منال الشريف.. اول سعودية تحدت سلطة بلادها بقيادتها للسيارة تروي تجربتها
قبل 6 سنوات من قرار السعودية السماح للنساء بقيادة السيارات، خاطرت الناشطة السعودية منال الشريف بنفسها وظهرت في فيديو وهي تقود سيارتها بنفسها؛ الأمر الذي أدخلها في مشكلات كبيرة آنذاك.
منال، مؤلفة كتاب Daring to Drive: A Saudi Woman’s Awakening “التجرُّؤ بالقيادة: صحوة المرأة السعودية”، روت في مقال نُشر بصحيفة الغارديان البريطانية تفاصيل مغامرتها ومن ساعدها على تنفيذها وشعورها وهي تتحدى أشد المحرمات الثقافية السعودية.
لماذا فعلت ذلك؟
تقول منال: “في عام 2011، وبينما كانت أحداث الربيع العربي تختمر، أطلقتُ حملةً للسماح للنساء بالقيادة في السعودية، ونشرت الحملة عبر تويتر وفيسبوك.
ظننت في حينها أنَّه إذا ما نشر أحدهم مقطعَ فيديو لامرأةٍ وهي تقود سيارة، فإنَّ هذا من شأنه أن (يُطبِّع) تجربة قيادة المرأة، وأن يُظهِر للمواطنين السعوديين أنَّ لا خطورة بهذا الأمر.
كما أردت إثبات حقيقة أنَّ معظمنا يستطعن القيادة بالفعل، وأنَّنا نملك رخص قيادةٍ وحتى سيارات. كذلك أردت أن أثبت أنَّ السلطات السعودية لن توقِف أنثى تقود.
طلبت من وجيهة، وهي ناشطة أخرى، مرافقتي وأنا أصوِّر الفيديو. ولأنَّ أخي لم يكن متاحاً وقتها، قررت أن أطلب من صديق، يُدعى أحمد، أن يصاحبنا؛ لأنَّ خروج امراةٍ بلا مرافق قد يثير الشكوك.
وبهذا، كانت وجيهة تقوم بدور طاقم التصوير، بينما كان أحمد سائقنا الخصوصيّ حتى أستطيع أنا التسلل وراء مقود شاحنتي الأرجوانية من طراز كاديلاك. كُنت قد قضيت أعواماً أدَّخر المال لشراء السيارة، والآن سأقودها للمرة الأولى في شوارع السعودية”.
عباءة ملونة لزوم الاعتقال
تواصل منال روايتها قائلة: “زمَّر أحمد ببوق السيارة خارج منزل وجيهة، وخرجت هيَ راكضةً من الباب.
كان شعرها مخبأً بعنايةٍ تحت حجابٍ أسود، لكنها ارتدت عباءة وردية زاهية. ونادراً ما ترتدي النساء السعوديات عباءاتٍ بلونٍ خلاف الأسود في العلن. قهقهت ضاحكةً عندما رأيت وجيهة باللون الوردي، وفكَّرت أنَّها أكثر جرأةً مما ظننتُ نفسي. لا شك في أنَّها فكَّرَت أنَّه في حال اعتقالنا، فإنَّها على الأقل عندئذٍ ستبدو على الموضة.
تفقَّد أحمد مرآة السيارة الخلفية وأدار المفتاح في مُشغِّل السيارة، ومن ثم قادها في توتُّرٍ خارج المجمع السكني حيث كنت أسكن، كان ينظر لعدَّاد السرعة، ثم لي، ثم أعلى إلى المرآة ليرى من قَد يكون خلفنا على الطريق. كان قلق أحمد مُعدياً، لكنني معه شعرتُ بنشوةٍ متزايدة.
مررنا بعدة أحياء، ثم بمخفر الشرطة المحلي، ثم وصلنا أخيراً للمقهى حيث سيذهب أحمد لتناول كوب من الشاي بالليمون والزنجبيل. أدخل أحمد السيارة في موقَف السيارات، لكنَّه لم يوقفها حتى صرنا وراء المبنى بعيداً عن الأنظار”.
خارج القفص.. هذا ما فعلته بحجابي
تروي الناشطة السعودية اللحظات الحاسمة في حياتها، قائلةً: “وأخيراً، انتقلت للجلوس على مقعد السائق وجلست وجيهة على المقعد الأمامي إلى جانبي.
تنفّستُ بعمق، وجلست داخل السيارة واضعةً يديَّ على المقود. ومع أنَّي في تلك اللحظة كُنت داخل مساحةٍ محدودة، فإني شعرت كما لو كنت أحد طيور أبي المغرّدة عندما تُطلق خارج القفص ويُسمح لها بالطيران في أرجاء الغرفة.
قلتُ لأحمد من خلال النافذة المفتوحة: شكراً، يا صديقي. سنكون بخير، لا تقلق.
وبينما كنت أضع حزام الأمان، شعرت بيديّ ترتجفان بالفعل. أولجت المفتاح في فتحة التشغيل، وعدَّلت مرآة الرؤية الخلفية، وسحبت حجابي الأسود بالقرب من وجهي؛ لأتأكَّد أنَّه لا توجد خصلات شعرٍ مرئية منه. مددت يدي داخل حقيبتي لآخذ نظارة شمسية وأضعها على وجهي غير المُغطّى، ثم نظرت لنفسي في المرآة مرة أخرى.
ماذا قالت؟
وفيما تحرَّكت السيارة على الطريق، تقول منال: “أخذت أرتِّب أفكاري لما سأقوله في مقدمة الفيديو”.
وتضيف: “أردتُ أن أعلن بصوتٍ واضحٍ وعالٍ: (هذا حقي، حق القيادة). لكنني بدلاً من ذلك أدرت مقود السيارة وحدَّقت في الطريق أمامي، شعرتُ آنذاك بهاتف الآيفون وهو يحوم بالقرب من وجهي”.
وبعد محادثة خفيفة باللغة العربية بضع دقائق مع وجيهة، قلتُ: “هناك أمرٌ يدعو للفخر في هذه البلاد. يوجد أشخاصٌ يقومون بعملٍ تطوعي بلا مقابل لمساعدة نساء المملكة.
نحن جاهلاتٌ وأميّاتٌ حين يتعلَّق الأمر بالقيادة. ستجد امرأةً حاصلة على شهادة دكتوراة، لكنَّها لا تستطيع القيادة. نحن نريد تغييراً بالبلاد.
ومثل غيري من أبناء جيلي، ممَّن كانوا آنذاك يحتشدون في المدائن والشوارع عبر شمال إفريقيا والشرق الأوسط، مَن رفعوا أصواتهم وأياديهم حاملين هواتفهم الجوالة وكاميراتهم في وجه القمع، والاستبداد، والتقاليد، كنا نحن في تلك اللحظة نتصدى لإحدى أشد المحرّمات الثقافية في السعودية ترسُّخاً.
رد فعل الناس
تحكي منال عن رد فعل الناس في الشارع، قائلةً: “نظرت إلى يساري وانعطفت بالسيارة تجاه المتجر حيث أتسوَّق لشراء البقالة كل أسبوع، وحيث يُسمَح لي بالدخول فقط ومعي سائق ذكر”.
وأضافت: “تركت مقود القيادة ينساب بين يديّ ونحنُ ننعطف، ونظرتُ للخارج لتقابل عيناي أعين أيّ سائقين قادمين مقابلي.
اقتربت شاحنة فضية من ماركة تويوتا، ورأيت سائقها ينحني قليلاً إلى يمينه ليتحدث مع امرأة جالسة بجانبه. نظر أحدهما إلى الآخر ثم إليّ مرة أخرى. ابتسمت، وسألتني وجيهة: “منال، لماذا تبتسمين؟”. أدرت وجهي تجاه يدها الحاملة هاتف الآيفون، واتّسعت ابتسامتي أكثر، وقلت: “لأنني أقود”.
كان مرأب السيارات مكتظاً بالسائقين الرجال، الواقفين بجانب سياراتهم منتظرين خروج زبائنهم من النساء. اتسعت عيونهم وتابعتنا، أمكنني سماع العديد منهم يتهامس أحدهم للآخر باللغة الهندية أو الأردية. لكنَّ أحداً منهم لم يواجهنا.
شعرت كما لو كنتُ طفلاً يخرق القواعد، لكنني أدركت أيضاً أنَّ هذا شأنٌ أكثر خطورة من أن يكون مجرد مزحةٍ طفولية. قلت: “وجيهة، لنشترِ بعض الأغراض. أريد أن أشتري حلوى لابني”.
سِرنا عبر أروقة المتجر، واضعين أغراضاً في سلة المشتريات: زجاجة ماء، ثمرة فاكهة، وشوكولا لابني، عبودي. وعند خزينة الدفع، وقفت كلتانا جنباً إلى جنب، ولم نقل شيئاً فيما أخرجت محفظتي.
فخر وضحك
تقول: “سِرنا بفخرٍ عبر المرأب، وفتحنا أبواب السيارة ثم عدنا إلى داخلها. وعندئذٍ فقط انفجرت أنا ووجيهة في ضحكٍ عفوي، قائلتين في اللحظة نفسها: “لقد فعلناها!”. وضعت يدي المُتعرِّقة بعض الشيء على المقود، وأدرت السيارة، وقلت: “هيا بنا يا وجيهة، لنستمر في القيادة”.
عادت وجيهة للتصوير، لكنني بالكاد تفوَّهت بكلمة. وبدلاً من التحدُّث نظرتُ لمساحة السيارة وقوتها ولشعور النصر الذي لا يمكن إنكاره. علمت حينها أنَّه مهما خبَّأ لي المستقبل، فإنني قد قمتُ بشيءٍ مهم وذي معنى. ذلك اليوم، شعرت كأنني أقود من أجل السعوديات أجمع، وبشكل ما، كانت تلك حقيقة الأمر.
وفيما كنت أقود، تأملت الطريق الذي يأخذه سائقي عادةً لمغادرة المتجر. لكنني علمت أيضاً أنّني ما زلت لا أمتلك مثل تلك الحرية. وبعد بضعة كيلومترات، اتجهت بالسيارة إلى المقهى حيث تركنا أحمد.
لم أقُد بسرعةٍ ولا ببطء، لكنني وجدت نفسي أنظر إلى الشوارع والمباني المألوفة التي لم أرها قبلاً من موضعٍ غير مقعد السائق. ولم أستطع أن أمنع نفسي من النظر في اتجاه مخفر الشرطة عندما مررنا بجواره. كان ذلك المخفر ذاته حيث احتُجِزت بعد يومين من ذلك.
تجدر الإشارة إلى أن الفيديو الذي ظهرت به الناشطة منال الشريف والذي صوَّرته رفيقتها وجيهة الحويدر وهي تقود سيارتها بمدينة الخبر في يوم 20 أيار، وشوهد أكثر من 600 ألف مرة على موقع يوتيوب، وفقاً لما ذكره تقرير لموقع “فرانس 24”.