستورية.. ولكن كل هذه المطالبات والنداءات لم تجدِ نفعاً، ولم تغير واقعاً، بل ذهبت ادراج الرياح.

وعندما يضطر رجل مثل عبدالهادي المجالي، المعروف بشدة ولائه للنظام، للتفكير الجدي في حل حزب التيار الوطني الذي يترأسه – جراء عقم التجربة الحزبية وانسداد آفاقها- فلا بد ان نضع ايدينا على قلوبنا، وان نعتبر ذلك بمثابة “جرس انذار” يدق محذراً من خطورة ما آلت اليه امورنا العامة بأسرها، وليس المنظومة الحزبية وحدها.

مؤسف ان يقرر هذا الرجل اعتزال العمل العام، وسحب تياره الوطني من التداول الحزبي.. ذلك لان هذا القرار لا يندرج في اطار القرارات الفردية او المواقف الفئوية الخاصة والمحدودة، بل يأتي في سياق حالة وطنية مأزومة تطال الدولة الاردنية بكل مكوناتها، وتحاصرها من جميع الجهات، وتضطرها للسير بعكس عقارب الساعة.

نعم.. ليست الاحزاب السياسية وحدها التي تهرقلت وتجوفت وفقدت جوهرها ومبرر وجودها، وتحولت بالتالي الى واجهات وديكورات شكلية منزوعة الفاعلية.. بل اتسعت فتحة البيكار لتشمل الحكومات والبرلمانات والمراكز الثقافية والاعلامية، وحتى القوى والشخصيات المعارِضة التي باتت كلها بلا دور ولا تأثير، فيما عدا الجماعة الاخوانية التي تُعتبر المستفيد الاول من هذا الحال المائل والوضع البائس.

ليت هذه السابقة “المجالية” تشكل درساً للنخب الاردنية بسائر تلاوينها وتوجهاتها، فتكف عن التهافت على المناصب والمراتب والمواقع الرسمية والحكومية، لغرض الوجاهة والثروة والخلاص الفردي، ودون ان يكون لها إسهام يُذكر في صناعة القرار ومزاولة السلطة وضبط البوصلة وتحديد الاتجاه.. ضاربة عرض الحائط بما كان لديها من مبادئ وقناعات ذاتية، وسادرة في التكيف الانتهازي مع متطلبات المناصب التي تتقلدها، ومتورطة في قلب الحقائق وتبرير التغول الفوقي على سائر المرافق والمؤسسات العامة.

ولسنا ندري ماذا يعني شعار “الاعتماد على الذات” المطروح هذا الاوان، وكيف يمكن تطبيقه على ارض الواقع، في غياب الحماس الوطني، والمشاركة الشعبية، والقدوة المثالية، والادارة الابداعية، والمشروع التنموي والنهضوي الجامع، والعدالة في توزيع الغُرم والغُنم، والتصدي لحماية الطبقة الوسطى ليس من ثقل الاعباء المعيشية فقط.. بل حمايتها ايضاً من ذاتها وانحرافاتها وتواكلها وتردي انتاجيتها، بعدما اخترقها الاسلام السياسي طولاً وعرضاً.

وعليه، فالازمة عاتية والمأزق خطير والدولة تضعف يوماً بعد يوم، وليس في الافق القريب ما يشير الى صحوة وطنية انقاذية، وتوافق سياسي بين الحاكمين والمحكومين، وقناعة بضرورة احياء الدستور وتعمق المسار الديموقراطي وتشكيل حكومة نوعية.. فماذا بعد ؟؟ وهل بات الكل الاردني يقف وسط الزاوية الحرجة وامام الباب المسدود ؟؟

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى