نحو انسنة الاجراءات التنفيذية في الدولة الديمقراطية بديارنا

يجمع الدارسون والباحثون في العلوم الاجتماعية في كافة دول العالم بان الدولة الديمقراطية الحديثة هي دولة – الفرد والانسان – وان اللسان والكلام والحوار هو الوسيلة الاساسية في التعامل والتواصل مع مكونات المجتمع في الدولة وليس العنف واليد والاطراف الاربعة, وان سيادة القانون هي التي تعلو على الجميع حكام ومحكومين رجال ونساء موظفين ومواطنين.. فالجميع سواسية امام القانون وتحت مضلته التي يستضل بها الجميع, وهذا النهج ليس وليد الساعة بل تكون من خلال التركمات البشرية والتجارب الانسانية في ادارة الحكم وفي تسيير شؤون الدول, وعبر السياق التاريخي والزمني الطويل.

لهذا نشأ ما يسمى بالمعايير للدولة الديمقراطية التى يحكم من خلالها على مدى التزام الدول بالعمل الديمقراطي تشريعا وممارسة عملية على ارض الواقع المعاش, ومن بين هذه المعايير المتفق عليها ولايختلف فيها اثنان, معيار انسنة نهج الدولة في التعامل مع العنصر البشري والمكون الاساسي في الدولة.. فالشعب والارض والسيادة والاعتراف الدولي هي مكونات الدول لكن العنصر البشري هو “الاس والمقام” في الدولة, فهو عدا عن انه المكون الاساسي للدولة فهو في نفس الوقت العنصر الهام في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية, وهو كذلك هدف التنمية من خلال – مدخلاتها ومخرجاتها – لهذا فان القوانين الناظمة للعلاقات الاجتماعية يجب ان يكون تنفيذها يغلب عليه الطابع الانساني الحضاري والسلوك المدني, لان معيار الانسنة يتصدر قائمة المعايير الاخرى فهو “البسط والمقام” يعلو ولا يعلى عليه من معايير الدولة الديمقراطية الحديثة.

غير ان بعض الاجراءات والممارسات التنفيذية للقانون في بعض الدول – ونحن منهم – تخرج عن اصولها ويدخل المزاج وحب التسلط والحنين الى الرجل السيد الاوحد, والى عرفية التنفيذ وهي السمة المسيطرة عليها, وهذا يعد خللا كبيرا في التوعية والتدريب في الجهاز التنفيذي, فالذي يجب ان يسود في التعامل هو البعد الانساني, لهذا لا يمكن السكوت على هذه الممارسات الخاطئة والتي تشوه النهج الديمقراطي للدولة, وعلى من يقوم به كائناً من يكون بعد اليوم, بل يجب ان يجرم وينال العقاب الذي يستحقة بحكم القانون.

اما المعيار الثاني الذي لا يقل اهمية عن معيار الانسنة فهو مفهوم العدالة الاجتماعية, فالعدالة اساس الملك والحكم واساس الامن والاستقرار واساس الطمانينة واساس التنمية وبناء الدول والعمران فيها وهو مكمل للمعيار الاول.

اما المعيار الثالث فهو السلوك المدني في التعامل على المستوى الفردي والمجتمعي والوطني, وتتوج هذه المعايير وحدة وطنية جامعة تعزز النسيج الوطني ضمن الهوية الجامعة للامة والدولة, وتطغى على كل الهويات الفرعية مع الحفاظ على الخصوصية المكانية الفطرية والذاتية لكل هوية.. فالدولة الديمقراطية العصرية لا تصنعها الا السواعد المؤمنة بالديمقراطية سلوكا ونهج حياة, والتي عانت الكثير من ممارسات الاستبداد والظلم والتهميش والتكبيل لسنوات طوال.

ان التحول الديمقراطي وتطبيق معايير الديمقراطية يحتاج الى اناس آمنوا بان السبيل الاوحد للخلاص من الاستبداد والظلم هو توظيف الديمقراطية لخدمة الانسان, اي انسان في حياته العملية والسلوكية من اجل نظرة جديدة ايجابية للمجتمع وانسانه والحياة بشكل عام .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى