مخرجة سعودية توظف الفن السينمائي لدعم حقوق النساء في بلادها

منح مهرجان مدريد السينمائي الأخير جائزة أفضل مخرج عن فئة الأفلام القصيرة للسعودية ريم البيات عن فيلمها الروائي القصير “أيقظني” الذي تقف فيه البيات بأسئلتها ذات الحمولات الثقافية حيال المرأة، لا بوصفها هوية شرقية ولا غربية، بل بوصفها امرأة مجردة من كل شيء سوى إنسانيتها الحرة المقبوض عليها بين سجونها الحقيقية والمعنوية، مستلهمة في ذلك كله حالات الوعي واللا وعي التي تعيشها المرأة بين الحلم والهلوسة واليقظة العميقة.

المرأة والرجل

فيلم “أيقظني”- الذي تسيّد المهرجان في مدريد- من سيناريو ريم البيات وأحمد الملا، ومن بطولة إبراهيم الحساوي وسمر البيات وفريق عمل مكّوّن من مجموعة من الممثلين والممثلات الذين دخلوا في إطار الفيلم إما عرضاً وإما بشكل أصيل ضمن توظيف شاعري لا يخلو من الحالة المسرحية الموندرامية.

حيث نواجه البطلة “سمر” في حالة غفلة مستمرة ملتبسة بين ما هو حقيقي وما هو متخيّل، كما نشاهد زوجها “إبراهيم” قابعا في سجن ذي تفاصيل أخرى تفرضه طبيعة الحياة.

فنصيبه من الهزيمة والضياع والخيبة “كرجل” لا يقل عن “المرأة” فكلاهما غريب ضمن الأنساق اليومية، ولا يجدان بعضهما مع بعض رغم كونهما تحت سقف واحد، فكلاهما مسجون في نفسه، غير أن سجن كل واحد منهما مختلف عن الآخر، فالمرأة تمثّل سجنها داخل البيت، بينما الرجل خارجه.

هذا التمثّل الحقيقي للمرأة مقابل الرجل خلق صراعا بين الوعي واللاوعي، أخذتنا البيات من خلاله ناحية الهروب من الواقع إلى الهلوسات والخيالات المتتالية. وكأنها تردد مع فوكو بأن حياتنا الحالية ليست منصة للفرجة، وإنما هي مجتمع للمراقبة، فنحن داخل منظومة من الرؤية الكلية.

فك الحصار

يلمس المتابع لتجربة البيات مدى رغبتها في إعطاء الفضاء السينمائي لحظتها الشاعرية، من خلال الترميز واللاوعي واللامرئي كما عبّر ميرلوبونتي حين وقف هو وصديقه أمام إحدى الصور الفوتوغرافية في محاولة واضحة لتأكيد التفاعل التبادلي وحضور اللامرئي في وعي المرئي، معتبراً انطباعاته عن الصورة داخل الشخص الآخر، بينما تدخل انطباعات الآخر داخل ميرلوبونتي، بحيث يكون مع الآخر ومع الصورة، ومع الأشياء في عالم واحد.

هكذا يجد الفنان نفسه داخل العالم وخارجه في ذات الوقت. ففي تجليات اللحظة الوجودية الشاعرية لدى البيات، يصبح لكل لحظة سحرها الخاص، ولكل زاوية قراءاتها الممكنة.

ولكن، إزاء هذا التوجّه الفني يأتي رأي آخر يقول بأن السينما ليست ترميزاً ولا تجريبا ولا تجريدا، إنما هي قصة لها بداية وصراع ونهاية، ولا بد أن يكون مسارها واضحاً جلياً. الأمر الذي جعل الفريقين في حالة جدل مستمر حول ماهية الفن وحقيقته إزاء كل ما هو جديد ومختلف.

وعن ذلك تعلّق مخرجتنا البيات بالقول “أعتبر نفسي متفرعة للفن، ولا أعمل سوى في أفلاكه اللامنتهية، فكوني لا أعمل في بنك أو في مصنع أو جريدة أو مجلة أو مستشفى أو مدرسة، أعطاني مساحة بأن يكون لديّ وعي مختلف اتجاه السينما والفنون الأخرى كوني لست فقط سينمائية”.

وتضيف “تفرّغي للفن خلق لي كونا واسعا، وفي داخل هذا الكون مجرّة، وفي داخل المجرّة مجموعة شمسية، وكوكب اسمه ‘التجريب والاكتشاف’. لا يوجد في هذا الكوكب قوانين ينصها أحد، بل يعتمد على التفرّد، لذلك تمكّنت من إنجاز كل أفلامي بطريقتي الخاصة والجديدة. ولا بد للأفكار الجديدة أن تهاجم مثل ما هوجم كل فنانين العالم الجديد”.

تجربة البيات مشغولة بمحاولة فكّ حصار المرأة المقبوض عليها ثقافيا واجتماعيا ووجودياً بين الأنساق والتقاليد والأعراف، وسلطة ذكورية لا تقل ضراوة عن كل ذلك.

الأمر الذي يلتقطه المشاهد للأعمال- لا سيما الأولى- حيث الاهتمام الواضح بقضايا مصيرية لها علاقة بحقول المرأة وحريتها وزواج القاصرات، وكأن ذلك كلك كان جزءاً من مشروع تحمله البيات في حقيبتها الفنية الخاصة.

تقول في هذا الشأن “نعم كنت في السابق متأثرة بذلك في مشاريعي السينمائية، أما الآن، فقد اختلف الأمر بالنسبة إليّ، فأنا أريد أن أركّز على فضاء أوسع يتمثّل في كوني امرأة تشهد لحظة تاريخية على المستوى الإنساني، فأنا الآن أبحث عن كل الوسائل التي ساعدت على نهضة المرأة في الدول المتقدمة. وأريد أن أستوحي منها حكايات، وأقدّم حضور المرأة في الأفلام دون صراعات أو تقاليد أوأعراف، ودون أن أبيّن مدى تأثير السلطة الذكورية.أريد أن تكون المرأة في أفلامي هي رمز الحضارة الجديدة كما يليق بها”.

مهرجانات ومشاريع

عن سؤال حول مهرجان مدريد السينمائي الذي منح جائزة أفضل مخرج عن فئة الأفلام القصيرة لفيلمها “أيقظني”. بينما لم يعط الفيلم حقه على مستوى المهرجانات السينمائية العربية.

تجيب ضيفتنا “كان التقصير من جهتي، فالمهرجان الوحيد الذي شاركت فيه في العالم العربي هو مهرجان دبي السينمائي فقط. وكل مشاركاتي كانت حول العالم، وهذا لأني فنانة ولست مسوّقة جيدة على الإطلاق، لذلك لا أستطيع حتى المقارنة”.

ترى البيات أن “وجود المهرجانات السينمائية في السعودية، وغياب دور السينما وما يتعلّق بها من الحالة التجارية والتسويقية أوجدا مناخا مناسبا للفن وللإبداع كما لو كانت الأفلام لوحة فنية جميلة ممتدة وغير منتهية. فكل فنان يترك لونه الخاص عليها ويمضي. وذلك يجعل المهرجانات هي نقطة الانطلاق، حيث يلتقي السينمائيون ببعضهم البعض وتجمعهم محبة الفن والسينما. هذا بالنسبة إليّ أجمل ما في الغياب. وأتوقّع في القريب سوف تفتح دور العرض في السعودية”.

يأتي فيلم “أيقظني” بعد فيلمي “دمية” و”ظلال”، وفيلمين وثائقيين آخرين أخرجتهما البيات بالتعاون مع وزارة الخارجية السعودية. وتعكف حاليا في مجال السينما على فيلم طويل مستوحى من الخيال العلمي، وتحديدا من نظرية العوالم المتعددة، والسفر عبر الزمن والتكرار، ومدى تأثيره على العقل، حيث ستتناوله بصورة مختلفة وجديدة، ويتوقّع أن تشرع فيه في شتاء 2018.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى