عن مخاطر تحول الدولة الوطنية إلى سلطة زبونية !!

الأصل في الدولة أن تكون الدولة الجامعة، دولة المؤسسات، دولة المواطنين الأحرار ، دولة المواطنة التي لا تكون فيها توسطات ومعيقات اجتماعية أو سياسية تعرقل اشتغالها الدولتي الديمقراطي الحداثي وتحول دون تأدية دورها المقرر والمحكوم بالمواثيق والدساتير والقوانين وغيرها من النظم الجمعية التوافقية، دولة الجميع الأكثروية لا دولة الأقلية.

وأخطر ما في الأمر عندما تتحول الدولة وتختزل في السلطة والأجهزة وجماعات الضغط والمجموعات الوسيطة وتصبح دولة زبونية ( وأحياناً مافياوية أو دولة الاكراه التسلطية ) تجمع الأطراف النخبوية الأقلوية المختلفة ذات المصالح المتطابقة وتأخذ أو تختطف معنى ومكان الدولة ودورها وتشوه الرابطة بين المواطن والدولة وتكون بهذه المثابة (المتحولة والنقيضة لمعنى الدولة ) سلطة الاكراه والتأزيم وخنق المجتمع وابتلاع المجال السياسي وخلق وتوطين الأزمات والاحتقانات.

ولأنها سلطة الأقلية أو الطغمة فإنها ولغايات التمكين تلجأ إلى تهميش المجتمع والسيطرة على مؤسساته المدنية ، وتحتكر المجال السياسي وتبتلعه أو تحاصره وتخضعه باجراءات قانونية وغير قانونية ، وتهمّش الثقافة ، وتستملك الاعلام وتحوله إلى مكبرات صوت وأبواق ، وتصبح بهذه السمات سلطة مطلقة وغاشمة لا مكان فيها لمنطق الدولة ومحدداتها وشموليتها ونزوعها في مدارات تطورها لبناء دولة المواطنة والمشاركة وتداول السلطة وإطلاق الحريات العامة .

السلطة الزبونية تكون حكماً وحتماً بلا استراتيجات كليّة وتحكم بسياسات مرحلية وارتجالية وعقلية المياومة فتنشأ على أرض الواقع فراغات ومطبات وأزمات تضع الناس في دوامات ومتاهات مستديمة تفقدهم الثقة بالذات والماحول وتجعلهم في حالة هبوط ونكوص وقصور ثقافي وركض لاهث وعابث وراء الفراشات والأوهام والانجرار وراء الشائعات والحواديث والحكايا (والتقاط الفتات الذي تتكرم به السلطة في غمرة سيطرتها واحتلالها مكان الدولة ودورها ) بدلا من البحث عن دور اجتماعي وسياسي حقيقي وبحثاً ضمنياً عن معنى الدولة وهي تتبدل وتتحول إلى لامعنى وإلى مجرد مصطلح وكلمات شريدة وباهتة !

الدولة الزبونية في أطوار تمكنها وظفراويتها  تسعى إلى  “ديموقراطية بحد السيف” أو ديموقراطية إرغامية بلا جذور وبلا مقدمات وبلا ثقافة وبيئة مجتمعية تمكنها من التجسد والرسوخ والامتداد ، وتدخل في مدارات ومتطلبات واكراهات موجة الديموقراطية العالمية – العولمية بدون رؤى سياسية أو اجتماعية وطنية استقلالية وتبقي في المجال الذهنية والمؤسسات اللاديموقراطية ويصبح المجتمع “ديموقراطياً !” من دون ديموقراطيين أو يتلبس  قشرة واهية زائفة سرعان ما تتفسخ وتتبدد ويظهر ما تحتها من “بلاوي” مضادة للديموقراطية وكل أنواع الإعاقة للتحولات الديموقراطية الحقيقية

ولأن السلطة الزبونية تمتلك بحكم تكوينها القوة والمال والاقتصاد  والإعلام والقدرات المؤسسية المختلفة ونخباً من المثقفين المتكسّبين الموالين لمنطقها فإنها تسوّد ثقافة الخوف والتخويف والترهيب والترغيب إلى جانب ثقافة قشرية استهلاكية تسعى إلى التلاعب بالعقول والترويض المستمر سعياً إلى تشكيل المجتمع القطيعي ( من قطيع ) ذو البعد الواحد الخانع المغيّب الذي لا حول له ولا طول وكل ذلك( لكي تنام نوماً هادئاً ) وفقاً لمقولة ونصيحة تشرشل بتقديم ألهيات ديموقراطية تضليلية تمكن السلطة من النوم الهاديء .

ويمكن لهذا التوصيف أن يسترسل كثيراً وطويلاً ولكننا سوف نختصر ونقول أنه لابد من الدولة ( ومايرافقها من تعزيز الوحدة الوطنية والمساواة والعدالة ) ومن معنى وتعريف سياسي- اجتماعي – ثقافي متجدد للدولة يمكنها أن تكون ذاتها الوطنية بمعانيها المتعالية المتعارف عليها في الفكر السياسي حتى ترتقي بالمجتمع إلى مستويات جديدة من المسؤولية والمشاركة والقدرة على الاعتراض والتدخل وأن تلغي التوسطات المختلفة المعيقة وأن تكف عن استسهال القبول بفقدان دورها وإزاحتها عن مكانها ، وأن تعود إلى مجراها الصحيح بأن تكون الدولة الجامعة لا السلطة الزبونية النابذة والمبددة للطاقات والهادمة للمجتمعات والساعية لتحقيق المصالح الضيقة والرغبات .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى