بعد عامين.. الحضور العسكري الروسي بسورية يغير موازين القوى بالشرق الاوسط

بعد عامين على بدء العملية العسكرية الروسية في سوريا، تغير ميزان القوى في الشرق الأوسط تغيرا جذري, فيما عادت روسيا إلى المنطقة بعد غياب لفترة طويلة، مع خطط شفافة وأدوات جيوسياسية موثوقة، وأثبتت موسكو أن “التفرد الأمريكي” هو أسطورة للاستهلاك المحلي، وستبقى سوريا دولة ذات سيادة تتمتع بحقوق متساوية مع أعضاء الأمم المتحدة الآخرين. والسلام في هذا البلد سوف يأتي إلى حد كبير بفضل الأسلحة الروسية.

ففي 30 أيلول 2015، أذن مجلس الاتحاد الروسي باستخدام القوات المسلحة الروسية في الخارج، وفي اليوم نفسه، حلقت مجموعة من القوات الجوفضائية إلى مطار حميميم في محافظة اللاذقية السورية. ومنذ ذلك الحين، قامت قوات الجو الروسية بأكثر من 23000 طلعة جوية، ونفذت 77000 غارة جوية، ودمرت خلالها 28000 عنصر من تنظيم “داعش” الإرهابي. وفي الوقت نفسه، قام الجيش العربي السوري بتحرير 87 في المئة من أراضي البلاد، وبات على مقربة من النصر الكامل على الإرهابيين.

ووفقا لوكالات المخابرات، ففي خريف عام 2015، شارك ما يصل إلى 2500 مواطن روسي وحوالي 3000 مواطن من بلدان رابطة الدول المستقلة في الأنشطة الإرهابية التي تقوم بها تنظيم “داعش” الإرهابي، مع تزايد تدفق المجندين باستمرار. ومع مرور الوقت، يمكن للعديد منهم العودة إلى ديارهم. وكانت الأهداف الرئيسية للعملية الروسية في سوريا هي دعم الجيش العربي السوري وهزيمة البنية التحتية لـ”داعش”، أي تدمير قاعدة الإرهاب في الشرق الأوسط.

وخلال العمليات، أظهرت روسيا مهارات الانتشار السريع والسري للقوات في مناطق نائية، فضلا عن التكنولوجيات الأكثر تقدما في العمليات القتالية. ولأول مرة في القرن الـ 21، تم نشر أسلحة عالية الدقة — صواريخ “كاليبر” وصواريخ كروز تطلق من الجو، وكذلك الصواريخ الاستراتيجية والقاذفات بعيدة المدى، بشكل واسع وفعال.

وساعدت القوات الجو-فضائية الروسية أسطول البحر الأبيض المتوسط، وجميع الأساطيل الأربعة وأسطول بحرقزوين في روسيا. ولأول مرة تشارك قوات البحرية الروسية وسلاح الجو في ضربة جو بحرية للتنظيمات الإرهابية.

وقد جاءت المشاركة العسكرية الروسية بناء على طلب من الحكومة السورية, واتفاق بين البلدين وقع في 9 آب 2016 لنشر مجموعة جوية روسية في محافظة اللاذقية لفترة غير محدودة.

في عشرات الصراعات العسكرية، كانت استراتيجية الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي تبدو رتيبة في السابق: فقد هزم العدو بسرعة بالتفوق العسكري والتقني غير المشروط.

في سوريا أيضا، هذا النوع من “عاصفة الصحراء — 2” كانت تُفعل. وقبل تدخل روسيا، شنت أكثر من عشر دول من التحالف بقيادة الولايات المتحدة ضربات بالقذائف والقنابل على الأراضي السورية دون دعوة الحكومة الشرعية وعقوبات الأمم المتحدة.

هذا التحالف هاجم منذ ايلول 2014 مواقع مزعومة لـ”داعش”، ولكن قبل ظهور الطيران الروسي، والإرهابيين في سوريا عمليا لم يختفوا. ولم يلاحظ الطيران الأمريكي البنية التحتية النفطية التي استولى عليها الإرهابيون. وقد أعلن مسلحون من “جبهة النصرة” بشكل متكرر صراحة عن تسليم الأسلحة مباشرة من الولايات المتحدة.

لكن روسيا وبمشاركة عدد قليل من الحلفاء استطاعت ان تخلق واقعا جديدا في سورية.

وكان ربيع عام 2015، قد شهد تركيز عساكر “داعش” هجماتهم على سوريا حيث سيطروا على حوالي نصف الأراضي السورية، وتمكنوا من الوصول إلى الطريق الرئيسي المؤدي إلى دمشق.

في حزيران 2015، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن الحاجة إلى إنشاء تحالف دولي ضد “داعش”  بشأن شروط مشاركة جميع الأطراف المتحاربة في المنطقة — بإذن من مجلس الأمن الدولي والحكومات الشرعية. ولم تلق هذه المبادرة قبول في الغرب.

إن المقارنة بين روسيا والولايات المتحدة في تسيير العمليات العسكرية في الشرق الأوسط تختلف من حيث المبدأ من حيث

قبل بداية العملية الجوية في سوريا، قدمت روسيا إلى السلطات القانونية العالمية، الوسائل العسكرية، والأهداف الفورية وطويلة الأجل.

واليوم، لم تعد الأمم المتحدة تحاول إلقاء اللوم على روسيا لارتكابها جرائم حرب في الشرق الأوسط. في حين اعترفت البلدان التي سعت إلى إسقاط الحكومة الشرعية السورية عبر مساعدة المسلحين, اعترفت بالجهود الجيوسياسية لموسكو في هزيمة “داعش”، حيث لا أحد يشك اليوم في أن روسيا اعتزمت الدفاع عن سوريا بكل الوسائل، وحتى المعارضة السورية أصبح بعضها مؤيداً لروسيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى