ترامب يلوح بالغاء الاتفاق النووي مع ايران ولكنه عاجز عن الفعل
منذ صعود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى سدة الحكم وهو يخالف كافة الرؤساء الأمريكيين السابقين في تناوله للعديد من الملفات، وأبرز مثال على ذلك تعامله مع أزمة كوريا الشمالية والملف النووي الإيراني.
شن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هجوما لاذعاً على الاتفاق الذي أبرمته إدارة سلفه باراك اوباما مع إيران، واصفاً إياه بـ “أسوأ اتفاق وقعته أمريكا في تاريخها”، كما وجه رسائل قاسية لطهران خلال كلمته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة قائلا، إن “كل الخيارات مطروحة للتعامل مع طهران” متهماً إياها بـ “نشر الدمار في الشرق الأوسط وتهديد إسرائيل”.
وخلال اجتماعه مع قادة الجيش وأثناء التقاط الصحفيين للصور، قال: “أتدرون ماذا يعني هذا؟ يبدو أنه الهدوء الذي يسبق العاصفة”. كلمات ترامب الغامضة عززت الشكوك التي تصاعدت بعد ما قاله أحد المسئولين في البيت الأبيض بشأن اقتراب إعلانه انسحاب واشنطن من الاتفاق مع طهران والذي من المفترض أن يستمر حتى العام 2025.
يسعى ترامب إلى تعديل الاتفاقية بإضافة بعض البنود مثل السماح بشكل تام لخبراء الأسلحة النووية التابعين للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالدخول إلى كافة المناطق العسكرية السرية الإيرانية التي تم رصد أنشطة نووية فيها وليس فقط المنشآت الإيرانية النووية الرسمية. ويقول الدكتور مصطفى اللباد الخبير بالشأن الإيراني في مقابلة مع DW عربية، إن ترامب لا يريد إلغاء الاتفاق وإنما يريد إلقاء الكرة في ملعب الكونغرس، وكل ذلك في إطار رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط تتحالف معه فيها إسرائيل ودول الخليج العربية.
وأضاف أن واشنطن لديها قلق كبير من تطوير إيران برنامج صواريخها الباليستية التي قد يصل مداها إلى 500 كيلومتراً، وهي النقطة التي يرغب ترامب في ضمها إلى الاتفاقية، إلى جانب القلق الأمريكي من تعاظم النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط وما يمثله من تهديد لإسرائيل والحلفاء الخليجيين.
ويرى اللباد أن ترامب لن يلغي الاتفاقية وإنما سيرفض عمل ما يسمى بـ “المراجعة”، فالرئيس الأمريكي بحكم منصبه عليه كل عامين إبداء الرأي في الاتفاقية باستمرار العمل بها أو الرفض، ومنذ موافقة اوباما في 2015 مر عامان الآن، وترامب غالباً ما سيقول إنه لا يوافق على الاتفاقية وسيحيل الأمر إلى الكونغرس -ذي الأغلبية الرافضة للاتفاقية- ليقرر في الأمر، ما اتخاذ القرار من خلال مؤسسات ديمقراطية.
وتنص الاتفاقية على أنه عند إجراء أي تعديل على الاتفاقية لابد من موافقة كافة الأطراف الموقعة عليها، وهو أمر لا ترغب فيه دول مثل ألمانيا. لكن فرنسا وعلى الرغم من عدم اتفاقها مع الموقف الأمريكي، إلا أنها تطالب باتفاق تكميلي للاتفاق الأساسي في مرحلة ما بعد عام 2025. لكن الاطراف تتفق على تصاعد القلق من النشاط الايراني في المنطقة، فوزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل قال إن إيران “ليست بناءة في الشرق الاوسط”. لكن هذا القلق لا يصل إلى حد الموافقة على إلغاء الاتفاقية، إضافة إلى القلق المشترك من التطور المتسارع في برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني.
يقول اللباد لـ DW عربية “بفرض انسحاب أمريكا من الاتفاقية فإن ذلك لن يجعل لا أوروبا ولا الصين ولا روسيا تنسحب منها وبذلك لن يكون لأمريكا حلفاء في هذا الموقف، كما أن باقي الأطراف ليس من المتوقع أن تشارك في أي عقوبات على طهران خصوصاً أن العديد من الشركات ولاسيما الألمانية تضررت كثيراً من وقف التعامل مع إيران التزاما بقرار العقوبات الاقتصادية”. والمشكلة الأكبر حسب رأي اللباد أنه لا يوجد بديل للانسحاب من الاتفاق وقد يصل الأمر إلى فتح الباب أمام حل عسكري لاحقاً، وهو أمر ترى أوروبا أنه ليس من مصلحتها وكذلك الصين وروسيا وهي الأطراف التي ترى أن إيران ملتزمة بما ورد في الاتفاقية وتتعاون بشكل جيد في هذا الإطار.
وبالتأكيد لا أحداً يريد أن تنشب حرب جديدة في منطقة الشرق الأوسط، لكن إلغاء أمريكا للاتفاقية من جانب واحد وفرضها عقوبات على إيران قد يدفع بالأمور في هذا الاتجاه، وهذا ما يراه اللباد، حيث يعتقد أن الخيار العسكري “لا يطرح فوراً وإنما بمجرد إلغاء الاتفاق من جانب أمريكا أو انسحابها منه وفرض عقوبات جديدة ستراها إيران عملاً عدائياً وهي الدولة الملتزمة ببنود الاتفاق، فهذا أول طريق التصعيد الذي سينتهي بخيار عسكري”. ولهذا نجح الخيار الدبلوماسي عام 2015 لأنه أبعد الخيار العسكري من على الطاولة وانتهى الأمر إلى اتفاق تمتنع بموجبه إيران عن تخصيب اليورانيوم لدرجة امتلاك سلاح نووي مقابل رفع العقوبات عنها. ويضيف الخبير في الشأن الإيراني “أن أمريكا لم يعد لديها الكثير من أوراق الضغط على إيران خاصة مع عدم وجود حلفاء لها في هذا الاتجاه”.
إيران بدورها ردت بحدة على تصريحات ترامب بشأن الاتفاقية رافضة إجراء أي تعديل عليها، مؤكدة على أن الاتفاق معني فقط بالمنشآت النووية وليس غيرها وأن مواقعها العسكرية الحساسة لا يمكن أن تكون مستباحة لأنه أمر يتعلق بالسيادة الوطنية، وأكدت طهران على أن تقارير المنظمة الدولية تؤكد التزامها بالاتفاقية وبأنها تتعاون مع الوكالة. وشددت على أن البرنامج الصاروخي برنامج دفاعي وهو أمر خارج إطار الاتفاق النووي، مشيرة إلى التزامها ببند في الاتفاقية متعلق بعدم تطوير صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية.
ويقول اللباد “بموجب الاتفاقية إيران لم تمتلك السلاح النووي، وإذا ما انسحبت منها أمريكا وبدأت في فرض عقوبات حتى وإن كانت غير مؤثرة، فإن إيران قد تفكر بأنها قد أخطأت في الاتفاق وأن الضامن لأمنها القومي هو حيازة السلاح النووي ولبس اتفاقا دوليا وهذا بالتأكيد سيفتح باباً لسباق تسلح في المنطقة”.
إلغاء الاتفاقية النووية واستقرار الشرق الأوسط
أبدت إسرائيل أكثر من مرة رفضها للاتفاقية كما أن دول الخليج لديها قلق متصاعد من الدور الإيراني في المنطقة سواء سياسياً أو عسكرياً، وفي هذا السياق يقول مصطفى اللباد في حواره مع DW عربية، إن إسرائيل ترى من البداية أن “الحل الوحيد هو ضرب إيران بالإضافة إلى إلغاء تدريس مادة الفيزياء في المدارس والمعاهد الإيرانية لمنع وجود قاعدة علمية قد تستند إليها إيران مستقبلاً في تطوير قدراتها النووية وهو هدف أبعد بكثير جداً من الهدف الأمريكي”. وعن الموقف الخليجي يقول، إن “القلق والريبة تجاه إيران هو ما يؤثر في الموقف وبالتالي فإن أي ضغط على إيران تراه دول الخليج في صالحها”.
ترامب الآن لديه تأييد خليجي-إسرائيلي كبير فيما يتعلق بالضغط على إيران، مقابل فقدان ذلك الجانب الأوروبي والصيني والروسي؛ وهذا ينطبق على الموقف من رسم خرائط جديدة للشرق الأوسط تضمن تقليص دوار ونفوذ إيران الإقليمي، وهذا هو هدف ترامب وهذا ما تود دول الخليج أن تراه يتحقق وكذلك اسرائيل. ويتوقع اللباد أنه إذا ما فرضت عقوبات جديدة على إيران فإن ذلك قد يدفعها لتخصيب اليورانيوم لندخل في “دوامة التصعيد والتصعيد المقابل”.
على الرغم من التصريحات العدائية الأمريكية المتزايدة، والتلويح بإلغاء أو تعديل الاتفاقية النووية ، فإن هناك أطرافا في الداخل الأمريكي لا ترغب في تعقيد الأمور إلى درجة يصعب معها حلها، ومثال ذلك تصريحات وزير الدفاع الأمريكي الذي طالب بضرورة الحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران.
ويقول اللباد إن إدارة ترامب غير مستعدة لمثل هذه التعقيدات حالياً، على الرغم من أن ترامب في موقف صعب بعدما وعد قبل انتخابه بإلغاء الاتفاق، إلا أن “تراجع الوزن النسبي للولايات المتحدة في النظام الدولي والذي سمح لروسيا بأن تتدخل بقوة في الملف السوري، وغيرها من الأمثلة هو ما سيمنع إدارة ترامب من خوض حرب مكلفة ضد إيران”. ويضيف: ” لو كانت أمريكا تستطيع التصعيد عسكرياً مع إيران وهي قوة عسكرية لا تقارن بطهران طبعاً، فلماذا لا تفعلها مع كوريا الشمالية التي تقع في منطقة ليست مكتظة بمصالح جيوسياسية أمريكية كما هو الحال في الشرق الأوسط؟ لكن الأمر فيما يبدو مرتبط بشكل أكبر بالتحالفات السياسية داخل امريكا إلى جانب محاولات إرضاء الحلفاء في الشرق الأوسط دون التورط في حرب”.