قيادات الحزب الجمهوري تشكك بسلامة ترامب العقلية وتتهمه بنشر الفوضى في امريكا وتقويض السلام العالمي

واشنطن-  التقرير الدوري لمراكز الابحاث الاميركية

لا يبدو ان زوبعة ترامب المفتعلة حول عدم مصادقته على الإتفاق الدولي النووي مع ايران ستغطي “إدمانه” على الإثارة حيث اضحت من ثوابت توجهاته وسلوكياته، سواء في البعد الداخلي او الخارجي، بهدف صرف الأنظار عن المواجهات والقضايا الحقيقية، وكذلك لتركيبته النفسية التي تجنح للتبسيط المفرط للقضايا الخلافية وشخصنتها.

الأزمة المتجددة اتخذت منحىً خطيراً في الأيام القليلة الماضية على خلفية “ملاسنة” بينه وبين أبرز زعيم في حزبه الجمهوري، السيناتور بوب كوركر، عززت شكوك وتكهنات المراقبين لحقيقة ما يجري “خلف الكواليس” من مناوشات بين البيت الابيض ومجلسي الكونغرس، لا سيما مع اقطاب الحزب الجمهوري عينه، وكذلك بين البيت الابيض ووزارة الخارجية.

شكك السيناتور بكفاءة وأهلية القائد الأعلى للقوات المسلحة لممارسة مهامه “بعد أن طفح الكيل” من الفوضى ومزاجية تصرفات الرئيس ترامب؛ مستخدماً مصطلحات قاسية اعتبرت “غير مسبوقة” في العرف السياسي الأميركي، معرباً عن قلقه من “تحول البيت الأبيض لمركز حضانة للبالغين.”

أهمية السيناتور بوب كوركر لا تتمثل في موقعه السياسي البارز كرئيس للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ فحسب، بل كان من أبرز المرشحين لدى الرئيس المنتخب ترامب لتعيينه إما لمنصب نائب الرئيس أو لوزارة الخارجية.

كوركر صرّح حديثاً بأن تصرفات الرئيس خلال الأزمات العالمية المستجدة “يشكل خطراً واضحاً وفورياً على السلام العالمي .. (إنه) يوجه تهديدات طائشة لدول أخرى يمكن أن تضع بلادنا على سكة حرب عالمية ثالثة.” (مقابلة أجرتها معه يومية نيويورك تايمز، 8 تشرين اول الجاري). وأضاف أن الرئيس ترامب يتعامل مع مهام منصبه بخفة وعدم مسؤولية “وكأنه يدير برنامج تلفزيوني ..”

كوركر، بعد أن تحرر من تبعات واستحقاقات الجولة الانتخابية المقبلة بإعلانه عزوفه عن الترشح مجدداً لعضوية مجلس الشيوخ في نهاية الدورة الحالية، أكّد في تصريح لاحق أن “عددًا كبيراً من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزب الجمهوري يشاطرونه ذات الاعتقاد، لكنهم ليسوا أحراراً في التعبير الصريح عن ارائهم.”

“الملاسنة” المتبادلة لم تقف عند هذا الحد، بل ذكّر السيناتور مشاهدي التلفزيون، 8 تشرين اول الجاري، باتهامات المستشار الاستراتيجي السابق للرئيس، ستيف بانون، حين قال الأخير أن “المؤسسة الرسمية في الحزب الجمهوري ترمي الى إبطال نتائج انتخابات عام 2016” الرئاسية.

توقيت “الانفجار” لم يخدم ساكن البيت الأبيض سيما وأنه كان على عتبة إعلانه قراره النهائي في مصير الإتفاق النووي، 13 أكتوبر قبل يومين من موعد المصادقة الدورية، وإنضمام عدد لا بأس به من قادة الحزب الجمهوري لجهود مناشدة الرئيس بعدم الانسحاب من الاتفاق الدولي؛ فضلاً عن التوترات المتصاعدة مع كوريا الشمالية.

احد المنابر الإعلامية المؤيدة للرئيس ترامب بشكل خاص، يومية واشنطن تايمز، 12 تشرين اول الجاري، لم يسعها الا الإقرار بأن “البيت الأبيض في عهد الرئيس ترامب أضحى نموذجا في الفوضى في الشهور الستة (6) الأولى” من الولاية الرئاسية.

في المحصلة، وجد ترامب نفسه “محاصراً” بل مقيداً من قبل الفريق الثلاثي النافذ، وزير الدفاع ومستشار الأمن القومي ورئيس مكتب موظفيه، لضبط ايقاعات تصريحاته بما يليق “بهيبة أميركا.” وانبرى الجنرال المتقاعد جون كيلي، مدير مكتب موظفي البيت الأبيض، لوضع بعض اللمسات “الحضارية” على السلوكيات المثيرة للقلق عشية الإعلان عن موقف واشنطن من الاتفاق النووي. وكذلك فعل مستشار الرئيس للأمن القومي هيربرت ماكماستر.

خسارة الرئيس ترامب لتأييد “شخصيات محورية” من حزبه الجمهوري أسفرت عن ارتدادات عالمية لحالة “التخبط والارتباك” في قمة القرار السياسي الأميركي، وحفزت وزير الخارجية الالماني، زيغمار غابرييل، على تحذير الرئيس ترامب من تداعيات قراره بالانسحاب من الاتفاق النووي كونه “سيدق إسفيناً بين اوروبا والولايات المتحدة .. علينا القول للأميركيين أن سلوكهم بما يخص إيران سيدفعنا نحن الأوروبيين (نحو) الصين وروسيا وتبني موقفاً موحداً ضد الولايات المتحدة.”

تجدر الإشارة الى مراعاة البعد الإقتصادي في الموقف الألماني إذ شهد التبادل التجاري بين ألمانيا وإيران ارتفاعاً في الأشهر الستة من العام الجاري بلغ 23% ليصل إلى 1.8 مليار يورو، وفق بيانات غرفة التجارة والصناعة الألمانية.

تخبط وعدم إتزان

  الرئيس ترامب “بدأ ينكشف كشخصية غير مستقرة فاقدة الاتزان،” ويعتبر نفسه “العليم الأوحد” بكافة القضايا المطروحة، هي توصيفات بعض أقرب المقربين للرئيس في حديث نشرته شهرية فانيتي فير، بتاريخ 11 تشرين اول الجاري.

سلطت المجلة الشهرية الاضواء على الحال المزري الذي يعاني منه البيت الأبيض من “أزمة في اتخاذ القرار .. برزت على السطح” بعد الملاسنة المتبادلة مع السيناتور بوب كوركر، استندت فيها الى شهادات عدد من موظفين “رفيعي المستوى” هناك ومن مؤيدي الرئيس أيضاً.

وأيدت المجلة في استقصائها معتقدات سابقة حول تواضع كفاءة الرئيس ترامب بالقول “يسود اعتراف متزايد بأن (الرئيس) ترامب لا يفهم متطلبات المنصب وهو عاجز عن مواكبة ذلك.”

الأمر الذي أعاد للأذهان تصريحات المرشح ترامب، تموز 2016، ليومية واشنطن بوست، بأنه يتوصل لاتخاذ قراراته “بمعرفة قليلة جدا خارج النطاق المعرفي المتوفر، إضافة لترجيح الحس العام، وأتمتع بقدر كبير من الذوق السليم.”

من بين الاجراءات التي “اضطر” الرئيس ترامب على تطبيقها بعد نصائح مستشاريه، لا سيما الثلاثي العسكري المذكور، الإقلاع عن إجراء مقابلات متلفزة “شائكة” تعود لتحاصره سريعاً على خلفية عدم انضباطه وسرعته في إطلاق الأحكام، بالإشارة الى “إلغائه” مقابلة مع شبكة سي بي أس لبرنامجا الأسبوعي الشهير 60 دقيقة.

في حفل استقبال الرئيس ترامب لرئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو في البيت الأبيض، 11 تشرين اول الجاري، لوحظ مدى عدم إتزانه بل وارتباك إجاباته في معرض رده على تساؤل الصحافيين علن مائدة غداء جمعته في اليوم السابق مع وزير الخارجية تيلرسون. أجاب ترامب “ممتاز. أنت تقصد في الاسبوع الماضي .. لأنني لم ألتق به اليوم على مأدبة غداء.”؟ يشار الى أن اللقاء كان مدرجاً على الجدول اليومي الرسمي للبيت الأبيض.

مستقبل ترامب

 حدة الخلافات مع شخص الرئيس ترامب أنعشت مطالب الراغبين بإقصائه عبر تطبيق ضوابط وأليات دستورية، والمناداة باستحضار مادة التعديل الخامسة والعشرين (25) من الدستور، التي تنص على التئام وزراء الإدارة لعقد إجتماع ينجم عنه قرار بالاغلبية يقدم كتوصية للكونغرس تطالب بإزاحته. على الرغم من توفر تلك “الآلية،” شكلياً على الأقل، إلا انها تستدعي الحصول على انضمام “وموافقة نائب الرئيس” لرفع التوصية، والذي لا يزال على رأس مهامه بتوجيهات رئيسه.

المشاحنات داخل الحزب الجمهوري ليست أسوأ الظواهر التي يواجهها. بل توعّد المستشار الاستراتيجي السابق للرئيس، ستيف بانون، بمواجهة وتحدي “كل عضو مجلس شيوخ عن الحزب الجمهوري،” أخفق في تأييد الرئيس، في جولة الانتخابات النصفية المقبلة، 2018، وتحريض القواعد الانتخابية على اسقاطه.

بانون المعروف بصراحته وفظاظته أوضح لشبكة فوكس نيوز أنه قد أعلنها حرباً “ضد المؤسسة الرسمية” للحزب والمكونة من “زمرة تدين بالولاء للعولمة.”

رئيس مجلس النواب الأسبق، نيوت غينغريتش، لا زال يصطف الى جانب الرئيس ترامب، خاصة وأن زوجته عُينت سفيرة لدى الفاتيكان، انتقد توجهات بانون وأعوانه بالقول “إشعال حرب أهلية داخل الحزب الجمهوري قد ينعش الحالة النفسية للمرء، لكن تبنيها كإستراتيجية أمر ينم عن غباءٍ مذهل.”

حالية الغليان التي تعصف بمراكز القرار السياسي الأميركي تتجه على الأرجح نحو مزيد من التأزم، وربما نشهد تجسيداً لوعود ترامب بأن “العاصفة” آتية لا محالة: لغته الرمزية لترحيل مسؤولية الاخفاقات السياسية وعدم وقوف اعضاء الكونغرس بقوة الى جانب الرئيس.

يرمي ترامب، من بين ما يرمي إليه، تحميل الكونغرس مسؤولية التصعيد مع إيران، كرد فعل وإرباك لحزبه الجمهوري على اخفاقاته في تأييد أجندة البيت الأبيض؛ وعند ميل الكونغرس لإتخاذ مسار آخر أقرب للديبلوماسية منه للمواجهة العسكرية يصبح ترامب في حِلٍ من المسؤولية ولن يتوانى عن التشهير بالاعضاء المناوئين في الحملات الانتخابية المقبلة.

الحالة النفسية المضطربة لترامب خرجت من حيز التكهن عند فريق مؤيديه وأوثق مساعديه، ودفعت بعضهم للتحدث علنا لوسائل الأعلام شريطة “التحفظ عن تحديد الهوية،” نتيجة قلق متنامي للانقسامات داخل الحزب الجمهوري والتي لن يتم احتوائها في المدى المنظور.

من المستبعد لدى تلك الدائرة الضيقة نجاح مساعي المناوئين “بتعطيل” صلاحيات الرئيس كقائد أعلى للقوات المسلحة، كما يتردد في الأوساط السياسية، مما يعزز من مخاوفهم بأنه لا يزال يملك الصلاحية القانونية لشن حرب قد تكون نووية هذه المرة.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى