السينما المصرية المشبعة بالافلام الواقعية تعود لتغرف مجددا من كنوز التاريخ
خلال موسم عيد الأضحى بمصر تم طرح فيلم “الكنز” الذي يمثّل عودة المخرج شريف عرفة إلى الأفلام التاريخية، بالتعاون مع كاتب الدراما التلفزيونية الشهير عبدالرحيم كمال، والذي زادت أسهمه كثيرا في السنوات الأخيرة بعد تعاونه مع العديد من الممثلين المصريين الكبار، مثل الراحل نور الشريف ويحيى الفخراني في أعمال مثل “الرحايا” و”حجر القلوب” و”الخواجة عبدالقادر” و”ونّوس” وغيرها.
و”الكنز” فيلم تاريخي يرصد ثلاثة عصور تاريخية هي: الفرعوني والمملوكي والنصف اﻷول من القرن العشرين، ويدور حول فساد وسطوة البعض من رجال الدين عبر العصور على السلطة وتعاملهم السيء مع الشعب، وكيف أنهم يقحمون الدين في السياسة من أجل الحصول على المناصب، ويظهر ذلك مُجسدا من خلال شخصية “علي الزيبق” التي يؤديها الفنان محمد رمضان، وهي من شخصيات التراث المصري القديم.
والفيلم التاريخي الآخر يحمل عنوان “سِرّي للغاية”، للمؤلف وحيد حامد والمخرج محمد سامي، وهو بمثابة تأريخ للمرحلة السياسية التي مرت بها مصر عقب ثورة 30 يونيو 2013 في حربها على الإرهاب، من خلال عمليات حقيقية دارت بين رجال الشرطة وجماعة الإخوان وتم توثيقها في هذا العمل الذي يلعب بطولته الفنان أحمد السقا.
والأفلام التي تتخذ هذا الطابع التاريخي كانت قد سقطت من ذاكرة المشاهد المصري منذ نهاية التسعينات من القرن المنصرم، وكان آخرها فيلم “رسالة إلى الوالي”، بطولة عادل إمام وعُرض عام 1998، وسبقه بعام فيلم “المصير” بطولة نور الشريف وإخراج يوسف شاهين.
والعودة إلى هذه النوعية من الأفلام تطرح تساؤلا هاما حول مدى وأهمية الاحتياج إلى وجود هذا النموذج بالساحة الفنية الآن، وأيضا المدى الذي سيكون عليه الإقبال الجماهيري.
الناقد الفني نادر عدلي أكد لـ”العرب” أن السينما المصرية ليست في حالة سيئة كما يشاع، وإنما هناك تعمّد للهروب من الموضوعات الجادة بعد إخفاق واضح في محاولات تناول ثورة 25 يناير وصولا إلى 30 يونيو، ومن المؤكد أن تجربتي “الكنز” و”سِرّي للغاية” سيرتبط بهما الجمهور لحبه للأفلام التاريخية.
وأضاف أن هناك تجربتين تؤكدان تركيز الجمهور على الشكل الفني للفيلم التاريخي أكثر من التركيز على المضمون ذاته، الأولى هي فيلم “الناصر صلاح الدين” للمخرج يوسف شاهين وبطولة الفنان الراحل أحمد مظهر، ورغم اختلاف الكثير من المؤرخين على مدى صدق “تاريخية” ما قدمه الفيلم عن شخصية صلاح الدين الأيوبي، إلاّ أن ذاكرة المشاهد ستظل عالقة في فنيات الفيلم من ملابس وديكورات وأداء ممثلين وموسيقى.. وغيرها.
أما التجربة الثانية فهي فيلم “رُدّ قلبي” للفنان الراحل شكري سرحان والراحلة مريم فخرالدين، والذي رصد حال المجتمع المصري والسياسي قبل وبعد ثورة 23 يوليو 1952، وكان صادقا في عرضه لمسألة أنه قد تحقق البعض من العدالة الاجتماعية للمصريين بعد الثورة، بالتالي أصبح الفيلم بالنسبة للمشاهدين بمثابة تأريخ لتلك المرحلة مع أن الفيلم شابته نواقص كثيرة من الناحية الدرامية، وامتلأ بالمبالغات.
وأوضح عدلي أن قراءة الواقع الحالي في الأفلام الدرامية لن تكون قراءة ناضجة، بينما الأفلام التسجيلية (مثل فيلم “18 يوما”) ربما هي التي ستبقى، ودلل على رؤيته هذه بأن الأفلام التي تناولت ثورة يناير 2011 كانت أفلاما سطحية.
ومن هذه الأفلام “حظ سعيد” بطولة أحمد عيد والذي لم يتضح فيه ما إذا كان البطل مع هذه الثورة أم ضدها، وفيلم “تِك تاك بوم” لمحمد سعد، وأيضا “بعد الموقعة” بطولة منّة شلبي.
وحذّر عدلي من خطورة تقديم أفلام تحمل اسم “التاريخية” ظاهريا بينما هي في الواقع تستهدف التقرب من السلطة وفرض وجهة نظرها على الجمهور من دون وجود دراسة جادة للمرحلة التاريخية أو سرد علمي موضوعي، فهذا يُعدّ دعاية و”بروباغاندا” وليس سينما حقيقية.
لصحافية الفنية ماجدة خيرالله أكدت لـ”العرب” أن السينما المصرية حاليا في حاجة لجميع الأشكال، وشددت على ضرورة عدم الوقوف عند لحظة معينة ونحن نقدم السينما التاريخية، وضربت المثل بفيلم “دنكرك” Dunkirk الذي طرح مؤخرا، وتناول أحداثا دارت خلال الحرب العالمية الثانية، وأشارت إلى أنه على الرغم من أنه ليس فيلما وثائقيا أو “تأريخيا” بالمعنى الحرفي، إلاّ أنه نجح في جذب الجمهور.
وقالت إن فيلم “الكنز” ليس فيلما تاريخيّا كما يعتقد البعض، بل هو من نوع “الفانتازيا” الخيالية التي تدور في أزمنة مختلفة، لكنها مع هذا أكدت أنه شهد طفرة في التقنيات المستخدمة على مستوى “الغرافيك” وغيره.
ونوّهت إلى أن ما يحقق نجاح ورواج هذه النوعية من الأفلام عند الجمهور هو مدى إجادة صنعها وليس محتوى التاريخ في هذه الفترة الزمنية أو تلك، وشددت على أن هناك تجارب كثيرة قدّمتها السينما وأخفقت فيها، ومنها فيلما “رسالة إلى الوالي” و”شمس الزناتي” اللذان لعب بطولتيهما الفنان عادل إمام، بعكس فيلم مثل “المصير” ليوسف شاهين، والذي مازال محتفظا بمكانته لدى الجمهور حتى الآن.