هكذا تدخل طه حسين لتصويب كلمات اغنية لليلى مراد ونجيب الريحاني
“أبجد هوز حُطّي كلمُن/ شكل الأستاذ بقا منسجمٌ” تعتبر من أشهر أغاني الأفلام المصرية، التي درجت انذاك على كل لسان.
هذه الأغنيةٌ كتبها “حسين السيد”، ووضع موسيقاها المرحة، “محمد عبد الوهاب”، الموسيقار المصري الذي عزّ نظيرُه، وشدا بها كلٌّ من الجميلة “ليلى مراد”، وسيد الكوميديا “نجيب الريحاني”. ولنا أن نتصوّر عملاً يصنعه عظماءُ رفيعو الطراز على هذا المستوى، ثم يُعلّق عليها عظيمٌ آخر عزّ نظيرُه في كل العصور، هو عميدُ الأدب العربي “طه حسين”.
حينما عُرض فيلم “غزَل البنات” عام 1949، وانتشرت تلك الأغنية المرحة وذاع صيتُها؛ سألوا عميدَ الأدب عن رأيه فيها. فأجاب بأنه استملحَ كلمات الأغنية، وراق له لحنُها وصوت المطربة الشابّة ليلى مراد، إلا أن لديه تحفّظًا ما على الكلمات. وحين سُئل عن ذاك التحفّظ، دُهشَ السائلُ. قال د. طه حسين إن كلمات الأغنية كان يجب أن تكون على هذا النحو: “أبجد هوز حطي كلمُن/ شكل الأستاذ بقا منسجمًا”؛ (وليس منسجمٌ)…. لأنه “منسجم” خبر (بقا) بمعنى أصبح، من أخوات كان. كذلك ما قاله الأستاذ “حمام”/ نجيب الريحاني: “بدل المهية راح آخد صرمًا”، (وليس صرمٌ)؛ لأنها مفعول به منصوب.
وسواءً كان الأستاذ يتكلم بجدية، أم يمزح ربما، لأنه يعلم ضرورات الوزن والقوافي، خصوصًا في أغنية كوميدية كتلك. وسواء كانت “أبجد هوز” هي مقدمة الأبجدية العربية, أو هي أسماء لملوك مَدين أو غير ذلك، الا ان الفكرة هنا هي يقظةُ عقل الأديب الذي لا يقبل الهِنات اللغوية والنحوية الصرفية، حتى في أغاني المرح والأفلام الكوميدية. والفكرة الأهم هنا هي خفّة ظل الأديب وسرعة بديهته في التقاط ما غاب عن آخرين.
ولا يجوز أن نذكر “أبجد هوز” دون أن نتذكّر أغنية “الشيخ إمام” التي كتبها عظيم الأغنية الثورية “أحمد فؤاد نجم” فرحًا بانتصار الفيتناميين وجلاء قوى الاحتلال الأمريكي وسقوط مدينة “سايجن”:
أبجد هوز.. حطي كلمن
افتح صفحة.. امسك قلمن
اكتب زي الناس ما بتنطق
سقطت سايجون رفعوا العلمن