تقرير لمركز رؤية للدراسات والأبحاث حول عملية الشهيد نمر الجمل

 

تقدم أحد نمور الحرية (الشهيد نمر الجمل) صباح يوم الاثنين الماضي وهاجم مستوطنة هار أراد شمال غرب القدس التي أقيمت عام 1982م، والتي أصبحت جبل استراتيجي في السيطرة والمراقبة على الأراضي الواقعة شمال غرب القدس، منطلقاً من قرية بيت سوريك احدى قرى القدس المحتلة عام 1967م التي لم يشملها قرار الضم الصهيوني للقدس عام 1967م، فهي تقع ضمن تصنيف الضفة من الناحية الإدارية ، ولها مجلس قروي يتبع لوزارة الحكم المحلي الفلسطينية، ويفصل القرية جدار الفصل العنصري عن قرية أبو غوش، اخفى مسدسه الذي تم الاستيلاء عليه من قوات الاحتلال عام 2003م، فالشهيد عامل ويبلغ من العمر 37 عاماً، أب لأربعة اطفال، لم يعتقل في سجون الاحتلال سابقاً، لديه تصريح عمل رسمي، ليس لديه علاقة بأي من المنظمات الفلسطينية، لكنه مسلح بإرادة فولاذية ووعي بطبيعة الصراع مع العدو إما نحن وإما هم، مدركاً بأن هذا العدو ليس بالقوة التي يبدو عليها، فقوته من ضعفنا وتحديداً من انقسامنا وضعف الأنظمة التي تتكفل بتيئيس وتخويف الجماهير، فالاحتلال مشروع رابح و لن يحزم حقائبه ويرحل إلا بعد أن يتحول لمشروع خاسر، وعلينا أن نهزم جيش الاحتلال في عقر داره قبل أن نهزمه في مدننا، فإذا لم يحمل جيش الاحتلال التوابيت يومياً لن يخرج من أرضنا، فلا يصلح التفكير التقليدي في وضع غير تقليدي، فقليل من الضوء يبدد الكثير من الظلام، فأنت يا نمر الجمل شهيد اليوم كنت قليل من ضوء في عالم ملئ بالظلام والتطرف، اليوم تقدمت جميع النمور الذي لسان حالهم يقول: نحن نسير جماعة متراصة في طريق وعرة، صعبة، متكاتفين بقوة، ومن جميع الجهات يطوقنا الأعداء، وتبقى لنا أن نسير بثبات على الدوام، لقد اتحدنا بمليء إرادتنا، اتحدنا بغية مقارعة الاحتلال، لا الوقوع في مستنقع التعايش معه، فضلنا طريق النضال لا المهادنة، فخير وسيلة للدفاع هي الهجوم، فالنمور الجائعة للحرية مبادرة هجومية تحمل مؤشرات عديدة، فالقوة هي القابلة القانونية التي تلد على يدها الحرية والمستقبل الواعد، وعلينا صب الزيت على لهيبها بدمائنا، ونحن نحب الحياة، ولكننا مستعدون للموت في سبيل حياة كريمة، فمن ثمارنا عليكم أن تعرفونا، فالشعارات لا تغني ولا تسمن من جوع، ولا مهرب من زرع بذور الصمود ورعايتها وتجذيرها إلى أن تصبح سنديانة صلبة تقاوم العواصف والاقتلاع، نحن كالعنقاء نخرج من تحت الرماد، نحن طائر المنيرفا الذي لا يأتي إلا عند الغسق.

ثماني رصاصات انتقائية ودقيقة أردت بثلاثة من قوات حرس الحدود المسلح بأسلحة مجردة من الاخلاق والايمان بالحقوق، ولا يملكون الرابط الروحي بينهم وبين الأرض، فهذه الأرض لا تقبل ولا تصلح للقسمة، فهي لنا وتعرفنا جيداً بأننا ابنائها المخلصين والمدافعين عن شرفها.

لقد كسرت هذه الرصاصات حالة الصمت والهدوء من جديد، وعلى الفور قامت قوات الاحتلال وأجهزة مخابراته بإغلاق المكان والمباشرة بعمليات البحث والتفتيش، ودفعت بقواتها إلى قرية بيت سوريك وحاصرت منزل الشهيد واحتجزوا أفراد عائلته وتم التحقيق معهم، وفرضوا إجراءات عقابية على القرية والقرى المجاورة لها، وقد اثبتت مثل هذه الاجراءات سابقاً فشلها الذريع، فهي اليوم تؤكد على الفشل فالرصاص اصاب الصدور والرؤوس.

هذه الرصاصات أصبحت مثاراً للجدل والتساؤل لدى الاحتلال، كيف قام فلسطيني واحد بقتل ثلاثة جنود بمسدس قديم وصدئ؟ هذه العملية لا يمكن أن تنجح إلا إذا كان منفذها ذو مهارة عالية، حيث أن استجابته كانت سريعة، فكان لديه فقط 4 -5 ثوانٍ لإنهاء الأمر، منفذ الهجوم لم يرتبك بتاتاً خلال اطلاق النار من مسافة مترين، وجميع الاصابات في الجزء العلوي من الجسم، وهذه المهارات لا توجد إلا لدى حراس الشخصيات ووحدات النخبة، وعندما انتبه الجنود واستلقوا على الأرض قام بطعنهم واحداً تلو الآخر بشجاعة النمر العاشق للحرية، مثبتاً بالممارسة بأن الانسان له نصيب من اسمه.

وكالعادة أخذ المستوى السياسي في دولة الاحتلال يكيل التهديدات والاتهامات، والتي كانت على هذا النحو:

رئيس الدولة روؤفين ريفلين: إسرائيل ستواصل ضرب الارهاب بيد من حديد حتى تحقيق الهدوء.

رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو: سندمر منزل منفذ الهجوم وسنمنع عائلته من الحصول على تصاريح عمل، ويجب الاستعداد لمخطط جديد وغير عادي من الهجمات، واتهم السلطة الفلسطينية بأنها وراء العملية نتيجة ما وصفه بالتحريض الممنهج.

زعيم إسرائيل بيتنا ووزير الحرب افيغدور ليبرمان: قبل المفاوضات يجب مطالبة السلطة بوقف التحريض.

أفي غابي زعيم المعسكر الصهيوني: سنواصل مكافحة الارهاب والضرب بيد من حديد كل من يحاول العبث في الأمن، والاعتماد على الشاباك ليضع أيديهم على منفذي الهجمات ومرسليهم ومن يحرض على الهجوم.

زعيم المعارضة اتسحاق هرتسوغ: وصف العملية بالوحشية.

دافيد ايتان رئيس الائتلاف الحكومي: دعا إلى منع ادخال العمال الفلسطينيين إلى المستوطنات وإسرائيل ومراجعة سياسات منح التصاريح، ودعا أيضاً إلى عدم جدوى أي مفاوضات مستقبلية مع الفلسطينيين.

وزير الأمن الداخلي جلعاد آردان: دعا إلى مراجعة سياسات آليات منح التصاريح للعمال الفلسطينيين، والعمل من أجل محاربة التحريض عبر شبكات التواصل الاجتماعي.

اسرائيل كاتس: حمل الرئيس الفلسطيني المسؤولية عن الهجوم متهماً إياه بالتحريض ضد إسرائيل من خلال خطابه في منصة الامم المتحدة الذي ألقاه، ودفع الاموال لمنفذي الهجمات.

نائبة وزير الخارجية تسيبي حوتيبيلي: لا جدوى من التفاوض مع تشجيع الارهاب ودفع الاموال لعائلات المنفذين، ودعت لوقف الهجمات قبل أي مفاوضات .

أما جهاز الأمن العام الشاباك تُرك في حيرة من أمره محاولاً الإجابة على التساؤل، كيف للنظام التكنولوجي الذي تم تطويره من أجل التعرف المبكر على منفذي العمليات لم يتمكن من تحديد موقع منفذ الهجوم، على الرغم من أنه أرسل لزوجته هذا الصباح رسالة عبر موقع التواصل الاجتماعي، أعرب فيها عن نيته تنفيذ الهجوم.

لقد تركت العملية البطولية الاحتلال وأجهزته في حالة تخبط وكل الأسلحة التي يمتلكها لا تستطيع حمايته، فهي جاءت لتؤكد على أن منفذي العمل الفدائي لم يكن يحركهم الحاجات المادية أو الفقر أو صغر السن وعدم الادراك، أو ردات الفعل، بل هي تأكيد على أن المقاومة نهج حياة لشعب مقهور يقع تحت احتلال ظالم مجرم نازي فاشي، وان هناك رغبة وحب للحياة الكريمة والحرية التي تستحق بأن ندفع ثمنها أرواحنا رخيصة في سبيل انتزاعها، وفي سبيل أن يحيا ابناء شعبنا هذه الحياة التي نصبوا إليها كباقي شعوب الأرض، واليوم أكد الشهيد نمر الجمل على مقولة اتبعوني لا تقدموا، فالأعمال الثورية هي التي تخلق الظروف الثورية، وعلى جميع القوى أن تنخرط وتصب الزيت على لهيب الانتفاضة، وتحرك الجماهير وتسترد ثقتها بنفسها، وتعدها كقوى محاربة تحطم قوة العدو لاستعادة الأرض، فلا ينبغي الانتظار ريثما تتوافر شروط هذه الظروف الثورية، فالعمل الفدائي الفلسطيني مصدراً للشرعية السياسية، ورمزاً للهوية الوطنية.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى