“المكدوس” أكلة شعبية شامية قوامها الباذنجان المحشو بالفلفل والجوز والثوم
يعتبر “المكدوس” من أهم الأكلات الشعبية التراثية في بلاد الشام عامة وفي سوريا خاصة، وتحظى باهتمام كبير من قبل جميع الأسر السورية الغنية والفقيرة على حد سواء.
ويعود ذلك لكونها كانت- وما زالت- من الأكلات الأساسية التي يتناولها السواد الأعظم من الشعب السوري، في وجبتي الإفطار والعشاء، وأحياناً في وجبة الغداء إلى جانب بعض أنواع الأطعمة الأخرى إن توفرت.
ويشير الباحث محمد عدي الشامي إلى أن “(المكدوس) هو حبات باذنجان صغيرة الحجم، محشوة بالفليفلة الحمراء الحادة والباردة، وبالجوز والثوم والملح، يتم تنضيدها بأوعية زجاجية مختلفة الأحجام، وتغمر بالزيت البلدي للحفاظ عليها من الفساد لكي تدوم لأشهر عديدة”.
وقال لـ “الخليج أونلاين”: “إن أكلة المكدوس وإن كانت تعتبر من أشهر الأطعمة المحفوظة في جميع المحافظات السورية، وفي بلاد الشام (سوريا وفلسطين ولبنان والأردن)، فإنها تعود بجذورها إلى مدينة حلب السورية، التي أتقن أهلها صناعتها وتفننوا فيها وعملوا على تطويرها وتحسين مذاقها”.
ولفت الشامي إلى أن “هذه الأكلة من الأطعمة الشعبية، التي يتوارثها السوريون جيلاً بعد جيل، حيث رافقتهم في مختلف ظروف حياتهم المعيشية، في الشح كما في الرخاء، ولهذا تحرص معظم الأسر السورية على صناعاتها في المنازل، وتضع لها في كل عام موازنة مالية خاصة، بغض النظر عن الإمكانيات المادية المتوفرة”.
وأكد أن “(المكدوس) كإحدى الصناعات المنزلية المحفوظة، يدخل في إطار الأمن الغذائي للأسرة السورية، وتوفير المصاريف، لذلك فإن الأسرة السورية تسعى إلى تأمين مونتها من المكدوس حتى لو اضطرت لاستدانة ثمن تكاليفها”، مشيراً إلى أن “المكدوس طعام لذيذ الطعم، ويمكن تناوله في كل الأوقات، على الرغم من أنه يصنف وفقاً لقائمة الأطعمة من أنواع المقبلات الفاتحة للشهية”.
من جهتها أكدت السيدة رهام الأحمد، وهي خريجة فنون نسوية، أن “العائلات السورية تبدأ بصناعة المكدوس ابتداء من شهر سبتمبر من كل عام، وذلك خلال موسم نضج الباذنجان الحمصي أو الحموي الصغير الخاص بصناعة المكدوس، ونضج الفليفلة الحمراء، التي تعد مكوناً أساسياً في صناعة المكدوس”، لافتة إلى أن “المنازل الريفية تتحول إلى ورشات عمل، يشارك فيها الكبار والصغار في مشهد جميل يعبر عن روح التعاون بين أفراد الأسرة الواحدة”.
وقالت رهام لـ “الخليج أونلاين”: “إن تحضير (المكدوس) يتم بجلب كميات من الباذنجان الأسود الحمصي أو الحموي صغير الحجم، ويتم غسلها وتنظيفها ثم سلقها على نار هادئة في إناء كبير، وبعد نضجها ترفع من الماء وتنشر على صواني كبيرة لتخليصها من الماء الزائد”.
وأضافت: “بعد أن تجف حبات الباذنجان قليلاً يتم شقها من أحد الجوانب بشكل طولي، وحشوها بقليل من الملح، ثم تجمع الكمية كاملة في كيس خاص، وتضغط بأثقال لمدة يوم كامل، حتى تتخلص من المياه الزائدة”.
وتابعت قائلة: “بعد ذلك نقوم بتنظيف الفليلفة وتقطيعها بشكل طولي، وننشرها تحت أشعة الشمس يومين، حتى تتخلص من نسبة كبيرة من المياه، ومن ثم نقوم بفرمها على ماكينة كهربائية، بعدها نقوم بخلط الفليفلة مع الجوز أو الفستق المقطع والثوم والملح، وتصبح بذلك الحشوة جاهزة”.
واستطردت قائلة: “بعد أن تصبح الحشوة جاهزة نقوم بحشو الباذنجان بالحشوة المعدة، ونقوم بتوزيعها على صواني كبيرة لعدة ساعات، بعد ذلك نجمع الكميات بأكياس خاصة، ونضع عليها أثقال لمدة يومين حتى تتخلص من المياه، ثم نقوم بإخراج حبات الباذنجان المحشوة، ومسحها بشاشة نظيفة وتنضيدها في أوانٍ زجاجية، ونغمرها بالزيت، وتصبح جاهزة للأكل خلال أسبوع تقريباً”.