نحو بناء الثقافة القومية لمواجهة مشاريع التجزئة

تعد الثقافة أداة أساسية ورافعة هامة من أدوات النهوض العربي ونشر الوعي الفكري والقومي وإشاعة التقدم الحضاري والإنساني، وهي سبيل من السبل الرئيسة في بناء الوعي الروحي والوجداني والعقلي، والأمة العربية في صيرورتها التاريخية الطويلة أنجزت أكبر مشروع حضاري إنساني عبر التاريخ من قيم وإنجازات روحية ومادية لاتزال آثارها شواهد على عظمة هذه الأمة وميراثها الحضاري.

لقد أصيبت هذه الأمة في العصر الحديث في مقتل نتيجة للظلم والاستبداد والتخلف الذي لحق بها من خلال فترة الإستعمار, وهي المرحلة التي عملت على تمزيق أوصال العالم العربي الى كيانات قطرية متصارعة متنازعة دون وجود أسباب لهذه النزاعات اللهم إلا لإرضاء المصالح الإستعمارية وأجندتها في المنطقة العربية، وهذه الصراعات ما تزال حتى الآن تزداد دوائرها لتصب في صالح أمن واستقرار الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين.

لقد عمل التشرذم العربي على اضعاف فكرة الوحدة العربية التي هي أمل الشعوب العربية, كذلك محاولات فكرة الدولة القطرية تكريس نفوذها من خلال التحالفات مع كيانات ليست عربية لضرب المصالح العربية, وما يحدث الآن من قواعد لتركيا وإيران في المنطقة العربية يعد شاهداً على هذا الفعل المرفوض أصلا.. جملة وتفصيلا .

لقد انزاحت القواعد الأجنبية من بلادنا من مطلع القرن بعد أن قدّم جيل الأجداد والآباء تضحيات كبيرة وعمدوا مسيرة الوطن وثراه بدمائهم الطاهرة الزكية, وها هم الأبناء مرة ثانية يهدمون ما حققه الأجداد من منجزات حضارية وفكرية ومادية من خلال زرع القواعد الأجنبية في بلادنا مرة ثانية.

لقد لعبت الثقافة العربية والفكر العربي الوحدوي دوراً هاماً وطليعاً في بناء النسيج الوطني العربي, وهدم العديد من الحواجز الإجتماعية التي صنعها الإستعمار الغربي في أوطاننا, واستطاعت الأمة عبر مسيرتها التاريخية الطويلة بناء الإنسان العربي القادر على مواجهة التحديات مهما عظمت، إلاّ أن إنهيار البنيان بتبدل الأجيال لا يعني ان الأمة ستبقى جامدة دون حراك أو مقاومة لمشاريع الفرقة والتجزئة.

إن ما جرى في باحات الأقصى والقدس, وما يجري بشكل عام في فلسطين وسوريا والعراق وليبيا ومصر وتونس كفيل بأن يدق ناقوس الخطر ليوقظ الضمير والوجدان العربي مرة ثانية من هذا السبات العميق الذي استحال إلى عجز وخمول شبه دائمين، فهذه المآسي اليومية التي تحدث في ديارنا العربية، إذ لم تفعل فعلها في إعادة التفكير في المشروع العربي الجامع، فما هي إذن الأحداث التي ستوقظنا من غفوتنا ؟؟!!

إن الشعب العربي في فلسطين والأردن بشكل خاص يشكل طليعة الشعوب المؤهلة لحمل المشروع العربي ومواجهة التحديات الصهيونية ومؤامرتها العلنية والسرية تجاه الأمة، فالنهضة هي بحاجة إلى الشعوب الواعية لتعليق جرس الحركة، ولكن في نفس الوقت بحاجة أكثر إلى طبقة المثقفين والمفكرين الذين يقودونها نحو الأهداف المرجوة بوسائل جديدة ورؤية نهضوية استراتيجية تجمع كل الطامحين للوحدة والتقدم, وتنقل الأمة من طور اليقظة إلى مرحلة العمل الجدي، وذلك من خلال تجميع الطاقات والإنطلاق من القواسم الجامعة والمشتركة للعاملين وعدم إقصاء أي جهد نافع يصب في هذا المضمون.

ومن أجل تصويب المسار وإزالة أسباب الهزائم في داخلنا وإعادة بناء الوعي العربي بقضايا الأمة والمصير الواحد والهدف الواحد بوسائل عصرية تعمل على تحقيق المجتمع العربي الجديد الذي يقوم على الديموقراطية والتعددية والحرية والعدالة الإجتماعية في توزيع الثروة والسلطة, ويوفر الكرامة للجميع لتقوم الأمة العربية بدورها كفاعل في المشروع الحضاري الإنساني مرة ثانية وليس مفعولاً بها.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى