ثورة 23 يوليو في ذكراها الــ65
بقلم : عبد الهادي الراجح
تمر الأيام سريعة وها هي الذكرى الــ65 لثورة 23 يوليو المجيدة تطل علينا والأمة العربية في حالة غليان سياسي واحتقان, وقد جاء ذلك كله متزامنا مع ارتفاع درجات الحرارة في حالة غير مسبوقة ، وكأن ذلك إيحاءا غريبا على غضب الناس لظروفهم المعيشية, إضافة لسياسة التبعية, وغضب الطبيعة بهذه الحالة الغير مسبوقة, وكان ذلك تعبيرا عن حالة واحدة أبسط ما نقول عنها ما قاله شاعرنا الكبير محمود درويش (انتحار المعنى ) .
ثورة 23 يوليو المجيدة لم تكن حالة عابرة في تاريخ الأمة والإنسانية وليس مجرد انقلاب عسكري كما يدعي كتبة المارينز والبترودولار في وطننا الكبير فهي حالة خاصة في التاريخ العربي ونقلة نوعية للأمة العربية والعالم النامي عموما من التبعية لعصر الاستقلال, ومن الاستهلاك لعصر الإنتاج, ومن العدم للوجود ، وهي أول ثورة في تاريخ الأمة العربية يقوم بها أبناءها بدون تدخل المندوب السامي أو وكالة المخابرات الأمريكية وغير الأمريكية ،ثورة 23 يوليو ابنة البيئة المصرية فرضتها ظروف مصر وأمتها العربية .
قبل الثورة كانت الأمة تحكم من السفارات ولا تختلف مصر عن غيرها كأكبر دولة عربية من حيث التبعية السياسية وأوامر المندوب السامي الذي هو دولة داخل الدولة وما أكثر الأدلة على ذلك وليس آخرها حادثة 4 شباط فبراير عام 1942م ، المعروف في تاريخ مصر عندما حاصرت الدبابات البريطانية قصر عابدين مرغمة الملك فاروق على تعين مصطفى النحاس أو أن يتنازل عن الحكم هكذا كانت مصر تدار بالريموت كنترول البريطاني ولا تختلف عنها باقي البلاد العربية إذا لم تكن أكثر سوءا.
في ظل ذلك التصحر السياسي والاستعمار المهيمن الكونيالي على القارات الثلاثة ووطننا العربي بشكل خاص كان هناك مجموعة من الضباط المصريين الأحرار أسسهم شاب أسمر صعيدي كان يعمل أكثر مما يتكلم وإذا تكلم فكلامه حكم وصوته رسائل اسمه جمال عبد الناصر يخططوا ويدبروا تحت قيادته ، فقد اعتبروا حادثة 4 شباط فبراير اهانة لشرفهم الوطني قبل العسكري ورغم استهتار الملك الذي يعرفونه ولكنهم اعتبروا ما حدث اهانة للوطن فهكذا أخذوا يعدوا للثورة التي تنهي تلك الحقبة الملكية وتعيد مصر لحكم أبناءها بعد أن كانت تحت حكم ووصايا الأجانب ، وهكذا جاءت ثورة 23 يوليو استجابة لنداء الأمة وتصحيح مسار حركة التاريخ وإعادة مصر لأبنائها لأول مرة في التاريخ الحديث ، كما كان لها الدور الأكبر عندما نهضت تحت قيادة أبناءها في طرد الاستعمار من مصر والمنطقة العربية كلها ومطاردته في القارات الثلاثة آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية .
ثورة 23 يوليو بقيادة الزعيم جمال عبد الناصر أبرزت دور مصر الحضاري والثقافي وأعطاها قيمتها ووزنها وأصبحت بفضل سياسته الحكيمة من دولة زراعية لدولة زراعية وصناعية معا ، وأصبح لها الدور القيادي الذي يليق بها ليس لأمتها العربية فحسب ولكن في كل العالم حيث أصبحت قطبا من الأقطاب المهمة بعد أن كان المسئولين المصريين ينتظروا الأيام والشهور عبر السفارة إياها لمقابلة المندوب السامي وأخذ التعليمات منه أصبحت مصر بعد الثورة من تصدر الأوامر ويحسب لها ألف حساب حتى في ظل أسوأ الظروف التي مرت بها ، ولا يوجد باحث منصف ينكر أن العصر الذهبي لمصر في العصر الحديث كان هو المرحلة الناصرية التي امتدت من عام 1952 لعام 1970م أي ثمانية عشر عاما وهو عمر ثورة 23 يوليو المجيدة التي نحتفل بذكراها الــ65 اليوم .
وبعد الرحيل المفجع للزعيم جمال عبد الناصر جاءت الثورة المضادة من أنور السادات وصولا لعبد الفتاح السيسي والذي هو نظام واحد نظام التبعية السياسية والاقتصادية والانبطاح أمام الصهاينة الأمريكان وذيولهم في فلسطين المحتلة.
اليوم وبعد خمسة وستون عاما على الثورة نقف مع كل أحرار العالم لنتذكر ذلك الحدث التاريخ ليس من أجل الماضي, ولكن من أجل المستقبل فأي إنسان يستطيع أن يرى الفرق كيف كانت الأمة العربية بقيادة مصر الناصرية وكيف أصبحت اليوم والى أين وصل بها الهوان من كامب ديفيد إلى التنازل عن جزيرتي صنافير وتيران المصريتين لنظام آل سعود الوهابي وما بينهم .
في ذكرى ثورة 23 يوليو المجيدة تحية إجلال وتقدير لروح الزعيم جمال عبد الناصر ولرفاقه الأبطال الذين شاركوا في صناعة ذلك المجد التاريخي الذي نحتفل باشراقاته اليوم ويذكرنا بأن أمتنا لا زالت بخير وقادرة على ولادة الثورة والثوار .
وسلام عليك يا أبا خالد يوم ولدت ويوم استشهدت وأن توحد صفوف الأمة لمعركة المصير الواحد ويوم تبعث حيا ، ولا نامت أعين الجبناء .