خطر التعطيش يتكامل مع مسلسل الارهاب لتركيع مصر واستنزاف قواها

تصريحات صادمة وإن كانت غير مفاجئة أدلى بها الدكتور محمد عبدالعاطى، وزير الموارد المائية والري المصري، خلال اجتماع وزراء المياه العرب الذي عقد بمقر جامعة الدول العربية بالقاهرة في السادس من تموز الجاري، حين كشف النقاب عن وصول العجز المائي في مصر إلى نسبة مائة بالمائة.

بيانات عبد العاطي والتي جاءت بعد أيام قليلة مما أكده وزير الخارجية سامح شكري لنظيره الإثيوبي، بأن مصر هي المتضرر الرئيسي من سد النهضة، وأن عدم إتمام الدراسات الفنية الخاصة بالسد في موعدها المحدد يضع القاهرة في موقف صعب، عكست وبصورة كبيرة حجم القلق الذي يخيم على المصريين جراء ما تحمله الأيام القادمة.

وبالتزامن مع تصريحات الوزيرين فإن ما يثار بشأن احتمالات بدء ملء خزان السد الإثيوبي خلال تموز الجاري في ظل رفع القاهرة الراية البيضاء حيال هذا الملف، يضع العديد من التساؤلات حول مستقبل الأمن المائي لمصر، وهل من الممكن أن يكون 2017 هو عام تعطيش المصريين حقًا؟

وتصريحات وزير الري المصري وإن كانت غير مفاجئة ومتوقعة من قبل الكثيرين إلا أن سياقها الزمني مع بعض التصريحات الأخرى لوزيري الإسكان والخارجية والتي تصب في نفس المسار تقريبًا أضفى عليها صفة “الصدمة” التي قوبلت بها عقب إطلاقها مباشرة.

الوزير أشار إلى أن  97,3% من المياه في مصر، تأتى من خارج الحدود، وأن الدولة تلجأ إلى تعويض هذا العجز المائي الذي وصل إلى 100% كما قال في بداية تصريحاته عن طريق «المياه الافتراضية»، من خلال استيراد محاصيل زراعية من الخارج توفر34 مليار متر مكعب من المياه، كما أن الجزء الآخر والذي يمثل 25% من الاحتياجات يعاد استخدامه، أما عن حجم ما تحتاجه مصر فعليًا لسد هذا العجز، كشف عبد العاطي أن بلاده تحتاج إلى ضِعف الكمية التي تحصل عليها من نهر النيل وتحديدا 114 مليار متر مكعب من المياه لتحقيق اكتفاء ذاتي من الموارد المائية

وفي نفس السياق حذر المهندس عبد اللطيف خالد, رئيس قطاع توزيع المياه التابع لوزارة الري، من أزمة مائية تنتظرها مصر خلال الفترة المقبلة، منوهًا أن فيضان العام الماضي كان الأسوأ منذ 113 عامًا، وهو ما دفع الحكومة إلى “سحب مياه من المخزون الإستراتيجي في بحيرة ناصر”،  ملفتًا أن كافة المؤشرات تؤكد أن فيضان العام الجاري سيكون أقل من المعدل الطبيعي، وهو الأمر الذي أكدته لجنة إيرادات النهر منذ أسبوع في بيان رسمي لوزارة الري.

جدير بالذكر أن حصة مصر من مياه نهر النيل تقدر بنسبة 72.64% من إجمالي المصادر المائية المتاحة، حيث يصل من هضبة إثيوبيا حوالي 44.4 مليار متر مكعب من المياه الجارية في النيل، بالإضافة إلى 9.03% مياه جوفية، و1.18% أمطار وسيول، و15.31% مياه صرف زراعي يعاد تدويرها، و1.7% مياه صرف صحي يتم معالجتها، و0.13%مياه بحر محلاة.

والعديد من الأنباء تشير إلى احتمالية بدء إثيوبيا ملء خزان سد النهضة بعد الانتهاء من بناءه بصورة شبه كاملة، وذلك خلال فترة الفيضان يوليو الجاري والتي تعد فرصتها السنوية الوحيدة لاختبار قدرة السد على العمل، خاصة بعد وصول المفاوضات مع القاهرة إلى حالة من الجمود بسبب تباين وجهات النظر بين الجانبين.

وبالرغم من تأكيد وزارة الري المصرية على عدم إقدام أديس أبابا على ملء الخزان من مياه النيل إلا أن التصريحات الرسمية الصادرة عن مسئولين إثيوبيين أكتوبر الماضي تؤكد عكس ذلك تمامًا إذ تم تشغيل توربينات السد بشكل تجريبي ما يعني أن عملية التخزين بدأت تتم بصورة جزئية.

ومما يعزز من تلك الفرضية ما نشرته وسائل إعلام إثيوبية مقربة من الحكومة بشأن بدء تحضيرات قمة دول حوض النيل التي ستعلن أديس أبابا من خلالها اتفاقية “عنتيبي” أساسا لتقسيم حصص دول حوض النيل، ما يعنى تقليل حصة مصر صاحبة النفوذ الأكبر في النهر الخالد والتي رفضت التوقيع على تلك الاتفاقية خلال الاجتماع الذي عقد مؤخرًا في أوغندا.

وبحسب خبراء المياه الدوليين فإن بدء أديس أبابا ملء خزان السد يعني تراجع منسوب نهر النيل ومن ثم تضطر الحكومة المصرية إلى سحب المزيد من المياه من بحيرة ناصر للعالم الثاني على التوالي وهو ما يهدد مستقبل الأمن المائي المصري ويضع حياة الملايين من المصريين على المحك.

والمصائب لا تأتي فرادى، فما فتئ المصريون يستفيقون من صدمة سد النهضة وما يحمله من تهديدات لمستقبل أمنهم المائي إلا ويستيقظون على كارثة جديدة تضع هبة النيل في موقف متأزم وتزيد من القلق حيال ما يحمله الغد لشعب يعاني في الأساس من فقر مائي

في التاسع عشر من حزيران الماضي فوجئ المصريون بإعلان تدشين مشروع لنقل مياه النيل من إثيوبيا إلى جيبوتي برعاية صينية، المشروع يتحدث عن نقل 100 ألف م3 يوميًا، مما يعني تهديد حصة مصر من مياه النهر من جانب، والقلق من التعرض لجفاف النيل خلال السنوات القادمة من جانب آخر.

المشروع يهدف إلى توصيل المياه العذبة من مدينة “هدجالا” الإثيوبية إلى إقليم “علي صبيح” الجيبوتي، من خلال ضخ ما يقدر بنحو 100 ألف م3 من المياه يوميًا، حسبما أشار مدير المشروع ديميلاش مولو، الذي أكد أنه سيكون جاهزًا للعمل في غضون ثلاثة أشهر.

علاوة على ذلك فإن خطة المشروع تعتمد  على ضخ 400 مليون م3 لجيبوتي من مياه نهر النيل، ومن ثم فإن آثار هذه الخطوة ستكون كارثية على دول المصب كافة بشكل عام وعلى مصر بصورة خاصة، ليس من نقص المياه فقط، بل من جفاف المياه على مدى السنوات القادمة، خاصة وأنه من المتوقع لن يكون المشروع الأخير، إذ أنه بداية حزمة من المشروعات المائية التي ستنفذها أديس أبابا لجيرانها حسبما أشار الرئيس الإثيوبي.

فنصيب المواطن المصري من المياه تراجع بصورة غير مسبوقة مقارنة بالنسب العالمية، وهو ما يعني دخول مصر في مرحلة الفقر المائي، حسبما أشار وزير الإسكان والمرافق المصري، مصطفى مدبولي، خلال مشاركته في مؤتمر تحلية المياه بالمملكة العربية السعودية مؤخرًا، حيث ألمح أن نصيب الفرد في مصر سنويًا من المياه النقية بلغ 700 م3 في حين أن الحد الأدنى الذي أقرته الأمم المتحدة هو 1000 م3.

كما اشار الوزير الى أن إجمالي ما تنتجه مصر يوميًا من المياه تجاوز الـ 25 مليون متر مكعب، 85% منها عن طريق مياه نهر النيل، و15% عن طريق المياه الجوفية، في حين لا تتعدى المياه المحلاة 0.1% من إجمالي المياه المنتجة، وهو ما يتطلب إعادة النظر في المصادر الأساسية للمياه وضرورة تنويعها.

وبحسب إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (الجهة الرسمية في مصر للإحصاء) فإنه بحلول عام 2025 من المتوقع أن تصل مصر إلى مرحلة من الندرة المطلقة للمياه، فعند إذن سيبلغ متوسط استهلاك الفرد 500 م3، ما يعني تعرض حياة الملايين من المصريين للخطر.

الأزمة المائية في مصر لا تتعلق فقط بتراجع حصة الدولة من مياه نهر النيل، إذ أن نسبة كبيرة من العجز تعود إلى ارتفاع معدلات المهدر من المياه النقية، وهو ما أشار إليه جهاز التعبئة والإحصاء والذي أكد أن نسبة المياه المهدرة بلغت 37.6% من إجمالي كمية المياه المنتجة على مستوى الجمهورية للعام 2015/2016.

الحكومة ممثلة في وزير إسكانها أرجعت ارتفاع نسبة المهدر من المياه إلى عدة أسباب أبرزها تهالك شبكات المياه ومحطاتها بصورة واضحة وهو ما يفقدها جزءًا كبيرًا من المياه التي تمر بداخلها، كذلك زيادة معدلات العشوائيات، وهو ما دفع الوزير إلى الحث على ضرورة البحث عن مصادر بديلة على رأسها تحلية المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي.

وفي الإطار ذاته أشار الدكتور عباس أبوضيف خبير المياه الدولي بجامعة الأزهر، أن الطرق التقليدية الخاطئة التي يستهلك بها المصريون المياه سواء في الزراعة أو الشرب ساهمت في إهدار 8 مليار متر مكب سنويًا، وهو رقم كبير جدًا مقارنة بحجم حصة مصر الكلية من المياه، محذرًا من أن نصيب المواطن المصري حال الاستمرار على هذا الوضع سيتقلص إلى 350 متر مكعب سنويًا بحلول عام 2050، وهو ما ينقل مصر من مرحلة الفقر المائي الذي يبلغ حده الأدنى 1000متر مكعب سنويًا إلى مرحلة الحرج للأمن المائي والمقررة بـ500 متر مكعب سنويًا، كما تم ذكره سابقًا.

ومن ثم فإن كانت معركة سد النهضة قد كشفت فشل الدبلوماسية المصرية في التعامل مع هذا الملف الحساس، وهو ما استثمرته إثيوبيا بشكل جيد، ففي الوقت الذي انشغلت فيه القاهرة بالحديث عن الجوانب الفنية لبناء السد، وتقييم عملية المخاطر، واصلت أديس أبابا مسيرتها نحو البناء حتى إنها اقتربت وبصورة كبيرة من الانتهاء منه بكل مشتملاته، فإن هذا يرجح احتمال تكرار نفس رد الفعل مع مشروع إثيوبيا جيبوتي وغيره من المشروعات التي تعتزم أديس أبابا تدشينها خلال الفترة القادمة.

علاوة على ذلك فإن الاستراتيجيات المائية المتبعة والطرق التقليدية لاستهلاك المياه تضع المصريين أمام تحديات جسام خلال الفترة القادمة، ربما تقودهم إلى ما دون مرحلة الفقر المائي، ليفرض هذا السؤال الحرج نفسه على الجميع: هل يصبح 2017 وبدايات 2018 عهد تعطيش المصريين رغم مرور أكبر شرايين المياه العذبة داخل بلادهم؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى