جائزة نوبل للسلام.. هل فقدت قيمتها بعد جرائم زعيمة ميانمار الحاصلة عليها ؟
ليست هناك جائزة في العالم تحمل من التناقضات بقدر ما تحمله جائزة نوبل للسلام. مؤسس الجائزة الأرفع في العالم ألفريد نوبل (1896-1833) كون ثروة طائلة من صناعة الأسلحة، وهي التجارة التي اشتهرت بها عائلته. ثم طلب في وصيته أن تخصص عائدات هذه الثروة كل سنة لمكافأة شخصيات أسدت خدمات للبشرية.
ومن بين جوائز نوبل الخمس (الأدب والسلام والطب والفيزياء والكيمياء) تعتبر جائزة السلام الأكثر إثارة للجدل والأكثر ارتباطا بالحسابات السياسية والأحداث الدولية؛ وهي الوحيدة التي خيب طابور طويل من الحائزين عليها آمال الكثيرين ممن هللوا لفوزهم بها إلى درجة أن بريق الفوز بجائزة نوبل بهت، وقد وصفها جودي وليامز الحائز على الجائزة سنة 1997 لدوره في حملات حظر الألغام الارضية، بأنها “عبء لا يوصف”.
ومؤخرا انضمت إلى قائمة الفائزين المتمردين على نوبل زعيمة ميانمار أونج سان سو. ولا يتوقع أن تكون الأخيرة في ظل اتساع رقعة الحروب والصراعات. وفي ذلك عظة للجنة اختيار الفائز بالجائزة لعام 2017 الذي سيعلن اسمه الأسبوع المقبل. ولا يمكن سحب الجائزة بعد تسليمها للفائز، مهما كان حجم ما ارتكبه في حق السلم والسلام في منطقته أو في العالم.
تواجه سو كي انتقادات دولية بعضها من القس ديزموند توتو الحائز على الجائزة لعدم التحرك بما يكفي لوقف ما تقول الأمم المتحدة إنه عمليات قتل جماعية واغتصاب وحرق للقرى في محافظة راخين. وقد أجبر هذا العنف ما يقرب من نصف مليون فرد من الروهينغا المسلمين على الفرار إلى بنغلاديش.
من المرشحين لنوبل أطراف شاركت في إبرام اتفاق النووي سنة 2015 مثل وزير الخارجية الإيراني ونظيره الأميركي
شتان بين ذلك والوضع عام 1991 عندما منحتها لجنة نوبل النرويجية الجائزة وأشادت “بنضالها السلمي في سبيل الديمقراطية وحقوق الإنسان”.
وقال البروفسور جير لوندستاد، الذي كان أمينا للجنة نوبل النرويجية في الفترة الممتدة من 1990 إلى 2014، “حدث مرات عديدة من قبل أن تعرض الحائزون على الجائزة للانتقاد”.
وأوضح أن الجائزة لا تزال قوة دافعة في سبيل الخير حتى لو تخلى بعض الفائزين فيما بعد عن مُثلها.
وأضاف “أونج سان سو كي كانت ناطقة في غاية الأهمية باسم حقوق الإنسان في بورما وفي جانب كبير من آسيا. ولا يمكنك أن تنزع هذه (الصفة) عنها”.
من بين من وجهوا انتقاداتهم لسو كي القس توتو الذي كتب يقول في رسالة بتاريخ السابع من سبتمبر لمن أسماها “شقيقتي الصغرى الحبيبة” إنه “إذا كان الثمن السياسي لصعودك إلى أعلى منصب في ميانمار هو صمتك فالثمن بكل تأكيد باهظ جدا”.
وفي 19 ايلول نددت سو كي بانتهاكات حقوق الإنسان في محافظة راخين وقالت إن مرتكبيها سيعاقبون. ورغم أن الدبلوماسيين الغربيين ومسؤولي الإغاثة رحبوا بنبرة رسالتها فقد أبدى البعض تشككه في أن تبذل سو كي من الجهد ما يكفي لدرء الانتقادات العالمية.
وقال دان سميث، مدير معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام، إن سو كي ربما تكون قد ألحقت الأذى بالروهينغا. وأضاف “لها هالة” وربما تكون مكانتها الدولية العالية “غطت على الفظاعة الحقيقية” للانتهاكات بحق الروهينغا على مدى سنوات عديدة.
كانت سو كي من القلة النادرة، مثل نيلسون مانديلا، التي ارتقت من مرتبة السجين السياسي إلى الزعيم الوطني. وقد تنحى مانديلا بعد خمس سنوات من منصبه كأول رئيس أسود لجنوب أفريقيا دون أن تتأثر سمعته بشيء إلى حد كبير. غير أن بعض حلفائه في حركة التحرير في عهد الميز العنصري واجهوا فضائح في مناصبهم.
هل يستحق هؤلاء نوبل؟
وشن بعض الحاصلين على الجائزة حروبا أو أججوا نيرانها بعد الفوز بها. فقد أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجن بغزو لبنان عام 1982 بعد أربع سنوات من اقتسام الجائزة مع الرئيس المصري الراحل أنور السادات بفضل اتفاق كامب ديفيد للسلام. واغتال ضابط إسلامي بالجيش المصري السادات عام 1981.
وكان بيجن قائدا لعصابات “الأرجون” التي ارتكبت العديد من المجازر تجاه الشعب الفلسطيني، في الأربعينات من القرن العشرين، وهو الذي وصف الفلسطينيين بأنهم “وحوش تمشي على قدمين” بعد سنوات قليلة من فوزه بجائزة نوبل. وأرسل الزعيم السوفييتي ميخائيل غورباتشوف، الفائز بجائزة 1990 عن دوره في وضع نهاية سلمية للحرب الباردة، دباباته عام 1991 لمحاولة منع استقلال دول البلطيق رغم أنه سمح فيما بعد باستقلالها. واقتسم وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر جائزة 1973 مع زعيم فيتنام الشمالية لو دوك ثو عن محاولة، ثبت فشلها فيما بعد، لإنهاء الحرب الفيتنامية. ورفض ثو الجائزة ليصبح حتى الآن الفائز الوحيد الذي رفض تسلمها. وقد انتهت الحرب عام 1975 بسقوط سايجون في أيدي قوات فيتنام الشمالية.
وعندما فاز الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بالجائزة عام 2009 بعد شهور فحسب من توليه منصبه أبدى هو نفسه دهشته. وبحلول الوقت الذي وصل فيه إلى أوسلو لتسلم الجائزة في نهاية العام كان قد أمر برفع عدد القوات الأميركية في أفغانستان إلى ثلاثة أمثالها. ولم تنته ولاية أوباما الثانية إلا وقد ساهم إصراره على توقيع الاتفاق النووي وتجاهل التحذيرات من خطر تمدد إيران في الشرق الأوسط في رفع مستوى الصراع المسلح في المنطقة بدخول ميليشيات مدعومة وممولة من طهران.
حتى من أحاطت بهم صفة القداسة يواجهون الانتقادات. فالأم تيريزا الحائزة على جائزة 1979 والتي طوبها البابا فرنسيس العام الماضي انتقدتها نشرة لانسيت الطبية البريطانية عام 1994 لأنها لم تعلن للمرضى المحتضرين في دار لإقامة المرضى في كلكتا عن تشخيص حالتهم ولم تقدم لهم مسكنات قوية.
كما تعرض قرار منح الجائزة للاتحاد الأوروبي عام 2012 إلى انتقادات آنذاك؛ إذ كانت بروكسل تفرض حينذاك شروطا مالية قاسية على اليونان قال الكثير من الاقتصاديين إنها كانت سببا في قطع الأرزاق. كما انتقد توتو الاتحاد الأوروبي ووصفه بأنه منظمة تستخدم القوة العسكرية.
وقال آسلي سفين، أحد مؤرخي جائزة نوبل للسلام، إن احتمالات الشعور بخيبة الأمل تنشأ من اختيار اللجنة للفائزين لما يمثلونه من أمل أو لإنجاز حققوه مؤخرا لا عن مجمل إنجازاتهم. وأضاف “هذا هو ما يجعل جائزة نوبل للسلام مختلفة عن كل جوائز السلام الأخرى. وإلا فإنك ستمنح الجائزة لمسنين طاعنين في السن قبيل وفاتهم بقليل”.
المرشحون لنوبل 2017
تطغى المسألة النووية على توقعات الفائزين بنوبل 2017، وذلك على خلفية التصعيد بين واشنطن وبيونغ يانغ بعد التجربة النووية السادسة لكوريا الشمالية وأيضا الغموض حول مستقبل الاتفاق النووي الإيراني. وتعرض هذا الاتفاق لانتقادات المتشددين في طهران وواشنطن على حد السواء. ووصفه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنه مصدر حرج للولايات المتحدة، في كلمة أمام الأمم المتحدة هذا الشهر، وأشار إلى احتمال أن تتبرأ الولايات المتحدة منه.
ومن المرشحين للفوز بالجائزة، التي تمنحها اللجنة النرويجية بتسعة ملايين كورون سويدية (940 ألف يورو)، البابا فرنسيس وفريق “الخوذ البيضاء” السوري ومفوضية الأمم المتحدة للاجئين ورئيسها فيليبو جراندي. وسبق أن فازت المفوضية بالجائزة مرتين.
ومن المرشحين الآخرين أطراف شاركت في إبرام اتفاق إيران النووي لعام 2015 مثل وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ومسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي فيدريكا موغيريني وجون كيري وزير الخارجية الأميركي حينذاك.
وكان الاتفاق النووي طرح أيضا على قائمة المرشحين السنة الماضية، لكن ذهبت الجائزة في الأخير إلى الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس عن جهوده لإنهاء حرب مستمرة منذ نصف قرن سقط فيها ربع مليون قتيل.
وفي دليل على مدى صعوبة توقع الفائز وارتباطها بالأحداث الدولية منحت الجائزة عام 2015 إلى الرباعي التونسي للحوار الوطني الذي كان غير معروف لدى كثيرين، وفي فورة الربيع العربي سنة 2011 منحت للناشطة اليمنية توكل كرمان.