توسع الدور المصري بسوريا يستهدف التعادل مع الوجود الايراني

شكل الاعلان عن مشاركة مصر في صياغة الاتفاق الذي جرى مؤخرا لإقامة منطقتي خفض التوتر في الغوطة الشرقية لدمشق وشمال حمص, مؤشرا واضحا على استعداد القاهرة للعب دور أكثر حيوية في الترتيبات التي تُعدّ لحلّ المسألة السورية.

وقد قاربت القاهرة الأزمة السورية في السنوات الأخيرة من خلال دبلوماسية وسطية معتدلة، أثارت في بعض الأوقات امتعاض دول عربية حليفة لمصر، منها السعودية، لكن بعض القوى الكبرى باتت بحاجة إلى مقاربة مصرية جديدة لتهدئة الميادين السورية قبيل الشروع بعملية سياسية أكثر نضجا ونجاعة.

وتقول مصادر سورية إن القاهرة متمسّكة بموقفها الرسمي الذي سبق للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أن أعلن عنه، سواء في كلامه عن دور الجيوش في استقرار الدول الوطنية، بما فهم أنه دعم للحفاظ على الجيش العربي السوري بقيادة الرئيس بشار الأسد.

وكان السيسي قد قال في مقابلة مع التلفزيون البرتغالي، بثت في الـ22 من تشرين الثاني العام الماضي إن “الأولوية لنا أولا أن ندعم الجيش الوطني على سبيل المثال في ليبيا لفرض السيطرة على الأراضي الليبية والتعامل مع العناصر المتطرفة وإحداث الاستقرار المطلوب، ونفس الكلام في سوريا (…) ندعم الجيش السوري وأيضا العراق”.

وأكد أن هناك “حساسيات” في مسألة إرسال قوات مصرية إلى سوريا، وقال “من المفضل أن القوات الوطنية للدول هي التي تقوم بالحفاظ على الأمن والاستقرار في مثل هذه الأحوال”.

ورغم سعي مصر للنأي بنفسها عن الانخراط في الصراع السوري إلا أنها استضافت مؤتمرات للمعارضة السورية كان أبرزها ما بات يعرف بـ”منصة القاهرة”، كما استضافت الإعلان عن إنشاء “تيار الغد” الذي يرأسه القيادي السوري المعارض أحمد الجربا.

واعتبر مراقبون للشأن السوري أن علاقة الجربا بالقاهرة تعبّر أيضا عن تفاهمات بين القاهرة والرياض لكون الزعيم الأسبق للائتلاف الوطني المعارض معروف بعلاقاته السياسية والقبلية مع السعودية.

وحثت الرياض مؤخرا “الهيئة العليا للمفاوضات”، التي تمثل المعارضة السورية في مفاوضات جنيف، على عقد اجتماعات جديدة في العاصمة السعودية، هدفها توسيع التمثيل السوري ليشمل تشكيلات عسكرية وشخصيات معارضة أخرى، لا سيما من داخل منصتيْ موسكو والقاهرة، بما يعكس تناغما مصريا سعوديا مع المسعى الروسي الأميركي الجديد على المستويين السياسي والعسكري في الشأن السوري.

وقال محمد مجاهد الزيات، مستشار المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، إن “نجاح الدور المصري في سوريا يرتبط بحرص القاهرة على تأكيد الحفاظ على الدولة السورية ورفض تجزئتها، وتمسّكها برؤيتها الثابتة بشأن عدم الاعتماد على التنظيمات الإسلامية المتشددة كجزء من الحل السياسي هناك، واحتضانها مجموعة من المعارضة المعتدلة والتي تتفق مع تقديرها الاستراتيجي بشأن الحفاظ على كيان الدولة ومحاربة التنظيمات الإرهابية في المنطقة”.

وأضاف الزيات في تصريحات لـ”العرب” أن “تلك الخطوات مهدت الطريق أمام لعب دور سياسي مقبول لدى أطراف لها علاقة مباشرة بالأزمة على رأسها النظام السوري والمعارضة والجانب الروسي، بالإضافة إلى الولايات المتحدة التي تسعى إلى تخفيف مناطق التوتر لتفسح الطريق أمام مواجهة تنظيم داعش ومحاصرته”.

وتقول المعلومات المتوفرة حتى الآن إن الدور المصري ما زال خجولا، وإنه اقتصر في الأسابيع الأخيرة على استضافة المفاوضات التي أفضت إلى الاتفاق على إقامة منطقتين لخفض التصعيد في الغوطة الشرقية لدمشق في الـ22 من تموز وحمص في الـ2 من آب، وأن القاهرة لم تتدخل في تلك المفاوضات ولا في صياغات الاتفاق، وأن ضمان الاتفاق ما زال حكرا على الطرف الروسي.

ورغم عتب بعض فصائل المعارضة على الموقف المصري الذي يميل إلى دعم النظام السوري، إلا أن المعارضة تعتبر أن مصر مقبولة من كافة السوريين، معارضة ونظاما، وأن تدخلها بات ضروريا لتدوير بعض زوايا الأزمة ولإقامة مناطق خفض توتر أخرى لا تشارك فيها جماعات جهادية ترفض القاهرة التعامل معها.

وإمكانية نشر قوات مراقبة مصرية، رغم استبعاد القاهرة لهذا الخيار، أمر قد يكون مطروحا في المستقبل، لا سيما في المناطق التي لا تخضع لفصائل المعارضة الموالية لتركيا.

وتكشف مصادر في القاهرة أن وجود ممثل عن جيش الإسلام هو محمد علوش القريب من السعودية وممثل عن “تيار الغد” هو أحمد الجربا، إضافة إلى ممثل عن روسيا، يعكس تناغما “موضعيا” بين القاهرة وموسكو والرياض، دون أن يمثّل ذلك انقلابا مفصليا في مواقف الرياض والقاهرة حيال المسألة السورية.

وتتحدث تقارير عن تواصل أمني سرّي مستمر بين أجهزة المخابرات المصرية والسورية، ولم يصدر نفي من القاهرة، إذ سبق أن استقبلت في تشرين اول من العام الماضي رئيس مكتب “الأمن الوطنيّ” السوري اللواء علي المملوك، بناء على دعوة من الجانب المصري، برفقة 6 مسؤولين سوريّين، التقى خلالها رئيس المخابرات العامّة المصريّة اللواء خالد فوزي.

ويرى مراقبون في روسيا أن الدور المصري ما زال حتى الآن حاجة لموسكو تحاول من خلاله دفع القاهرة للعب دور متقدم يؤسس لشراكة مع روسيا بموازاة الشراكات الروسية مع تركيا وإيران في سوريا. ويعتبر هؤلاء أن موسكو تريد أن تكون القاهرة أكثر حضورا في ملفات يلتقي فيها البلدان في المنطقة، لا سيما في ليبيا واليمن.

ورجّح الزيات، وهو وكيل سابق لجهاز المخابرات المصري، تزايد دور القاهرة في سوريا، خاصة أنه “يحظى بمباركة بعض القوى العربية الفاعلة والتي تريد تحجيم نفوذ إيران هناك، كما أن استمرار التوافق الدولي من قبل الولايات المتحدة وروسيا على هذا الدور يمنحه أهمية أكبر من الناحية السياسية”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى