مؤشرات واضحة على قرب تطبيع العلاقات بين سوريا والاردن

بدأت الأمور تتكشف وتظهر تدريجيا للعلن فيما يخص مسار الأزمة السورية وماهية العلاقة التي تربط الحكومة السورية ليس مع دول الجوار وحسب, بل مع دول العالم أيضًا. حيث يرى ناشطون سوريون أن هذه الأيام هي الأسوأ على الثورة بسبب تهافت العديد من دول العالم على ما سموه مغازلة الحكم السوري والتخلص من أعباء الثورة بشكل أو بآخر، بعد التصريحات الأردنية والبريطانية, ومن قبلها الفرنسية حيال موقفها من الرئيس بشار الأسد وعلاقتها بالحكومة السورية في المرحلة المقبلة.

ويرى مراقبون أن الأردن قد ضاقت ذرعًا بالأزمة السورية وأنها تسعى في الفترة الأخيرة إلى حلها في شتى الوسائل، وعلى حد زعم الناطق باسم الحكومة الأردنية محمد المومني، فإن كثيرًا من الأطراف الدولية لها مصلحة في الاستقرار السوري، وقال “عندما نتحدث عن استقرار وعلاقات تتجه بشكل إيجابي بيننا وبين الدولة السورية فهي رسالة مهمة على الجميع أن يلتقطها”.

وأكد المسؤول الأردني أن العلاقة بين “الأردن والأشقاء في سوريا بدأت تتخذ منحى إيجابيًا”، معبرًا عن تفاؤله بمستقبل تطور العلاقات الأردنية السورية في المستقبل القريب، وكشف عن تراجع أعداد اللاجئين السوريين في الأردن منذ هدنة الجنوب السوري.

تأتي هذه التصريحات اللافتة متزامنةً مع استمرار صمود الهدنة في الجنوب السوري، والتي جاءت كأحد تجليات التوافق الروسي الأمريكي حيث تم التوصل للاتفاق في 7 من تموز الماضي، وقال المومني على شاشة التلفزيون الرسمي يوم الجمعة الماضي، أن قرار بلاده باستثناءها من قرار الجامعة العربية إغلاق السفارات السورية إبان قرار المقاطعة “نحن طلبنا الاستثناء في هذا الأمر، مؤكدًا “خصوصية العلاقة بين الأردن والشقيقة سوريا”، ولافتًا إلى استمرارية عمل سفارة كل من البلدين في البلد الآخر.

وحول اتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب السوري، أكد المسؤول الأردني أن الاتفاق من شأنه أن “يرسخ الاستقرار في باقي أرجاء سوريا خلال المرحلة المقبلة، إذ لا يزال الاتفاق صامدًا ومحافظًا على استدامته”. كما شدد المومني على موقف بلاده منذ اندلاع الأزمة السورية، إذ كان الأردن حريصُا على وحدة التراب السوري ومؤسسات الدولة السورية، وكذلك كان الأردن ولا يزال مهتمًا بـ”الاستقرار في الجنوب السوري، ويعتبر أي اقتراب ميليشات مذهبية تهديدًا استراتيجيًا غير مقبول على الإطلاق”، وفق تصريحات المومني.

ويقرأ البعض تصريحات المومني، كرد ودي على ما جاء على لسان المستشارة الإعلامية للرئيس السوري بثينة شعبان قبل أيام، عندما قالت فيه إن “العلاقة بين الأردن وسوريا مرشحة لأن تكون جيدة في المستقبل”. وتوقعت في حديث لقناة الميادين اللبنانية “فتح المعابر وعودة التجارة بين الأردن وسوريا” قريبًا، وذلك ردًا على سؤال حول وصول قوات الجيش السوري للحدود مع الأردن .

فورًا تلقفت الحكومة السورية تصريحات المومني بالايجاب, حيث أكد القيادي في حزب البعث هلال الهلال، أمس الاول السبت، أن هناك الكثير من القواسم والأهداف والتقاليد المشتركة تجمع الشعبين الأردني والسوري. وأضاف هلال خلال لقاء عقده مع وفد أردني، إن “أواصر المحبة مع الأردنيين لم ولن تنقطع يومًا”.

في الواقع إن العلاقة بين سوريا والأردن خرجت عن طبيعتها بعد دخول سوريا في الثورة التي امتدت لسنتها السابعة، ومع ذلك لم تقطع الأردن كامل علاقتها الدبلوماسية مع سوريا، إذ أبقت السفارات في كلا البلدين. ويرى وزير الإعلام الأردني السابق سميح المعايطة، أن الأردن من الدول التي حافظت على ثبات موقفها من الملف السوري منذ بدايته ولغاية اليوم، و”إن المملكة تريد ان تكون سورية دولة موحدة مستقرة خالية من الإرهاب والتطرف والطائفية والفوضى”. ويشير أن الأردن تريد أن تتعامل مع الدولة السورية وليست دولة تخوض الصراعات والحروب لأن هذا الأمر يشكل ضررًا على الأردن وهو ما عانت منه عمّان خلال السنوات السبع الأخيرة”.

ويرى وزير الخارجية الأردني السابق، كامل أبو جابر، أنه من الضروري التساؤل عن أي طرف يريده الأردن، الرئيس بشار الأسد بشخصه أم سوريا؟، لافتًا إلى أنه يرى أن سوريا هي الأهم بطبيعة الحال، لأن بقاء الرئيس السوري هو شأن سوري وليس أردنيًا.

في حين يرى مراقبون أن اتفاق خفض التصعيد في الجنوب السوري والذي لعبت الأردن دورًا محوريًا فيه إلى جانب كل من أمريكا وروسيا، كانت إعادة لقراءة علاقة الأردن مع سوريا ورسم ملامحها المستقبلية. إذ اعتبر أستاذ العلوم السياسية زيد النوايسة، أن الحرب في سوريا بمعناها الاستراتيجي انتهت، وبالتالي لم يعد بإمكان الأردن أن يظل بعيدًا عن هذا الاتجاه. وأكد أن الأردن معني استراتيجيًا بالبحث عن مصالحه كما هو الحال بالنسبة للدول العربية ودول الإقليم، وهذا ما يجب على الدولة أن تترجمه على أرض الواقع.

ضمان حدود الأردن عبر مراقبة الجنوب السوري

باشر مركز عمّان لمراقبة وقف إطلاق النار في جنوب سوريا (درعا وريف السويداء والقنيطرة) أعماله، يوم الأربعاء الماضي 23 آب الجاري، بمشاركة ممثلين عن روسيا والولايات المتحدة، حسب ما أعلنت وزارة الخارجية الأردنية، دون إبداء أي تفاصيل حول آلية عمل المركز ومن فيه!.

ويعد هذا المركز ضمن بنود الاتفاق الذي توصلت إليه الدول الثلاث في 7 تموز الماضي، لوقف إطلاق النار في جنوب سوريا. ويهدف المركز إلى مراقبة وتثبيت وتعزيز وقف إطلاق النار في الجنوب، وصولاً إلى إقامة منطقة خفض تصعيد هناك، حسب ما أعلنت الدول الثلاث في أعقاب التوقيع على الاتفاق. ويسهم الاتفاق في إبعاد المليشيات الطائفية عن الحدود الأردنية، وهي المليشيات التي تنظر إليها عمّان باعتبارها خطرًا لا يقل عن خطر تنظيم “داعش” كما يأمل الأردن أن يؤدي وقف إطلاق النار الذي ما يزل صامدًا للآن، إلى تهيئة الظروف لعودة اللاجئين إلى ديارهم، وإيصال المساعدات الإنسانية للسوريين.

أفادت مصادر إعلامية أن مهمة المركز هي رصد أي خرق لاتفاق وقف إطلاق النار وتحليله لتحديد الجهة المسؤولة عن حدوثه، إضافة لرصد عمليات إعاقة وصول المساعدات الإنسانية للمناطق المشمولة بالاتفاق. وسيعمل المركز على تحليل أي خرق للاتفاق بناء على الشكاوى الواردة سواء من النظام السوري عبر الضامن الروسي، أو فصائل المعارضة عبر الضامنين الأردني والأميركي، على أن يجري تحليل واقعة الخرق من قبل فنيين وبالاعتماد على الصور والفيديوهات والوقائع على الأرض. يُصار بعد تحديد الجهة المسؤولة عن خرق الاتفاق للتواصل معها من خلال الجهة الضامنة. ولم يتضح ما إذا كان الاتفاق يفرض عقوبات على من يخرق وقف إطلاق النار أم لا.

إلى ذلك فإن “إسرائيل” المعنية باتفاق الجنوب والذي تدخلت في التوصل إليه وصياغته، لا تزال متخوفة من الاتفاق وبقاء المليشيات الإيرانية في الجنوب، إذ رأى إسرائيليون أن “الاتفاق بصيغته الراهنة، ما زال أوليًا ولم تتبلور بنوده النهائية بعد”.

وفي أعقاب التقارب التركي الإيراني والتعاون الأمني بينهما بعد زيارة رئيس هيئة الأركان الإيراني إلى أنقرة، فقد نقل أردوغان رسالة إيرانية إلى الأردن جاء فيها استعداد إيران الانسحاب من جنوبي سوريا مقابل ضمانات أردنية بتشكيل هيئات إدارة محلية هناك لا تتدخل بها التنظيمات المسلحة، بحسب ما ذكرت وكالة أنباء “آكي” الإيطالية.

الأيام المقبلة حُبلى بكثير من التطورات حيال العلاقات الأردنية السورية، ولعل أولى الخطوات التي ستدل على تنسيق كبير بين الجانبي، هي فتح معبر نصيب الحدودي بين الأردن وسوريا وعودة الحركة التجارية كما كانت قبل اندلاع الأزمة.

حيث كشفت مصادر خاصة لموقع الحل السوري المعارض، أن المعارضة والنظام السوري أقاما اجتماعات، كل على حدة، بهدف التحضير لإعادة فتح معبر نصيب الحدودي مع الأردن، وتم في الاجتماع مناقشه تولي بعض فصائل المعارضة، منها جيش الثورة وفرقة شباب السنة، مهمة حماية القوافل القادمة من مناطق سيطرة الجيش السوري في بلدة خربة غزالة بريف درعا حتى وصولها لجمرك نصيب، والخارجة من الجمرك حتى مناطق النظام على الأوتوستراد الدولي دمشق درعا.

وبحسب المصدر ذاته فقد عُقد اجتماع في فندق الوايت الروز بمدينة درعا  ضم عددًا من الضباط الروس، وضباطًا من النظام السوري وبعض الموظفين السابقين في معبر نصيب، حيث تناول الاجتماع كيفية معاودة الموظفين عملهم وإضافة موظفين جدد، وطريقة نقلهم من مناطق سيطرة النظام للجمرك، حيث تكفل الروس بنقل الموظفين من وإلى الجمرك، وتم اقتراح إقامة فندق صغير بهدف مبيت الموظفين فيه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى