العراقيون يدوّنون همومهم على سياراتهم بدل ان يكلموا انفسهم

 

كتابة العبارات على السيارات وسيلة من وسائل تعبير العراقيين عن أنفسهم ومشاعرهم، ورغم أن هذه الكتابات وتعليق الشعارات واللافتات على السيارات، يعدان مخالفة في قانون السير، فإن العراقيين يتمسكون بالتعبير عما يخالجهم بجمل مقتضبة بعضها يعكس مشاعر الحزن والخيبة، والبعض الآخر لا يتعدى كونه نكتة لبث روح الدعابة، في حين تعكس عبارات أخرى الانتماء والموقف السياسي أو الديني لصاحب السيارة.

ويرى البعض في ظاهرة الكتابة على السيارات مجرد تسلية وترفيه عن النفس، في حين ينظر إليها آخرون على أنها إساءة للذوق العام واعتداء عليه. وينأى أصحاب السيارات الفارهة عن الكتابة على سياراتهم، ما قد يعكس الخوف على قيمة السيارة، أو لعدم اهتمام الأثرياء بالتعبير عن ذواتهم أمام العامة.

يقول ياسر العاني الاختصاصي بالاستشارات النفسية والتربوية، إن “العبارات المكتوبة على السيارات في السابق كانت لا تتعدى العبارات التحذيرية، في حين أن عبارات اليوم هي تعبير حقيقي عن مزاج قائد السيارة الذي يعمل على إفراغ مكنونات نفسه وهواجسه ليترجمها إلى عبارات وشعارات يزين بها سيارته”.

ويتابع “العبارات الآن تحمل هوية اجتماعية، أو حتى مزاجية، بل حتى أن بعضا منها يؤكد ولاء الشخص لفكرة أو لناد رياضي ما، وهي أولا وأخيرا انعكاس للهوية الثقافية التي يحملها قائد السيارة، وتعكس بوضوح رؤيته إلى الأشياء من حوله”.

ويبين العاني “إن كاتبي هذه العبارات ينقسمون إلى أناس يؤمنون بالشعارات التي يرفعونها وجدوى مفعولها، وفي هذا الأمر تعارض كبير مع المعتقد الديني الصحيح، في حين هناك فريق آخر لا يعتقد بجدواها بل يستخدمها للمزاح والترفيه وللتدليل على خفة دمه”.

ويجد بعض العراقيين متعة وتنفيسا عن همومهم في كتابة عبارات تثير الانتباه على سياراتهم، وتنقسم التدوينات بحسب ذائقة ومقاصد السائق وأنواع السيارات والمركبات.

محمد مظلوم سائق عربة صالون تويوتا (أجرة) خطّ عبارة “مطولة سالفتنه”، بمعنى قصتنا طويلة، بحروف واضحة على زجاجها الخلفي، يقول إنه شعر باليأس بعد أن بحّ صوته خلال أعوام من التظاهرات ضد الفساد والطائفية والاحتراب السياسي، فارتأى أن يعبّر عن يأسه من الوصول إلى نهاية النفق، كما يقول، بهذه العبارة التي تحملها سيارته وهو يجوب بها أحياء البصرة.

بينما يمتزج الهم الخاص بالعام أحيانا في عبارة واحدة قد لا تكشف المستور، حيث وصف جاسم السعيدي في البداية كتابته عبارة “تفرج يا عراق” على زجاج سيارته بأنها أمنية الجميع بانفراج الأوضاع في العراق، لكنه يستدرك ضاحكا ويقول “عبارة عامة لكنها بالنسبة لي تحمل خصوصية لا يعرفها إلا بعض المقرّبين والأصدقاء”.

ويوضح أن “العبارة تتحدث عن حبي وعشقي لإحدى قريباتي التي وعدتها بالزواج، لكن اندلع خلاف لأسباب قديمة بين أربع قبائل نحن منها وتطور إلى نزاع مسلح وسقط خلاله ضحايا وضاع الصواب والخطأ بين الأطراف، ومع أن لا شأن لنا نحن كعاشقين إلا أن علينا الانتظار مدة لا نعلم كم تطول حتى تحل المشكلات ويحل الصلح بين الأطراف وتفرج يا عراق”.

الشباب والمراهقون لهم أساليبهم أيضا في التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم، وهي تشمل تعليقات وبوسترات جاهزة تلصق على عرباتهم أو دراجاتهم تتعلق بتفضيلهم لناديي ريال مدريد أو برشلونة أو لأندية أوروبية أخرى وأندية الدوري العراقي وأسماء لاعبين مشهورين وصورهم.

“كل البنات سايبات بس أنت دوج” عبارة كتبها شاب على سيارته من نوع “سايبا” الإيرانية، وربما قصد بها رفع قيمة عربته الرخيصة، أو مغازلة فتاة أحلامه بتشبيهها بالعربة.

يقول الباحث الاجتماعي حليم رياض إن هناك رغبة لدى الناس في تسمية الأشياء الخاصة بهم ووضع علامات أو كتابات لتمييزها عن غيرها، يشترك في ذلك الشعور بالاعتزاز أو التعوّذ بقوى الغيب من الأخطار والشرور، أو للتعبير عن حالة معينة أو مكنونات خاصة أو لمجرد العبث وبحسب الأعمار ودرجة الوعي.

ويتابع موضحا لموقع “نقاش” أن الكثير من عربات النقل تحمل كتابات أو أيقونات، وهناك سائقون يلجأون إلى خطاطين محترفين، أو عبر استخدام حروف جاهزة أو عن طريق طلاء الرش، فالسواق يلتقون في مواقف السيارات وتنتقل عدوى الكتابات بينهم، وتبلغ أحيانا درجة المنافسة دون الأخذ بعين الاعتبار إن كانت تلك العبارات تسيء للذوق العام.

ويلاحظ أن عربات الطرق الخارجية تغلب عليها عبارات الأدعية والتبرّك وآيات قرآنية ضد مخاطر الطريق أو شعارات وطنية، أو عبارة خفيفة مثل “لا تتبعني مخطوبة” أو “هيهات منّا الذلّة” للتعبير عن وضع عقائدي، ويلجأ بعض السائقين في الفترة الأخيرة إلى تمييز عربتهم ببوستر خاص كتفاحة مقضومة أو شخص مشنوق أو آخر يتبول، حتى يسهل الاستدلال عليها في حال تعرضت للسرقة، لأنه وأقاربه سيقطعون الطرق بحثا عنها.

وفي البصرة تلفت الانتباه عربة نقل ركاب “كوستر” قديمة ومتهالكة تسير متهادية بينما كتب على زجاجها الخلفي “الزواج كتّال” وهي عبارة تراجيدية تميّز عربة متعبة من فترة الثمانينات، يقول سائق العربة كاظم الميّاحي (40 عاما) “إنها عبارة تذكرني بفشل زواجي والمشكلات الخطيرة التي رافقته حتى انتهى بالطلاق”.

ويضيف موضحا ما حصل “خسرت صحتي ومالي بسبب المشكلات والدعاوى في المحاكم، أصبت بالسكري وضغط الدم وضاع كل تعب حياتي وكدت أفقد حياتي بعد تعرضي لمحاولة قتل من أحد أقارب زوجتي، وهو تاجر له نفوذ وصلات بجهات حزبية، وقد اكتشفت أنه عشيقها السابق ومازال يرغب فيها. لم يكن بإمكاني مواجهته، فطلقتها كي أنجو بجلدي! وكتبت هذه العبارة منذ سنوات وأعيد طلاءها كلما انمحى لونها للتذكير حتى لا أقرب الزواج مجددا”.

وتتباين آراء المواطنين بشأن موضوع الكتابات المدونة على السيارات، فمنهم من اعتبرها ظاهرة سيئة وغير حضارية، ومنهم من قال إنها جزء من الحرية الشخصية للفرد وليس لها تأثير على المجتمع، في حين وصفها البعض الآخر بأنها ظاهرة جيدة لو اقتصرت على كتابة الإرشادات والحكم النافعة.

وقال علاء مناوش “أعتقد أن ظاهرة الكتابة على السيارات سيئة ودخيلة على مجتمعنا مهما كانت تلك العبارات، وأعتقد أن السائق لو اهتم بتكملة نواقص سيارته أفضل من إنفاق الأموال على الخطاطين وتضييع الأوقات في كتابة أو لصق العبارات”.

ويختلف معه عدي علي وهو صاحب سيارة بريجو ملئ زجاجها الخلفي بالشعارات والحكم، قائلا “إنّ العبارة عندما تكتب على سيارة لن تؤثر أو تضرّ أحدا، كما أنها تعبر أحيانا عن واقع لا يستطيع الشخص أن يتكلم عنه أو يظهره للناس إلا عن طريق تلك العبارات”.

وأضاف “هناك مثلا عبارة جميلة تكتب على سيارة وتكون بمثابة نقد للمجتمع بأسلوب لا يمس بالكرامة”. ويؤيد أبوعلاء الحجي بعض العبارات ويرفض بعضها، قائلا “أعتقد أنها ظاهرة جيدة إن كانت العبارة تحمل معنى أو آية قرآنية أو أدعية دينية أو نصائح أو حكما، أما إن كانت عبارات غير بناءة وغير هادفة فأكيد تصبح ظاهرة سيئة وغير مقبولة”.

وتتهم السلطات هذه الكتابات بكونها سببا رئيسيا للكثير من الحوادث في شوارع بغداد، بينما يدافع المعتاشون عليها عنها بوصفها مجرد ترويح عن الناس وأنها لا تضر أحدا ولا تسبب الأذى.

وقال أحد نقباء المرور “حقيقة هذه الظاهرة أخذت في الانتشار بشكل غير طبيعي بالرغم من أن هناك قانونا يقضي بمنع مثل هذه الكتابات أيا كان شكلها ومعناها”، مشيرا إلى أن سبب منعها هو أن “الكتابة على السيارة سوف تشغل السائق الآخر وربما يحصل حادث مروري بسبب تلك العبارات، فضلا عن أنها ظاهرة غير حضارية ولا تليق بمجتمعنا”.

وناشد المسؤول الحكومة الانتباه، وأن تأخذ هذا الموضوع في الاعتبار، وإصدار أوامر بالبدء في محاسبة من يكتب عبارات على سيارته حرصا على أرواح الناس. ويختلف مع هذا الكلام الخطاط هيثم علوان والذي يعيش من كتابة الأمثال والشعارات ويرى فيها تصرفا يدل على حرية صاحب السيارة مع الأخذ بنظر الاعتبار عدم التعرض للقيم والثوابت والإساءة للذوق العام.

ويؤكد أن هذه الظاهرة أصبحت أشبه بالموضة، لكنه يستدرك بالقول “رغم أنني أكتب تلك العبارات، لكنني أشعر في البعض من الأحيان بالخجل من كتابة بعضها، وأقدم النصح أحيانا للسائق بتغييرها، وأرفض كتابة شعارات تتعارض مع الآداب والأخلاق أو شعارات يشتم منها نفس التفرقة والتي يطالبني بها بعض ضعاف النفوس”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى