الديمقراطية الالكترونية
بقلم : د. زيد احمد المحيسن

قد يتساءل البعض منا عن ماهية هذا العنوان ! وما هي علاقة التكنولوجيا بالديمقراطية ؟ وهل هذا الكلام حقيقي ام نوع من الخيال العلمي ؟ وهل يمكن تطبيقه في مجتمعاتنا العربية ؟ وهل الحديث عنه ضروره ام نوع من الترف الاداري غير المحبب ؟
وللاجابة على هذه التساؤلات اقول بكل وضوح وشفافية بان الديمقراطية الالكترونية قادمة لا محالة, وهي مهمة لنا بمقدار حاجتنا الى الماء والهواء والغذاء, فمفتاح العملية الديمقراطية هي الانتخابات للمجالس المحلية والمجالس النيابية.
والديمقراطية من حيث الممارسة نوعان : الديمقراطية المباشرة اي التى يمارس فيها المواطن حقه الدستوري مباشرة بالرقابة والتصويت على مشاريع القوانين والقرارات الحكومية.. اما الديمقراطية غير المباشرة فهي التى يتم فيها انتخاب نواب يمثلون الامة للقيام نيابة عنها في اعمال التشريع والرقابة على الاداء الحكومي.
وفي هذا العصر طغت الديمقراطية غير المباشرة على الديمقراطية المباشرة نتيجة لعوامل كثيرة, منها الزيادة في عدد السكان, وعدم وجود اليه للتصويت ومكان لاجتماع الناس يستوعب الاعداد الكبيرة من السكان في الدولة, وانشغال الناس في اعمالهم وامور اخرى, ولكن مع تقدم وسائل التكنولوجيا الحديثة واتساع الفضاء الالكتروني وخاصة نعمة الانترنت سيكون في مقدور البشر ان يمارسوا الديمقراطية المباشرة, والعودة الى اصول الديمقراطية القديمة, ولكن ضمن آليات الكترونية جديدة, حيث سيكون بالامكان عرض التشريعات ومشاريع القرارات على المواطنين مباشرة وبدون وسطاء, حيث يقول المواطن كلمته فيها اما بالموافقة او بالتعديل او بالرفض, وبهذه الطريقة يطبق الشعب سلطته التشريعية والرقابية بنفسه مباشرة وتتجسد هنا مفهوم الديمقراطية من انها “حكم الشعب للشعب وبالشعب”.
اما آلية عمل الديمقراطية المباشرة في العصر الالكتروني فستكون على النحو التالي : سيكون لكل مواطن رقم وطني وE-Mail – وجهاز حاسوب, فيتم الاعلان من قبل الادارة التنفيذية مباشرة الى المواطنين عن مشاريع القوانين ومشاريع القرارات مباشرة وبدون وسطاء, ويتم التصويت عليها خلال فترة محددة, فتمرر هذه القوانين والقرارات اما بالموافقة او بالتعديل او بالرفض, وبهذه الطريقة لن نحتاج الى مجلس للنواب لينواب عنا في اقرار القوانين ومراقبة الاداء الحكومي, فكل مواطن هو رقيب ومشرع في ان واحد, حيث بهذه الطريقة سيمارس الشعب الديمقراطية المباشرة عوضا عن الديمقراطية النيابية, وبهذه الطريقة سنحافظ على النسيج الوطني قويا ومتينا وسنحافظ على منعة المجتمع من التفرقه والاختلاف نتيجه لفوز طرف على الاخر, كما يحدث في الديمقراطية النيابية الان.
لان كل المواطنين في الديمقراطية المباشرة هم اعضاء فى مجلس التشريع –البرلمان- فان ميزانية مجلس النواب الحالية ستحول الى خزينة الدولة, نظرا لان المواطن اصبح يمثل نفسه بنفسه مباشرة ودون وسيط, كذلك فان رواتب النواب وسفرياتهم وامتيازاتهم ستؤول الى خزينة الدولة, اضافة الى ان مباني مجلس النواب يمكن استثمارها وتاجيرها الى شركة العبدلي للاستفادة من عوائد التاجير والاستثمار, وبهذه الطريقة سنزيد في مدخرات خزينة الدولة بابا جديدا.
وتحت عنوان فوائد العصر الالكتروني –قد يقول قائل من ان هذا الطرح خيالى ولايمكن ان يتحقق وانا بدوري اجيب بان كل العلوم بدأت بطرح ما يسمى –الخيال العلمي – ولكن بوجود الارادة الصادقة والعزيمة القوية واساليب البحث العلمي الحديثة تحقق الخيال العلمي الى واقع ملموس نشاهده ونستفيد من خدماته يوميا – فعلا سبيل المثال – نحن في الاردن سنحتفل باخر امي في عام2025 وسيكون لدينا جيل يملك ناصية العلوم والتكنولوجيا خلال فترة قصيرة, وحاليا اصبح لكل مواطن رقم وطني والغالبية العظمى من الموطنين لديهم في منازلهم جهاز حاسوب او اكثر ولا اظن الحكومه ستبخل على مواطنيها بتوفير جهاز حاسوب لكل مواطن مجانا وثمن هذه الحواسيب سيكون من وفر اكلاف ونفقات اعضاء مجلس النواب الحالي ومبانيه المستثمرة.
لهذا فان كل ما نحتاجه في بلادنا ليس قانون انتخاب بصوت او صوتين, بل الى عملية الاسراع في بناء منظومة الحكومة الالكترونية وتطوير آليات عمل الديمقراطية الالكترونية المباشرة, واستصدار تشريعات قانونية تخولنا من ممارسة هذا الحق الدستوري الكترونيا في القريب العاجل .