التقارير الطبية الزائفة
بقلم : ماجد عبد العزيز غانم/جرش
موضوع هذا اليوم أصبح أمراً مؤرقاً لكل مواطن صالح في هذا المجتمع الطيب ، لذلك سوف ألقي الضوء على مثال حي يتعلق بطريقة الحصول على مثل هذه التقارير الطبية الزائفة وما يتبع ذلك من نتائج سلبية على أفراد المجتمع ككل .
روى لي احد أصدقائي المقربين جدا ما حدث معه قبل أسبوعين تقريبا حيث قال (( جاء إلى مكتبي في العمل أحد زملائي ودار بيني وبينه نقاش طويل كانت نهايته أن قال لي هذا الزميل الآن أستطيع الاعتداء عليك ولن يحصل لي شيئا ، فسوف أحضر تقريرا طبيا يثبت بأنك اعتديت علي ، وحينها سوف أقدم شكوى للجهات الأمنية ، وحتى لو أحضرت أنت تقريرا مماثلا فسوف تكون العملية شكوى مقابل شكوى وسوف أخرج من المركز الأمني قبلك أيضا.
أصبت بالدهشة مما قال زميلي فما كان مني إلا أن قلت له حسبي الله ونعم الوكيل إذا حدث هذا حقا فلن يضيع حقي عند الله ، أجابني نعم على هذه الأرض لن تأخذ حقك أما عند الله فربما لاحظوا ماذا قال ربما .
يتابع صديقي وبشكل مباغت قام هذا الزميل بضربي وخرج مسرعا من مكتبي ، فما كان مني إلا أن ذهبت لإحضار تقرير طبي من المستشفى الحكومي يشير إلى ما حدث معي لكي أقدم شكوى بحقه ، وعند الطبيب المناوب وبوجود المندوب الشرطي المناوب للحوادث سألني الطبيب مما أعاني ، فأخبرته بما حدث ومكان الإصابة وأن الاعتداء هكذا كان وأنه لا توجد علامات سوى الألم النفسي الذي لحق بي جراء الاعتداء فضحك وقال هذا الألم النفسي لا يكتب يجب أن أكتب شيئا آخر ، قلت له اكتب ما تشاء لكن هذا ما حدث معي ، لحظتها أدركت ما قاله زميلي سابقا فلو أنني وضعت كل أمراض الدنيا وأعراضها كنتيجة لهذا الاعتداء لقام الطبيب بكتابتها ، وفعلا كتب الطبيب بعض الأعراض في التقرير وأخذته للمركز الأمني وقدمت شكواي ، في هذه الأثناء حضر زميلي ومعه تقرير طبي يفيد بتعرضه للاعتداء من قبلي ، وسجل شكواه بحقي ، وللأسف كانت النتيجة كما قال ذلك الزميل شكوى مقابل شكوى ، وخرج فعلا من المركز الأمني قبلي ، وتقبلت الأمر على مضض والحسرة تأكل قلبي فكيف يحدث هذا الأمر،المُعتدَى عليه يصبح مُعتدي ويذهب حقه وكأنه لم يكن ) !
إلى هنا انتهت رواية صديقي ، قمت حينها بالتربيت على كتفيه وقلت له احمد الله أن الموضوع انتهى إلى هذا الحد ولم تذهب للمحاكم وحبالها الطويلة ، وقلت له هذا الأمر أصبح شيئا بديهيا في بلادنا فقد حدث معي نفس الأمر قبل عشر سنوات تقريبا عندما أدعى أحدهم بأنني قمت بدهسه بسيارتي ، وبقيت مدة عام كامل وأنا ازور المحكمة لإثبات بطلان ادعائه ، حتى صدر القرار بعدم مسؤوليتي عما أصابه ، وكنت اعتقد انه سوف ينال عقابه جراء اختلاق جريمة لم تحدث أصلا ، ولكن المصيبة كانت بان قرار عدم المسؤولية بمفهوم القضاء لا يعني أن خصمي متهم بشيء ، رغم أن العقل والمنطق يقولان عكس ذلك ، لحظتها حمد صديقي الله كثيرا لعدم وصوله للمحاكم .
هنا أود قرع الجرس بل والصراخ عاليا ، إلى متى ستبقى هذه التقارير المسماة زورا بالتقارير الطبية القضائية ، إلى متى ستبقى آلية إصدارها بهذه الطريقة السخيفة التي أقل ما يمكن وصفها به أنها تقارير لا تمت للحقيقة بصلة ؟ بل هي تزوير لواقع لم يكن من الأصل !
أيضا ماذا بشأن المتضررين من هذه التقارير والتي يضيع وقتهم هباء ما بين المراكز الأمنية والمحاكم لتكون النتيجة ضياع حقوقهم نتيجة جهل بعض الأطباء بأن الله يراقبهم وسوف يحاسبهم على كل حرف تخطه أقلامهم !
والسؤال المهم هنا ، من هو المسئول عن هذا الواقع المؤلم الذي وصلنا إليه ؟
هل هي وزارة الصحة وتشريعاتها الناظمة لعمل هذا الطبيب الذي يكتب تقريرا طبيا وهو غير مقتنع بما يكتب ؟
أم هي وزارة الداخلية ممثلة برجل الأمن الذي يقبل تقريرا من شخص وهو يرى بأم عينه أن هذا الشخص غير مصاب كما هو مذكور في تقريره ؟
أم هي الأسرة أو المدرسة ونتاجهما السيئ ألا وهو هذا المواطن الذي أصبح الكذب جزءاً من حياته اليومية ؟
أعتقد أن هذا الأمر يجب أن ينتهي ويحسم بشكل جذري ، فالمسؤولية مشتركة بشكل مباشر ما بين وزارة الصحة وما بين مديرية الأمن العام ، فتشريعاتهما اعتقد أنها أصبحت قاصرة عن تنظيم هذا الأمر ، ومن ثم يأتي دور الأسرة ووزارة التربية ، نظرا لأن العنصر الرئيسي في هذا الموضوع هو المواطن الذي استحل الكذب للحصول على حق ليس له ، أو لإضاعة حق غيره ، فالمنظومة التي ذكرتها هي في النهاية مسؤولة عن استمرار هذا الأمر المشين في مجتمعنا ، فالأمم كلها وصلت لأعلى درجات التقدم والتحضر ونحن بتنا نتذيل قائمة هذه الأمم ، بعد أن كنا سادة لكل البشرية ، ولكن وبكل ألم أقولها كان ذلك عندما كنا صادقين كمواطنين ومسؤولين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .