القوة المصرية الناعمة ازدهرت في عهد عبدالناصر وانطفأت من بعده
القاهرة- كتبت آية عبد العزيز
يتطلب تحقيق أهداف السياسة الخارجية لأي دولة استعمال مجموعة من الأدوات التي تجمع بين القوة الناعمة والقوة الصلبة، حيث تكمن أهمية هذه الأدوات في كونها عاملًا مؤثرًا في مسار السياسة الخارجية، ومحددًا هامًا لمعالمها، كما ينطوي تطيبق السياسة الخارجية على توظيف هذه الأدوات حيث تتميز البيئة الداخلية والخارجية بأنها متفاعلة بصورة مستمرة مع النظام القائم للمجتمع الدولي من أحداث سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية واستراتيجية تسعى كل دولة أن تتكيف مع الوضع القائم حيث أنها إذا تقاعست عن هذا الدور ستكون في عزلة من أمرها في إطار الجماعة الدولية.
وفي هذه المداخلة نحاول إلقاء الضوء على تعريف القوة الناعمة، أهم مصادرها، ودوافع التحول من القوة الصلبة إلى القوة الناعمة، وكيفية استخدام القوة الصلبة في إطار سلمي مندرج تحت القوة الناعمة. مع إلقاء الضوء على القوة الناعمة للدولة المصرية وكيف يتم توظيفها، مع إبراز أهم نقاط الضعف الذي تعرضت لها هذه الأدواة نتيجة ارتباطها بالنظام السياسي المصري.
أولًا- تعريف القوة الناعمة:
تعد “القوة الناعمة” هي القدرة على الهيمنة والسيطرة على المقدرات الثقافثة والأيديولوجية للطرف المستهدف، حيث تتضمن إجباراً وإلزاماً غير مباشرين على التغيير والتأثير على الرأى العام، دون إظهار هوية الفاعل ولا الهدف الأساسي من عملية التغير، و يمكن تعريفها على إنها “قدرة طرف ما على التأثير والجذب تجاه الطرف الآخر دون استخدام أي شكل من أشكال العنف، من أجل الحصول على الأهداف أو النتائج التي يسعى لتحقيقها أحد الأطراف”.
وتعني في جوهرها القوة الروحية والمعنوية المتجسدة في الأفكار والأخلاق والمبادئ من خلال الدعم الذي تقدمه في مجالات الثقافة والفن علاوة على إعلائها العديد من القيم السياسية، ما يؤدي بالآخرين إلى احترام هذا الأسلوب والثقة فيه ثم اتباعه.
تمثل ذلك في النموذج التركي الذي حاول أن يظهر قوته الناعمة المتجسدة في ثقافته وقيمه السياسية علاوة على تكريس فكرة العمق الاستراتيجي في سياساته الخارجية، وبالفعل سعت بعض الدول في انتهاج هذا النموذج جاءت على رأسها الدولة المصرية في عهد الرئيس الأسبق “محمد مرسي”.
ثانيًا- أهم مصادر القوة الناعمة:
تتجسد مصادر القوة الناعمة في ثقافة المجتمع، والقيم السياسية (المقبولة داخليًا وخارجيًا)، والسياسة الخارجية (بمقدار شرعيتها)، عبر توظيفها لجذب الطرف الأخر متمثلة في (الصوت المعتدل في المنظمات الدولية الإقليمية، والدور القيادي، ونبذ العنف، وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول)، ثم الموارد الاقتصادية والموارد العسكرية (من خلال قنوات التعاون والتدريب أو التوظيف في أغراض إنسانية كالكوارث الطبيعية وغيرها).
ثالثًا- أسباب التحول من مفهوم القوة
1– بروز دور الفاعلين من غير الدول في النظام العالمي، حيث أصبحت أدوارهم تتعدى حدود الدول كما أن أهدافهم ليست قاصرة على السياسة الداخلية للدولة فحسب بل أصبحت ذات تأثير واضح على النظام الدولي تأتي في مقدمة هذه الفواعل التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود، والشركات متعددة الجنسيات، والمنظمات الحقوقية وغيرها.
2- تراجع الكثير من الدول في استخدام القوة العسكرية والدخول في حروب طويلة حيث عدم القدرة علي التغلب علي كثرة التكلفة سواء البشرية والمادية ومن أهم الحالات دخول الولايات المتحدة الأمريكية حرب فيتنام بدون وضع أهداف حقيقية وأيضًا استراتيجية خروج واضحة الأمر الذي ترتب عليه تكبدها خسائر فادحة، علاوة على تكرار نفس السيناريو في غزو العراق واحتلالها جعل ذلك الرأي العام الأمريكي يأثر علي صانعي السياسية الخارجية الأمريكية بالتراجع في الدخول في حروب عسكرية مرة ثانية ما وضح في الأزمة السورية.
3- أصبحت قوة الدول تقاس بمدى توظيفها لأدواتها الثقافية وقيمها السياسية وتاريخها الحضاري ليس فقط بمقدار الناتج القومي ولا ما تمتلكة من قدرات عسكرية.
رابعًأ- كيفية توظيف القوة الصلبة لتتحول إلى “قوة ناعمة”
1- من خلال استخدام القوة للتهديد وليس استخدامها بشكل مباشر الذي تجلى في حالات التهديد المستمر للولايات المتحدة الأمريكية لكوريا الشمالية نتيجة استمرار تجاربها النووية التي تمثل تهديدًا للأمن والسلم العالمي.
2- استخدام الدبلوماسية العامة للاقناع والاستمالة بدلًا من الضغط والإكراه؛ تجسدت الجهود الوساطة على سبيل المثال التي تقوم بها دولة الكويت إبان الأزمة القطرية – الخليجية.
3- تقديم المعونات والإمدادت العسكرية لحماية الحلفاء بدلًا من الدخول بشكل مباشر في الحروب والمنازعات؛ تمثلت في أنماط التدخل العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط بعد احتلال العراق الذي انتهج عدة أشكال منها القوات الخاصة المنوطة بتقديم المساعدات والتدريب والتنسيق بدون الاشتباك في مهام قتالية وفي أفغانستان وسوريا والعراق، علاوة على تسليح الأكراد باعتبارهم فصيل غير متحيز في الحرب السورية.
4- المشاركة في التحالفات الدولية، علاوة على تقديم الدعم الاستخباراتي واللوجيستي في مناطق النزعات والحروب؛ تجلى ذلك في مشاركة الدول العربية في التحالف الدولي لاستعادة اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية.
5- تقديم حملات للإغاثة في مواجهة الأزمات والكوارث؛ برز هذه الدور مع الثورات العربية حيث قدمت الدول الخليجية العديد من المساعدات والمنح والحملات الإغاثية لكل من سوريا والعراق واليمن في أعقاب الحرب الدائرة.
6- تخصيص عدد من قوات الجيش للعمل تحت راية الأمم المتحدة في برامج خاصة بقوات حفظ السلام في مناطق النزاعات، مثل مساهمات القوات المصرية في قوات حفظ السلام في الكونغو.
خامسًا – القوة الناعمة المصرية:
تسعى الدول الكبرى إلى غزو العالم والسيطرة على الشعوب من خلال عدد من الخيارات التي تمثل الأخطر والأسهل والأكثر تأثيرًا لتحقيق مصالحها من خلال ما يعرف باسم “القوة الناعمة” التي تمثل القوة الروحية والمعنوية للدولة، تمتد هذه القوة إلى خارج حدود الدولة وبالحديث على القوة الناعمة المصرية نجدها ثلاثية الأبعاد ترتكز على (اللغة، والتاريخ، والثقافة)، كما تمتلك الموقع الجغرافي في قلب العالم، فضلًا عن المؤسسات الدينية البارزة كالأزهر والكنيسة الأرثوذكسية بما يمنحها مكانة دينية وروحية عالية.
تعد القوة الناعمة هي السلاح الأقوى لمواجهة كافة أشكال التطرف والعنف والإرهاب، ولاستعادة الدور فهى حجر الزاوية في تشكيل الوعي والتفكير الجمعي للشعوب.
ظهر الاهتمام بمفهوم القوة الناعمة منذ ثلاث عقود على يد الأمريكي “جوزيف ناي” الذي يعرفها على انها “استخدام وتوظيف قوة الثقافة والقيم الأخلاقية والسياسية لتغيير الأوضاع السائدة في مجتمع ما”. رغم إن ما يعبر عنه كان موجودًا بالفعل قبل هذه الفترة وبعدها ما تجسد في قدرة الدولة المصرية على استحدام أدوات الاقناع والاستمالة بدلًا من الضغط والإكراه في إدارة علاقاتها الدولية، في محيطها الإقليمي بل والدولي عبر أدوات الدبلوماسية الشعبية وتوظيف الأبعاد الثقافية والتعليمية والإبداعية علاوة على توظيف القوة الاقتصادية في إدارة العلاقات الخارجية عبر توظيف المعونات الاقتصادية والمساعدات علاوة على تقديم المنح الدراسية.
عناصر القوة الناعمة المصرية:
التاريخ؛ تمتلك مصر إرثًا تاريخيًا وحضاريًا عظيمًا مثل رأس مالها المعنوي الذي جعلها من أهم الفاعلين في النظام الدولي على مر العصور، يعد هذا التاريخ هو الامتداد الفعال في العلاقات الخارجية وعمق الدور في الدوائر الإقليمية المختلفة العربية والأفريقية والإسلامية بل والدولية، وتجلى هذا الدور التاريخي في مساندة القضية الفلسطينية وتقديم الدعم والمساندة للشعب الفلسطيني في كفاحه ضد الاحتلال الإسرائيلي، وتصاعد الموقف المصري إلى درجة المشاركة في حرب 48، كما برز هذا الدور بشكل حاسمً في تأسيس جامعة الدول العربية 1945، وحركة عدم الانحياز، علاوة على اقتراح وإقرار معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي العربي، والتصديق الفوري عليها عام 1950.
الثقافة؛ تعد الدولة المصرية من أولى الدول التي انفتحت على الثقافات الغربية، كما تعد الدولة الرائدة في مجالات صناعة الأفلام، والتليفزيون، والإعلام، والموسيقى. بدأت صناعة السينما في مصر في ثلاثينيات القرن العشرين، وبدورها أنتجت ثلاثة أرباع الأفلام العربية القصيرة والطويلة، وعلى الجانب الأخر؛ استضافت مصر العديد من المهرجانات العالمية بالإضافة إلى الشهرة التي اكتسبتها الدراما المصرية، وعروض الأوبرا، والموسيق،. كما يعتبر الروائي “نجيب محفوظ” هو الكاتب العربي الوحيد الحاصل على جائزة “نوبل” في الأدب.
اللغة؛ لعبت اللهجة المصرية بصفة خاصة واللغة العربية بصفة عامة دورًا كبيرًا في تقريب الشعوب في المنطقة العربية من خلال الصحف والمجلات والأفلام السينمائية التي كانت تهدف إلى توحيد الشعوب العربية ضد القوى الاستعمارية.
وفي إطار مساهمة الدولة المصرية في التحول في استخدام القوة الصلبة إلى القوة الناعمة؛ لعبت الدولة المصرية دورًا حاسمًا في الحفاظ على السلم والأمن الدولي، فقد ساهمت في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة منذ 1960 في الكونغو ومنذ ذلك الحين ساهمت مصر في 37 بعثة للأمم المتحدة، مع أكثر من 30.000 من قوات حفظ السلام المنتشرة في 24 دولة في أفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية، كما توفر أكثر من 2000 فرد من رجال الجيش والشرطة يخدمون تحت راية الأمم المتحدة في بعثات السلام، فيما تتخذ مصر موقفًا جادًا من التأكيد على المشاركة في عمليات حفظ السلام مع رفضها لاستخدام القوة غير المبررة في عمليات حفظ السلام لأنها تؤدي إلى طمس الهدف الحقيقي منها وتهدد شفافية العنصر العسكري للبعثة.
عهد الرئيس جمال عبدالناصر
مرت القوة الناعمة المصرية بالعديد من مراحل الصعود والهبوط نتيجة ارتباطها بتوجهات النظام السياسي فضلًا عن إدراك القيادة السياسية أهمية هذا الدور، وفيما يلي اهم ملامح القوة الناعمة المصرية في عهد الرئيس جمال عبدالناصر, حيث هيمنت القوة الناعمة المصرية على المستوى الإقليمي منذ قيام ثورة 23 يوليو 1952 وامتدت بعدها بعقود، فقد مثلت الثقافة والأفكار والقيم المصرية الخارجية مصدرًا للإلهام والجذب لجميع دول المنطقة العربية، كما ساهم العديد من المفكرين والمثقفين والفنانين والأدباء علاوة على رجال الدين في تشكيل الوعي الجمعي للشعوب العربية، ولعبت الثورة دورًا بارزًا في تدعيم القوة الناعمة من خلال إنشاء “الهيئة العامة لقصور الثقافة” بقصورها ومراكزها المتعددة في أنحاء الدولة، كما تم إنشاء “أكاديمية الفنون” التى تضم المعاهد العليا للسينما والمسرح والأوبرا والبالية والفنون الشعبية.
ظهر الاهتمام الناصري بالقوة الناعمة من خلال دعم الفنون المصرية وحرصه على حضور العروض السينمائية متيقن أن للفن دورًا هام في مواجهة الأحداث السياسية وما تحمله في طياتها من مؤمرات خارجية تكاد تعصف بالأنظمة السياسية في كثير من الأحيان، فلم يغفل عن تكريم العديد من الفنانين كما كان له دورًا في إعادة أغاني أم كلثوم عبر الأذاعة بعد وقفها، كما طالب من الفنان “فريد شوقي” عمل فيلم عن كفاح أهل بورسعيد في التصدي لقوات الاحتلال الذي عرف بعد ذلك باسم “بورسعيد”.
والجدير بالذكر؛ أن السينما المصرية أسهمت فى عهد عبد الناصر بإنتاج 936 فيلمًا، بمتوسط إنتاج سنوي 52 فيلمًا، اهتمت في موضوعاتها بانتقاد الحياة الاحتماعية والاقتصادية والسياسية قبل الثورة، وأشهرها “رد قلبي”، و”صراع في الوادي” و”الأيدي الناعمة”، كما أنتجت السينما العديد من أفلام الأدب المصري الأصيل بعد أن كانت تعتمد على الاقتباس من القصص والأفلام الأجنبية.
ارتبط تأثير القوة الناعمة ومدى انتشارها في محيطها الإقليمي بقوة النظام السياسي المصري ووعي القيادة السياسية بأهمية الثقافة كظهير داعم لاستراتيجيتها الوطنية فقد شهدت فترة الخمسينات والسيتنيات تصدير لحركة الثقافة ونشرها خارج حدودها تجلى ذلك في الإذاعة المصرية التي تبث كافة برامجها حول المنطقة باللغات العربية، والفرنسية، والإنجليزية، والإيطالية، والعبرية.
كما تمتلك مصر العديد من المنشأت الثقافية أمثال دار الأوبرا المصرية، ومكتبة الأسكندرية التي أعيد افتتاحها عام 2002، والجامعة الأمريكية في القاهرة، وجامعة القاهرة التي تعد من أفضل الجامعات في العالم، والمجلات والصحف المصرية والسينما والموسيقى.
تميزت السياسة الخارجية المصرية في عهده بإنها كانت تنظر إلى نفسها باعتبارها قائدة في المنطقة، حيث تبنت مصر مفهوم “القومية العربية” فضلًا عن “الوحدة العربية” وطبقتها مع الدولة السورية، كما شهدت تعاونًا كبيرًا تجاه الدائرة الأفريقية مساندًة لحركات التحرر الوطني في نيل الاستقلال والتحرر من قوى الاستعمارية التي مثلت أحد أهم دوائر التحرك المصري كما سعى إلى توصيل نطاق هذا التوجه عبر عدد من الأدوات تجلت في الوزارات المصرية، كما لعبت هذا الدور أيضًا “شركة المقاولون العرب” التى كانت رابطا قويا لحركة اقتصاديه واجتماعية لمصر فضلًا عن تقديم عدد من المنح الدراسية للأفارقة، وعلى المستوى الدولى تبنت سياسة “عدم الانحياز” نتيجة التجاذبات التي شهدها النظام الدولي بين القوة الدولية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.
أسباب تراجع الدور المصري:
- تراجع الدور المصري على المستوى الاقليمي بل والدولي منذ بداية عهد الرئيس الراحل “أنور السادات” نتيجة توجه القيادة السياسية للاهتمام بتعزيز القوة الناعمة على المستوى الداخلي وليس على المستوى الخارجي لارتباطها بالنظام السياسي المصري في ذلك التوقيت، فكان هدفها إعادة توعية وتهئية الشعب على تطورات الأحداث وكيفية التعامل مع تداعيات الحرب، كما أعطى النظام أولوية للقوة العسكرية كأداة للتحرك لتحقيق المصلحة الوطنية تلاها استخدام القوة الناعمة المتجسدة في شكل المفوضات والاتفاقيات الدولية، وهنا لابد من توضيح نقطة مهمة أن تفعيل الأداة الناعمة في الميحط الخارجي قد يحتاج إلي أداوات ضغط وإكراه للطرف المستهدف.
- تأثر الثقافة المصرية بالعولمة وثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي انعكس عليها بشكل سلبي أفقدها طابعها الخاص، الذي يجمع بين المعاصرة والحفاظ على الهوية بجذورها الثقافية والدينية والتاريخية في إطار مقبول دوليًا وإقليميًا.
- هروب الكفاءات والعقول المصرية المبدعة نتيجة تراجع اهتمام الدولة بتوفير المطالبات اللازمة لهم بالتزامن مع وجود دول جاذبة لهذه الكفاءات جاءت على رأسها الدول النفطية في منطقة الخليج.
- ظهور قوى إقليمية منافسة تسعى إلى بسط سيطرتها وامتداد نفوذها داخل الدول العربية من خلال القوة الناعمة تجلى في النموذج التركي الذي حاول أن يروج لنفس باعتباره النموذج الأمثل للاقتداء به من خلال توظيف الأداة الإعلامية والفن والأدب التركي للتأثير على الثقافات الأخرى.
والجدير بالذكر؛ تركيا تحتل المرتبة الثانية عالمياً بعد الولايات المتحدة الأمريكية من حيث الدراما الأكثر انتشاراً، إذ صدرت الأعمال الدرامية التركية إلى 142 دولة حول العالم عام 2016. كما عرضت 75 مسلسلاً تركياً على الشاشات العربية عام 2016 بإجمالي إيرادات بلغت 600 مليون دولار، وارتفع متوسط سعر الحلقة الواحدة من المسلسلات التركية في العالم العربي من 500 دولار عام 2007 إلى 50 ألف دولار عام 2017.
- شهدت القوة الناعمة المصرية تقلبات حادة في الفترة التي أعقبت ثورة 25 يناير بسبب القمع الذى مارسه بعض التيارات الدينية المتشددة، التي عمل على هدم الفن والثقافة.
- أصبحت الثقافة المصرية المتجسدة في الفن والأدب والدراما والموسيقى فى المرحلة الأخيرة؛ ما هي إلا تعبير عن واقع سلبي أصبح فيه المدمن والبلطجي والمنحرف هم انعكاس لواقع للمجتمع المصري، علاوة على أن لغة الحوار فى تلك الأعمال أصبحت متردية أكثر مما هو موجود فى الواقع بكثير، مع تزايد أغاني المهرجانات ما أدى إلى تراجع تاثير الثقافة المصرية بكامل أذرعها على الساحة الإقليمية علاوة على صورة المصريين أمام العالم الخارجى.
- تراجع النموذج المصري الجذاب للمواطن العربي اجتماعيًا وسياسيًا واقتصاًيا وثقافيًا نتيجة تعاطيه مع قضاياه الداخلية على حساب التحرك الخارجي.
تواجه القوة الناعمة في مصر تحديًا كبيرًا في السنوات الأخيرة بسبب عدم الاستقرار السياسي وتراجع معدلات النمو الاقتصادي فعلى الرغم من تلك الأرصدة إلى إنها تآكلت مع التغيرات التي شهدها النظام السياسي غير مدركًا أن ضرب مقدرات القوة الناعمة الداخلية لفرض السيطرة والهيمنة عبر مركزية السلطة مثل تبديدا لفرص التأثير الخارجي للقوة الناعمة المصرية، حيث يعتقد كثير من الباحثين أن المنطقة العربية بصفة عامة والدولة المصرية بصفة خاصة من أكثر المناطق في العالم تعاني من خلل بنيوي في ممارسة القوة الناعمة نتيجة خضوعها لسطوة القوة الناعمة الغربية التي تحاول أن تغزو العقول العربية.
لذا فلابد من إرادة سياسية لدى النخبة الحاكمة تعمل على إعادة تفعيل دور القوة الناعمة من خلال الإصلاح السياسي والتجديد في الخطاب الديني، مع إعطاء مساحة أكبر من حرية الرأي والتعبير والإبداع بجميع أشكاله.
تدعيم القوة الناعمة عبر التشريعات والقوانين التي تحمي المثقفين والمبدعين، فضلًا عن دعمها من القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني. بالإضافة إلى توظيفها لمواجهة الحروب النفسية التي تعاني منها الدولة المصرية التي تحاول طمس الهوية وإنهاك القوى المدنية وتدميرها بشكل منهجى، علاوة على تشتيت الرأى العام، عبر المنصات الإعلامية.
ختامًا؛ تعد القوة الناعمة أهم أدوات الدولة المصرية في تنفيذ سياساتها الداخلية والخارجية علاوة على أنها رأس مالها الروحي والمعنوي ليس فقط بالنسبة لهوية البلاد، بل أيضا لتشجيع النقاش الجاد لدحر خطاب الكراهية وردء العنف والتطرف وتعزز التعايش بين النسيج المجتمعي.