عزت الدوري يشيد بمناقب رفيقه اللبناني الراحل عبدالمجيد الرافعي

بسـم الله الرحمن الرحيم

( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا )

ايها الأخوة والرفاق والأحبة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بقلوب عامرة بالإيمان بقدر الله وقضائه، أنعي الى مناضلي البعث والى أحرار العروبة وجماهير امتنا العربية رمزاً عزيزاً من رموز البعث ومناضليه الرفيق المناضل الكبير الدكتور عبد المجيد الرافعي نائب الامين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي ورئيس حزب طليعة لبنان العربي.

وليس سهلاً على من يريد أن ينعي عزيزاً بخصال فقيدنا الغالي أن يختار الزاوية الأنسب للولوج منها في الحديث عن راحل لا يختلف اثنان في وصفه بأنه الانسان الراقي، المجاهد ، الحكيم ، المفكر، القائد المتواضع ، البعثي القائد ، حكيم الفقراء، محبوب أهل طرابلس ، طبيب الناس، المناضل الوطني اللبناني ، المناضل العروبي الوحدوي ، نصير العراق ، حبيب فلسطين وغيرها الكثير. فلكلٍ من هذه الاوصاف في حياة رفيقنا المرحوم بإذن الله الحكيم عبد المجيد الطيب الرافعي الكثير والكثير مما يتفرد به ويجعله في مصاف النخبة الأبرز من الرجال القادة في حياة أمتنا منذ أواسط القرن الماضي.

فقد كان الحكيم عبد المجيد الرافعي في طليعة المناضلين الوطنيين اللبنانيين الذين تصدوا للاستعمار الفرنسي ودباباته ، وأول من تطوعوا في المقاومة الشعبية بعد أحداث عام 1958.

وليس غريبا ان تودع طرابلس إبنها البار بهذه المسيرة الشعبية الكبيرة وبهذه المشاعر الصادقة الجياشة. فهو بالنسبة لهم الحكيم الصادق النظيف والمثال الأعلى للمواطن المخلص الشريف الذي ترك في كل منزل طرابلسي ذكرى عطرة. وكان لعدة عقود الشخصية الأقرب الى حياة أبناء طرابلس والى قلوبهم على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم وظروفهم الاجتماعية والمعيشية. فقد تطوع الطبيب خريج احدى جامعات سويسرا مع عمال الانقاذ لدرء مخاطر طوفان نهر أبو علي عام 1955. وأسس أول مستوصف شعبي مجاني في طرابلس عام 1959 . ومن لا يتذكره من فقراء طرابلس الفيحاء وعموم سكانها متأبطا حقيبته وزائرا دور الصفيح والطين ملبياً استغاثة مريض في الليل أو ساعات الفجر الأولى مطبباً ومداوياً و مبلسماً.

فهو الطبيب الشعبي الذي زرع البسمة على وجوه آهل طرابلس، ومثّلهم أحسن تمثيل ودافع عن حقوقهم وخصوصا الفئات الشعبية ، فأحبه أهلها ومنحوه أعلى نسبة من اصواتهم عام 1972 ليمثلهم عقداً من الزمان في مجلس النواب. وما تزال سجلات مرافعات حكيم طرابلس النائب الرافعي في مجلس النواب تفيض رؤى استشرافية دقيقة بما كان يحدق بلبنان وأهله من مخاطر الانفجار الكبير وما كان عليهم لدرء هذه المخاطر ان يفعلوه ويحدثوه من تغيير وإصلاح لصالح القاعدة العريضة من أبناء لبنان. لقد كان بحق رسول طرابلس الى لبنان كله.

كما كان فقيدنا الغالي الحكيم الرافعي بحق رسول لبنان الى امته العربية. أحب فلسطين ووقف مع مناضليها من فصائل وتوجهات شتى منافحا من أجل وحدتهم ومن أجل توحدهم مع نضال امتهم العربية. وبعد اضطراره لمغادرة لبنان الى العراق عشية اندلاع الحرب الاهلية والتدخل الخارجي في لبنان، بقي مسكونا بهموم مدينته وبلده لبنان فوق انشغاله واهتمامه الكبيرين بأحداث امته العربية وقلعتها الصامدة العراق. ويشهد له أبناء لبنان ورفاقه العراقيون والعرب بأن داره في بغداد بقيت مفتوحة لأبناء مدينته وبلده، ولم يبخل بأي مساعدة عليهم عبر توفير فرص العمل والمنح الدراسية في العراق فضلا عن فرص التصدير للمنتجات اللبنانية الى اسواق العراق رغم ضيق الفرص آنذاك أيام الحصار الظالم .

وبحلول الغزو الامريكي البريطاني للعراق واحتلاله عام 2003 ، تصدى الرفيق المناضل الحكيم عبد المجيد الرافعي لمهمتين تاريخيتين توج بهما مسيرته النضالية الوطنية والقومية الظافرة.

فبادر، بروح المناضل الذي لا تهزه الكوارث وبشجاعة المؤمن وصلابة حامل الرسالة التأريخية، لرص صفوف تنظيم البعث القومي وإعداده لمواجهة المرحلة الخطيرة الجديدة وما انطوت عليه من ضغوط هائلة وحملات خبيثة لتصفية البعث. وعمل بدأب وتفانٍ وجهود كبيرة لتعزيز التنظيم القومي وتعبئة مناضليه بمواقف كفاحية تضع هدف تحرير العراق و فلسطين في مقدمة اهدافها. فاستحق بذلك وصف ( عمدة البعث ) .

وبالنسبة لي شخصيا ، ثمة فوق هذا كله ، زاوية شخصية في غاية الأهمية تتصل بفقيدنا الغالي. فالمناضل الرافعي، الذي أمضى عمره مناضلاً باسلاً في مسيرة الحزب وقائدا ثابت الخطى وراسخ الايمان بعقيدة البعث ومبادئه وأهدافه مجسداً في منظومة اخلاقه الكريمة اخلاق العروبة ورسالتها الخالدة ، كان من اقرب الرفاق والأصدقاء الى نفسي . وأمضينا سوية في قيادة البعث في العمل القومي عقودا من الزمن زخرت بنضال لم يعرف الكلل ولا التراجع من أجل رفعة هذه الأمة وعزها وتحررها ونهوضها القومي والدفاع عن جماهيرها في كل مكان. لذلك كانت فجيعتي برحيله جرحاً لا يلتئم بسهولة وخسارة لا تُعوض بكل المعايير.

ومما يزيد الألم والإحساس بالخسارة الكبيرة هو رحيل فقيدنا الكبير صاحب الدور المهم في التصدي لأعداء الامة وكشف مخططاتهم التدميرية، في زمن بلغت فيه هذه المخططات مرحلة غير مسبوقة بمخاطرها وأهوالها البشرية والمادية بعد غزو العراق واحتلاله وتعريضه لحملة من التدمير المنظم وللتطرف والإرهاب، وفي خضم التداعيات الخطيرة لكل ذلك على الأمن القومي العربي متمثلة بما تتعرض له اقطار شتى من أمتنا العربية من تهديد للسيادة والأمن والمصالح الوطنية العليا والنسيج الاجتماعي الوطني. ولقد فقدنا الرفيق العزيز عبد المجيد الرافعي في مرحلة حاسمة من نضالنا وكفاحنا ونحن بأمس الحاجة لوجوده وعطائه بوصفه رمزا وعنوانا وراية عالية. وهذا ما يجعل رحيل فقيدنا العزيز الدكتور الرافعي يترك فراغا واضحاً ومؤذياً لمسيرتنا.

ورغم الألم برحيل الرفيق الرافعي ، إلا إنه ينبغي ان يعزز فينا روح التحدي والتضحية. فأمتنا لن تتحرر إلا بالتضحيات والإصرار على مواصلة النضال مهما كان شاقا والتمسك بالحقوق والأهداف الوطنية والقومية والمبادئ الانسانية. ولهذا فإن خير تكريم لفقيدنا الكبير بعد أن ترجل عن صهوة جواده هو ان يكمل رفاقه من فرسان البعث مسيرته الوطنية والقومية والإنسانية ، وذلك من خلال تعظيم نضال البعث وتعميق مسيرته وترسيخ وحدته ، خصوصا ان الجماهير في العراق والوطن العربي تعلق الآمال الكبيرة على دوره في إنقاذ الأمة بالتعاون مع جميع القوى الوطنية والقومية والخيرة في الوطن العربي. كما ان خير تكريم للفقيد الغالي هو أن يكمل مسيرته فرسان أمتنا العظيمة في أقطار شتى في العمل الدؤوب لتعزيز التضامن بين أقطار الأمة العربية والعمل من أجل وحدتها ومحاربة وإفشال المشاريع الاقليمية والدولية الرامية الى اشاعة التطرف والإرهاب والتقسيمات والفتن الطائفية والعنصرية والدينية وتمزيق اقطار الوطن العربي وإلحاق بعضها بقوى اقليمية توسعية وإخضاع بعضها الآخر لعربدة وهيمنة الكيان الصهيوني وخططه التوسعية . فليكن رحيل القائد الرافعي، محركا مضافاً في نضالنا للتعجيل بتحرير العراق وإنقاذه فيكون بذلك الخطوة الاولى على طريق تحرير كل الاراضي العربية المحتلة ، وبناء وحدتنا القومية وتحرير الانسان العربي من الجوع والفقر والتخلف والأمية والظلم الاجتماعي .

تحية اكبار و اجلال الى روحه الطاهرة التي اعطت الكثير للبعث وللأمة على امتداد اكثر من نصف قرن كل شيء. واسأل الله العلي القدير ان يتغمده برحمته الواسعة ويسكنه فسيح جناته وأن يلهمنا ورفاقه وأهله وخصوصا حرمه ورفيقة دربه الأخت الفاضلة والرفيقة المناضلة ليلى الرافعي الصبر والسلوان. ويشرفني باسم القيادة القومية وقيادة قطر العراق والقيادة العليا للجهاد والتحرير أن أعاهد روحه الطاهرة وأرواح من سبقه من الرفاق الاوائل القائد المؤسس احمد ميشيل عفلق وصلاح البيطار واحمد حسن البكر وصدام حسين وصالح مهدي عماش وكل شهداء الحزب وشهداء الأمة حيث ما سقطوا دفاعاً عن الأمة ومصالحها الحيوية ومستقبل اجيالها، وفي المقدمة منهم شهداؤها في فلسطين والعراق وسورية والأحواز، نعاهدهم جميعاً على اننا سنصعد من جهدنا وجهادنا وكفاحنا حتى تقر أعينهم وتفرح أرواحهم وتزهوا بانتصار البعث وتحقيق اهدافه الكبرى في الوحدة والحرية والاشتراكية بإذن الله القوي العزيز. انا لله وانا إليه راجعون. ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عزة ابراهيم

الامين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي

القائد الاعلى للجهاد والتحرير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى