خرج الزوج ولم يعد .. ظاهرة آخذة في الانتشار بالمدن المصرية

 

كشفت احصائيات رسمية عن معاناة الكثير من الزوجات المصريات من ظاهرة هروب الأزواج, حيث تشكو مصر حاليا من تفاقم هذه الظاهرة بسبب تدني مستويات المعيشة وعجز البعض من الأزواج عن تلبية متطلبات الحياة، فيكون الحل بالنسبة إليهم في الهروب تاركين خلفهم زوجات معلقات.

ويظل وضع الزوجة مرهونا بعودة زوجها، وهي العودة التي تكون أحيانا في حكم المستحيل، ومن ثم لا تستطيع الحصول على الطلاق حتى يمكنها الاستمرار في إدارة البيت دون مواجهة المجتمع والقانون.

وتكون الزوجة عندئذ فريسة في ظل موقف اجتماعي متأزم يلقي باللائمة دائما على النساء، متجاهلا الوضع الاقتصادي الطاحن وموجة الغلاء التي تضرب البلاد في مقتل وتدفع البعض لتقليص نفقاته وحصرها على الضروريات فقط.

ويجعل هروب الزوج أو “الطفشان” (باللهجة المصرية الدارجة) الزوجة محرومة من أيّ ورقة رسمية حتى لو كانت شهادة وفاة تؤكد أنها أصبحت أرملة، حيث لا أخبار تأتيها عن هذا الزوج الهارب، وحتى إذا لجأت إلى القضاء لتحديد وضعها فإن تلك القضايا تبقى معلقة أمام المحاكم لسنوات طويلة قد تخسر المرأة فيها فرصة عمل جيدة، أو السفر إلى خارج البلد للبحث عن حياة أفضل، بل ولا تستطيع نقل أطفالها من التعليم الخاص إلى العام أو العكس نظرا لضرورة موافقة الزوج أولا، وهكذا تصاب حياتها بالشلل التام.

وتسجّل محاضر أقسام الشرطة المصرية حالات كثيرة عن اختفاء الرجال المتزوّجين تحرّرها النساء دون أن يُقدمن أسبابا محددة للاختفاء، لكنّ الجميع يعرف أن لذلك العديد من الأسباب وعلى رأسها الظروف الاقتصادية الطاحنة هذه الأيام وغلاء المعيشة.

وقال أحد ضباط الشرطة إن “هذه الحالة شاذة جدا وخارجة عن المألوف، لكنها تكثر في المدن مقارنة بالريف الذي مازال محتفظا بالترابط الأسري، حيث بيت العائلة الكبير يضم الجميع تحت سقفه، والحياة هناك بسيطة وخالية من غلاء المدن، كما أن الجميع يتكافل ما يخلق حالة من الرضى والتكامل بين الأهل والجيران”.

وتكتظ ساحات محاكم الأسرة في مصر بنساء جئن طلبا للطلاق أو الحصول على حكم بأن “الزوج مفقود” حتى يستطعن مواصلة الحياة من جديد. وأفادت دراسة أعدها المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية بالقاهرة بتزايد أعداد الأزواج الهاربين من حياتهم الزوجية إذ بلغت 18 ألف حالة، ولم يتقدم ببلاغات للشرطة إلا 11 ألفا فقط، أما النسبة الباقية فهي تتأرجح بين التشبث بأمل العودة أو الخوف من نظرة المجتمع الذي لن ينصف الزوجة وسيوجّه أصابع الاتهام إليها في جميع الأحوال.

وأرجعت الدراسة أسباب الظاهرة إلى سوء الأحوال المعيشية والفقر أو عدم تقارب وجهات النظر وسوء التفاهم، مما يخلق حالة من عدم التواصل والنفور التام بين الزوجين.

ومن جانبها قالت سامية خِضر أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس بالقاهرة إن “هروب الأزواج ظاهرة عالمية ولا تقتصر على مصر وحدها، وترجع أسبابها إلى الفقر والجهل، فغالبا ما يهرب الزوج من المسؤولية تجاه أسرته إذا ضاقت به الحال وتيسرت له فرصة عمل بالخارج والحياة بعيدا عن الالتزام الأسري، ولا يحدث هذا في العائلات والأسر الغنية المثقفة لأنّ الزوج فيها يملك مقومات الحياة ويستطيع التغلب على المشاكل الحياتية والزوجية بأكثر من وسيلة”.

وشددت على أننا في الكثير من الدول العربية لا نُعلّم الرجل مسؤولية الحياة الزوجية، بل إن لدينا ثقافة راسخة بأن الرجل لا يعيبه سوى الفقر، وفي المثل المصري الدارج يقولون “الرجل يعيبه جيبه”، وهكذا عندما لا يستطيع الرجال مواجهة الفقر يشعرون بالذل والإهانة فيهربون.

وانتقدت خِضر تعامل الرجل مع تلك الأمور بشكل سلبي، فبدلا من البحث عن حلول منطقية لمشاكله ومواجهتها وحلّها جذريا للقضاء على أسبابها لضمان عدم عودتها مرة أخرى واقتحامها والتعامل معها بإيجابية يلجأ لأقصر وأسهل الطرق وهو القفز من المركب تاركا خلفه المشكلات تتفاقم.

وأوضحت أن الرجل يمكنه البحث مثلا عن عمل إضافي أو إقامة أيّ مشروع لزيادة الدخل لمواجهة تزايد النفقات، وهنا لا بد من الحوار بين الزوج والزوجة حتى يساهما معا في إيجاد الحلول.

وتابعت خضر “أما في حالة كون هروب الزوج ناتجا عن الفشل في إتمام العلاقة الحميمة أو العجز الجنسي الكلي والجزئي فإن على الزوجة مساعدة زوجها بصراحة وشفافية وتفاهم بحثا عن العلاج الطبي الذي قد يستغرق بعض الوقت”.

وأشارت خِضر إلى أنه في الحالات التي يهرب فيها الزوج نتيجة لسلاطة لسان الزوجة وغطرستها أو تكبّرها بسبب ارتفاع مستواها المادي أو التعليمي ومستوى أسرتها، بل وحتى في الحالات النادرة التي يبلغ فيها تجبّر الزوجة أحيانا حدّ ضرب الزوج، فإن سلبية الرجل وهروبه لن يفيداه ولن يفيدا أسرته، لأن الزوجة سوف تمارس نفس القهر والتعذيب على الأطفال، وهنا فإن المواجهة الحاسمة للوصول إلى حل قاطع تكون خيرا من الهروب.

كما أكد علاء رجب استشاري الصحة النفسية والعلاقات الأسرية أن هروب الأزواج يُعدّ رسالة خطيرة للزوجات مفادها أنه كرجل غير مؤهل لتبعات الزواج وفاقد لرخصته، وعندما يهرب الأزواج فهم بذلك يكتبون نهايتهم كأزواج وآباء أيضا، إذ يكبر الطفل وهو يرى دموع أمّه تبكي قهرا من ظلم رجل تركها وحدها في مواجهة الحياة، وبالتالي يكره هذا الأب ويراه عنصر هدم للأسرة وليس عنصر بناء.

وأوضح أن هروب الزوج من المنزل له أكثر من شكل، فهناك الرجل الذي يتواجد في المنزل كصورة فقط دون أيّ تدخّل في تفاصيل الحياة تاركا المسؤولية على عاتق الزوجة التي يهملها ويهمل علاقته بها، بداية من إهمال الحوار المشترك ومناقشة حياة الأبناء مرورا بالعلاقة الحميمة بينهما وانتهاء بإهمال الإنفاق على البيت والأبناء.

 

وأضاف “هذا النوع يطلق عليه الطلاق الصامت، ما يصيب الزوجة بالتوتر والضيق وينتج عنه اضطراب في مشاعرها وأحاسيسها وهنا تحدث الشروخ ويتسلل الفتور إلى العلاقة، فنجد الكثير من النساء يظلمن أنفسهن حفاظا على البيت والأبناء.

وأضاف رجب إن “نساء كثيرات تستبعدن فكرة الطلاق عندما يهرب الزوج لخوفهن الشديد من نظرة المجتمع السلبية للمرأة المطلقة فتبقين في رحلة البحث عن الزوج الهارب أو المفقود خوفا من نظرات اللوم المسلّط عليهن، وتتملكهن مشاعر سلبية تجاه أنفسهن فيفقدن الثقة في استعادة الزوج ورغم ذلك يظل الحفاظ على الشكل الاجتماعي محرضا أساسيا على عدم الاعتراف بالفشل في البحث، وتتملكهن حالات متناقضة من الحيرة والتخبط الفكري والشتات الذهني، إضافة إلى الاضطراب النفسي والوجداني للأبناء”.

ولفت إلى أن وطأة الأمر تزداد عند الأطفال في المرحلة العمرية من 6 إلى 9 أعوام، وينتج عن التشتت الأسري ضعف في شخصية الابن أو الابنة، وسلوكيات عدوانية تجاه نفسه والآخرين جراء غياب السند والأمان، بالإضافة إلى بعض الانحرافات السلوكية في مرحلة المراهقة في الفئة العمرية من 10 إلى 16 عاما.

وأوضح استشاري الصحة النفسية أن هناك المرأة القوية التي تستطيع التكيّف مع متغيرات الحياة وتواجه الصعاب وحدها بقوة شخصية وتفكر بشكل إيجابي في التخلص من تبعات زواج فاشل ورجل فقد رصيده من الحب في بنك الحياة، وتتخلص من سطوته المزيفة عليها وعلى مشاعرها وتهرب بجلدها من شبحه حتى لو تعرّضت للنقد اللاذع من أهله أو أهلها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى