ذكرى حرب أكتوبر.. ولا زال الجرح عميقاً 

 بقلم : عبدالهادي الراجح

في السادس من أكتوبر(تشرين أول) من كل عام تمر ذكرى حرب أكتوبر المجيدة التحررية كما أراد لها قادة الجيش المصري والسوري, وكان قد صادق عليها عام 1971م  الزعيم جمال عبد الناصر لأجل أن تكون واقعا على الأرض.

وتشاء الأقدار أن يرحل جمال عبد الناصر بشكل مفاجئ  ويماطل خليفته السادات ويتهرب من ذلك الاستحقاق المشرف حتى تمكن  بتوجيه من الخارج إزاحة كل من يقف في طريقه الاستسلامي الواضح الذي أعلنه في بداية حكمه، ولكنه أجبر على خوض تلك الملحمة لأن تلك كانت إرادة شعب بل ارادة أمة تريد استعادة كرامتها ودورها بعد نكسة  1967 م المؤلمة، ولكنه للأسف فعل ذلك بعد اتفاقه مع كيسنجر كما المح الأخير في مذكراته المعروفة (سنوات القلاقل) ولا زالت أسرار تلك الملحمة الخالدة لم تكشف بعد .

ولعل ما يؤلم أن أعداءنا قد ذكروا بعض حقائقها أكثر من أمتنا المعنية بها، وعلى سبيل المثال في مصر العروبة وهي الطرف الأساسي لجانب سوريا جرى للأسف القفز على تضحيات الجنود والضباط الأبطال لتكون طيلة إحد عشر عام  من حكم المقبور يهوذا السادات على  توقيع قرار العبور, حيث ركز الإعلام الساداتي على ذلك القرار التاريخي الذي وجد قبل السادات ولم يكن أمام السادات إلا تصديقه.. وبعد هلاكه سار  اللامبارك (المخلوع) على نفس النهج لاكثر من ثلاثين عاما جرى التركيز كله خلالها على الضربة الجوية .

ولكن كل تلك الأكاذيب والافتراءات لم تمرعلى شعبنا في مصر، فإذا النظام الخائن يفاجأ بثورة الشعب عليه في 18 و 19 يناير عام 1977م ، ويجد السادات نفسه مقطوعا عن العالم باستثناء أمريكا والكيان الصهيوني وإيران الشاه، وبعض الدول الغربية ذات التوجه الصهيوني المعروف ، حيث واجه ذلك الخائن المصير الذي يستحقه والمتمثل بالقتل واطلاق الرصاص، وجاء اللامبارك وبعد ثلاثين عاما خرج الشعب عليه بثورة 25 يناير المجيدة وبهتافات رددتها الملايين في ميدان التحرير (آخر طلعه جوية حتكون على السعودية) ، وفي نفس الوقت ترفع هذه الجماهير صور وشعارات جمال عبد الناصر التي طالما رددتها الملايين ليس في مصر وحدها ولكن في كل وطننا العربي المحتل الارادة والسيادة, منذ أن توقفت نيران حرب أكتوبر المغدورة وتسليم أمريكا كل أوراق وملفات قضية العرب الأولى.. فلسطين  .

وللأسف أن نهاية حرب أكتوبر المجيدة اختلفت عن بدايتها الرائعة حيث تمكن الجيشان العربيان المصري والسوري  من تحطيم إرادة العدو وجعل الجنرال الأحمق موشي ديان يرجع لرئيسته جولدا مائير باكيا منهارا وهو يقول بالحرف, أن الهيكل الثالث قد هدم .

لذلك نقول أن حرب أكتوبر  أبدع بها السلاح وفشلت بها السياسية واستسلمت لإرادة العدو عندما أقر الطرف الذي كان بيده المبادرة أن أكتوبر آخر الحروب, وأن الحل لن يكون إلا سلميا , وذلك عكس حرب حزيران (يونيو) التي خذل السلاح فيها السياسة، ولكن تلك المأساة أيقظت في الأمة شعور التحدي والإرادة  التي أكدتها سياسيا قمة الخرطوم, وميدانيا بدء حرب الاستنزاف التي كانت الأب الروحي لملحمة أكتوبر المجيدة التي وضع لها خطة العبور جرانيت 200 وشاءت لها الأقدار أن تنفذ بعد رحيل الزعيم جمال عبد الناصر  ليجعل منها السادات عبورا للأمة نحو الاستسلام الكامل لإرادة العدو التي توجت بجريمة كامب ديفيد أم الجرائم  وأفرزت جرائم أوسلو ووادي عربة والتطبيع المجاني مع العدو .

لذلك وبكل أسف نحن الأمة الوحيدة التي كان انتصارها العسكري نقمة عليها, وتحول لتبعية سياسية منحطة قاصرة قادها يهوذا الاسخريوطي  حيث كشفت صحيفة واشنطن بوست  وذكرها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل رحمه الله في كتابه الشهير (خريف الغضب) بان السادات واثنين من القادة العرب أحدهما مدير مخابرات قد تلقوا مساعدات سنوية من المخابرات الأمريكية إضافة لدخل ثابت من كمال أدهم مدير مخابرات آل سعود الى السادات بشكل شخصي  .

وعلى هذا الأساس ليس صدفة أن يزور إعلام السادات- مبارك الحقائ, وينسب الفضل والادعاء بان قطع النفط عن أمريكا كان بمبادرة من الملك فيصل, وهذا غير صحيح.. هو خفف ولم يقطع ومن استفاد من ذلك هي الشركات الأمريكية الكبرى ونظام آل سعود نفسه باعتراف هنري كيسنجر وغيره من القادة الأمريكان .

ومن المفارقات المحزنة في حرب أكتوبر أن الشاه إيران المخلوع كان يدعم الكيان الصهيوني بالنفط والغاز أثناء تلك الملحمة وأطاح به الشعب الإيراني الجار بعد أربعة سنوات, ولم يجد من يستقبله إلا السادات الذي استقبله كبطل أسطوري رغم أن أمريكا وهو ابنها المدلل رفضت استقباله بعد انتهاء دوره وادعي السادات إن الشاه كان يدعم مصر وهذا ما كذبه حتى أقرب المقربين من السادات .

بقي أن نقول أن حرب أكتوبر ملحمة عظيمة أثبتت الأمة العربية وعلى رأسها مصر أنها موجودة وقادرة على العمل حين تقرر, كما أثبتت خرافة الجيش الصهيوني الذي لا يقهر  .

رحم الله أبطال أكتوبر المجيدة الزعيم جمال عبد الناصر, الرئيس حافظ الأسد, والفريق أول محمد فوزي الذي وضع خطة العبور, والفريق عبد المنعم رياض وغيرهم ، أما السادات فقد لقي جزاؤه العادل في السادس من أكتوبر عام 1981م ، كأي خائن لامته وشعبه.

المجد والخلود لشهداء الأمة في كل حروبها مع العدو الصهيوني, ولا عزاء لدعاة سلام الإجرام والأوهام والبيع والسمسرة مع عدو الأمة التاريخي.. ولا نامت أعين الجبناء

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى