حزب العمل الاسرائيلي ينتخب رئيساً شرقياً بأمل هزيمة نتنياهو مستقبلاً

 

أقدم حزب العمل المعارض في إسرائيل على مجازفة عبر انتخابه رجل الأعمال السابق آفي غاباي الذي انضم مؤخرا للحزب، زعيما له آملا في مقاربة جديدة تسمح للحزب بالإطاحة برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وغاباي البالغ من العمر 50 عاما هو رجل أعمال سابق انضم الى حزب العمل قبل أشهر فقط بعد انسحابه من حزب كولانو (كلنا) من يمين الوسط.

وكان غاباي رئيسا لإحدى أكبر شركات الاتصالات في إسرائيل ويشكل نموذجا بعيدا عن الصورة النمطية لزعيم حزب العمل الذي لطالما كان مهما في إسرائيل لكن شهد في الآونة الاخيرة تراجعا كبيرا في شعبيته وتأثيره. ونشأ غاباي في عائلة من الطبقة العاملة في القدس هاجرت من المغرب، ولديه سمعة بأنه رجل عصامي.

ولم يشغل غاباي من قبل منصب نائب في البرلمان (الكنيست)، وانضم الى حزب العمل في كانون الأول الماضي قبل ان يصبح زعيما للحزب. وقارن البعض صعود نجمه بسرعة مع صعود نجم الرئيس الفرنسي الشاب ايمانويل ماكرون. وكتب على صفحته في فيسبوك أنه يجسد “الأمل والتغيير”، وسيبذل جهودا من أجل “إعادة الحياة” الى حزب العمل.

وساهم تراجع شعبية حزب العمل في تنامي دور احزاب وسطية مثل “يش عتيد” (يوجد مستقبل)، وحزب “كولانو” (كلنا). وقام غاباي صباح الثلاثاء غداة فوزه بزعامة الحزب بجولة على دراجته الهوائية في حيه في مدينة تل ابيب. وقال للصحافيين امام بيته “هذا صباح امل جديد” مشيرا ان “مهمتنا الان تتمثل بالشروع في الرحلة التي ستحقق آمال المواطنين الاسرائيليين”.

يأس ام تكيف؟

تبدو مهمة غاباي صعبة للفوز بأصوات الناخبين في وقت تراجع فيه نفوذ حزب العمل كثيرا خلال السنوات الـ25 الأخيرة، وتعاقب عشرة أشخاص على قيادته. وسجل اليمين الإسرائيلي تقدما خلال السنوات الأخيرة بقيادة حزب الليكود الذي يترأسه نتانياهو المتربع على رئاسة الحكومة منذ العام 2009.

وقبيل اجراء الانتخابات التشريعية عام 2015، انضم حزب العمل الى حزب “الحركة” بقيادة وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني لتشكيل “المعسكر الصهيوني” الذي حصل على 24 مقعدا في الانتخابات من أصل 120، ليصبح أكبر جبهة معارضة لحكومة نتنياهو.

ولكن استطلاعات الرأي أشارت منذ ذلك الحين الى تراجع في شعبية الحزب. وفشل الزعيم السابق للحزب اسحق هرتسوغ في حشد دعم جديد للحزب الذي خرج رجال دولة بارزين مثل شيمعون بيرس واسحق رابين.

وقال استاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية في القدس جدعون راهط عن فوز غاباي “هناك تفسيران لهذا الأمر” أولهما “اليأس” والآخر هو “السياسة الشخصية” التي تكون فيها الشخصية أهم من السياسية. ويرى محللون أن حزب العمل سيشهد ارتفاعا في حال إجراء انتخابات على المدى القصير بسبب الحماس المحيط بانتخاب غاباي رئيسا للحزب، ولكنهم يتساءلون إن كان بإمكانه الحفاظ على تلك الشعبية.

واحد العناصر الجاذبة في غاباي هي أصوله الشرقية كيهودي من عائلة هاجرت من المغرب. ولطالما اعتبر حزب العمل في الدولة العبرية كحزب للنخبة المؤلفة من اليهود الغربيين (الاشكناز) الذين قدموا من أوروبا. وبالإضافة الى ذلك، قد تساهم خبرته العسكرية كميجور خدم في وحدة النخبة في الاستخبارات الإسرائيلية وبعدها إدارته لشركة “بيزك” الإسرائيلية الكبيرة للاتصالات، كعوامل جذب لصالحه.

وانضم غاباي في عام 2014 لتأسيس حزب “كلنا” اليميني الوسطي مع الوزير السابق من حزب الليكود موشيه كحلون. وفاز حزب “كلنا” في الانتخابات التشريعية التي جرت في عام 2015، وانضم الى الحكومة دون أن يصبح غاباي نائبا في الكنيست.

وكان غاباي وزيرا للبيئة في عامي 2015 و2016 في حكومة بزعامة نتانياهو ولكنه استقال في أيار 2016 احتجاجا على تعيين افيغدور ليببرمان زعيم حزب إسرائيل بيتنا القومي المتطرف وزيرا للدفاع.

ويرى المحلل السياسي افراهام ديسكين ان غاباي “وجه جديد وبليغ للغاية ومصمم وذكي جدا وليس عضوا من قبل في حزب العمل، بل شخص يرمز الى الأمل”. ولكن ما زالت سياسات غاباي مجهولة. واشار جدعون راهط الى انه يتوجب عليه ان يركز على قضايا تكلفة المعيشة في إسرائيل، خاصة قضية الإسكان التي تؤرق غالبية الإسرائيليين.

وعند توليه منصب وزير، لم يدل غاباي كثيرا بآرائه حول النزاع الفلسطيني-الاسرائيلي الذي يعد موضوعا رئيسيا لأي منافس على زعامة حزب كبير في إسرائيل. ويتخذ غاباي مواقف وسطية تجاه القضية الفلسطينية، داعيا الى إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح تعيش الى جانب الدولة العبرية.

ومن المقرر اجراء الانتخابات التشريعية المقبلة في اسرائيل في عام 2019، ما يمنح غاباي بعض الوقت لتعزيز قاعدته الجماهيرية في حال بقاء الائتلاف الحكومي بزعامة نتنياهو في الحكم. ويراقب السياسيون عن كثب إمكانية انهيار ائتلاف نتنياهو، الذي يعد الأكثر يمينية في تاريخ الدولة العبرية، بسبب تحقيقات حول قضايا فساد متعلقة بنتنياهو.

وقد تباينت مواقف المحللين السياسيين الفلسطينيين المختصين بالشأن الإسرائيلي، تجاه هذه النتائج الداخلية لحزب العمل، حيث رأى البعض بأن هناك إمكانية لعودة الحزب لتصدّر الحلبة السياسية، في ظل الإرث القديم، فيما اعتبر آخرون استحالة ذلك لمجوعة من الاعتبارات.

المختص بالشأن الإسرائيلي، فايز عباس، وصف نتائج النتائج بـ”المفاجئة جدا”، خاصة أنها جاءت بشخصية بعيدة عن الحزب، وكان ناشطا في أحزاب أخرى.

وذكر عباس، خلال حديث مع “قدس برس”، بأن غبّاي انضم إلى حزب العمل قبل ستة شهور، واستطاع خلال الانتخابات التي شهدها الحزب “التغلب على مقاتلين قدامى فيه”.

وأضاف “أعضاء حزب العمل أرادوا التغيير باختيار شخصية سياسية جديدة، وبنوا عليها آمال كثيرة من أجل العودة إلى قيادة الحكومة ورئاسة إسرائيل”.

وبيّن المحلل الفلسطيني، بأن التكهن بمستقبل حزب العمل غاية بالصعوبة، ولكن هناك مؤشرات لإمكانية عودته للحلبة السياسية، مشيرا إلى أن المطلوب من الرئيس الجديد لحزب العمل طرح برنامج سياسي جديد، خاصة فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وإقناع المجتمع الإسرائيلي بذلك.

وتابع “على رئيس حزب العمل المنتخب، التغلب على نتنياهو بحال أدار العملية السياسية بشكل مختلف عنه، ولم يحاول تقليده من أجل الوصول إلى أصوات اليمين، دون التملق له”.

ولفت إلى أن استطلاعات الرأي داخل الجمهور الإسرائيلي تُشير إلى أن هناك أكثر من 50 في المئة، يوافقون على قرار حل الدولتيْن، الأمر الذي تعاكسه ممارسات نتنياهو على الأرض.

وذكر المحلل عباس، أن غبّاي “يعتبر من اليهود الشرقيين، الذين صوتوا خلال الانتخابات السابقة لنتنياهو، حيث بإمكانه استثمارهم لصالحه، في وصوله إلى رئاسة الحكومة”.

غير أن المحلل المختص بالشأن الإسرائيلي، عماد أبوعواد، اعتبر نتائج الانتخابات الدخلية لحزب العمل، تدلل على الأزمة السياسية التي يعيشها الحزب.

وأوضح أبوعواد، خلال حديث مع “قدس برس”، بأن المرحلة الأولى من هذه الانتخابات أظهرت تشتت الأصوات بين قيادات الحزب، الأمر الذي يؤكد على أنه منقسم على نفسه ولا يوجد به قيادات قوية.

وأشار إلى أن عدم فوز عمير بيرتس بالانتخابات جاء لدوره في تراجع أداء الحزب، نتيجة لفشله السياسي خلال مشاركته في الحكومة الإسرائيلية التي شنت الحرب على لبنان عام 2006، بالإضافة لانشقاقاته وعودته المتكررة للحزب.

واستبعد الخبير بالشأن الإسرائيلي عودة “العمل”، إلى المنافسة بقوة على ترأس الحكومة الإسرائيلية، بسبب البرنامج السياسي الخاص به والذي أصبح شبيها بالأحزاب الأخرى.

وأشار أبوعواد، إلى أن ارتفاعا في شعبية حزب العمل، سيكون على حساب أحزاب الوسط واليسار،  في ظل الازدياد المضطرد لأحزاب اليمين التي ترفض التحاف مع “العمل”.

وبيّن المتابع للشان الإسرائيلي، أنه عادة “هناك أمور تساهم في عدم عودة حزب العمل لمكانته السياسية السابقة، ومنها فقدان الشخصية الكارزمية داخل الحزب، والتقارب الأيدلوجي مع الأحزاب الأخرى ، والتي حققت نجاحات تفوقه، ناهيك عن وصول قيادات غير تاريخية على رأس هرم الحزب”.

كما لفت إلى أن توجه الشارع الإسرائيلي نحو اليمين نتيجة فشل العملية السياسية، ونجاح أحزاب اليمين في إقناع هذا الشارع بأن أحزاب الوسط واليسار غير قومية، ولا يمكن التعويل عليها في قيادة الشعب الإسرائيلي.

هذا وقد ذكّرت “يديعوت أحرنوت” ، امس الثلاثاء، بتصريحات سبق ان أدلى بها الرئيس الجديد لحزب العمل، أفي غباي، أكد فيها على أن “تشكيل حكومة وحدة وطنية مع نتنياهو مهمة مستحيلة تماما”.

ونقلت عنه قوله إنه ” قد استقال من حكومة نتنياهو، ليس من أجل أن يعود إليها”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى