عباس العقاد قرأ 70 ألف كتاب لان حياة واحدة لا تكفيه
كتبت رانيا هلال/القاهرة
“لا أحب الكتب لأنني زاهد في الحياة، ولكنني أحب الكتب لأن حياة واحدة لا تكفيني”
العقاد
مرت بالامس القريب ذكرى ميلاد عملاق الأدب العربى عباس محمود العقاد الذى أثرى المكتبة العربية بالعديد من إبداعاته فى شتى المجالات الادبية والفكرية, حيث ولد العقاد فى أسوان فى «28 حزيران 1889»، لأم من أصول كردية.
وقد اقتصرت دراسته على المرحلة الابتدائية فقط؛ لعدم توافر المدارس الحديثة فى محافظة أسوان، حيث ولد ونشأ هناك، كما أن موارد أسرته المحدودة لم تتمكن من إرساله إلى القاهرة كما يفعل الأعيان، واعتمد العقاد فقط على ذكائه الحاد وصبره على التعلم والمعرفة حتى أصبح صاحب ثقافة موسوعية لا تضاهى أبدًا، ليس بالعلوم العربية فقط وإنما العلوم الغربية أيضًا، حيث أتقن اللغة الإنجليزية من مخالطته للسياح المتوافدين على محافظتى الأقصر وأسوان، مما مكنه من القراءة والإطلاع على الثقافات البعيدة.
وكما كان إصرار العقاد مصدر نبوغه، فإن هذا الإصرار كان سببًا لشقائه أيضًا، فبعدما جاء إلى القاهرة وعمل بالصحافة وتتلمذ على يد المفكر والشاعر الأستاذ الدكتور محمد حسين محمد، خريج كلية أصول الدين من جامعة القاهرة، أشتغل العقاد بوظائف حكومية كثيرة فى المديريات ومصلحة التلغراف ومصلحة السكة الحديد وديوان الأوقاف، لكنه استقال منها واحدة بعد واحدة. ولما كتب العقاد مقاله الشهير «الاستخدام رق القرن العشرين» سنة 1907، كان على أهبة الاستعفاء من وظائف الحكومة والاشتغال بالصحافة، إن الغرابة ليست بعيب، ولكن المألوف هو المَعِيب إن قصر عن الغرض المطلوب.
وعن عمله بالعديد من الوظائف يقول: «ومن السوابق التى أغتبط بها أننى كنت فيما أرجح أول موظف مصرى استقال من وظيفة حكومية بمحض اختياره، يوم كانت الاستقالة من الوظيفة والانتحار فى طبقة واحدة من الغرابة وخطل الرأى عند الأكثرين، وليس فى الوظيفة الحكومية لذاتها معابة على أحد، بل هى واجب يؤديه من يستطيع، ولكنها إذا كانت باب المستقبل الوحيد أمام الشاب المتعلم فهذه هى المعابة على المجتمع بأسره.
وتزداد هذه المعابة حين تكون الوظيفة كما كانت يومئذ عملا آليا لا نصيب فيه للموظف الصغير والكبير غير الطاعة وقبول التسخير، وأما المسخر المطاع فهو الحاكم الأجنبى الذى يستولى على أداة الحكم كلها، ولا يدع فيها لأبناء البلاد عملا إلا كعمل المسامير فى تلك الأداة».
«كنا نعمل بقسم التكلفات أى تدوين الملكيات الزراعية أيام فك الزمام، وليس أكثر فى هذه الأيام من العقود الواردة من المحاكم ومن الأقاليم فلا طاقة للموظف بإنجاز العمل مرة واحدة فضلا عن إنجازه مرتين.
وقف الأديب الكبير موقفًا معاديًا للنازية خلال الحرب العالمية الثانية، حتى إن أبواق الدعاية النازية وضعت اسمه بين المطلوبين للعقاب، وما أن اقترب جنود إرفين روميل من أرض مصر حتى تخوف العقاد من عقاب الزعيم النازى أدولف هتلر، وهرب سريعًا إلى السودان عام 1943 ولم يعد إلا بعد انتهاء الحرب بخسارة دول المحور.
كان العقاد ذا ثقافة واسعة، إذ عرف عنه إنه موسوعى المعرفة فكان يقرأ فى التاريخ الإنسانى والفلسفة والأدب وعلم النفس وعلم الاجتماع، وقد قرأ 70 ألف كتاب.
بدأ حياته الكتابية بالشعر والنقد، ثم زاد على ذلك الفلسفة والدين، دافع فى كتبه عن الإسلام وعن الإيمان فلسفيا وعلميا ككتاب الله وكتاب حقائق الإسلام وأباطيل خصومه، ودافع عن الحرية ضد الشيوعية والوجودية والفوضوية «مذهب سياسى»، كتب عن المرأة كتابا عميقا فلسفيا اسمه «هذه الشجرة» يعرض فيه المرأة من حيث الغريزة والطبيعة وعرض فيه نظريته فى الجمال.
يقول العقاد إن الجمال هو الحرية، فالإنسان عندما ينظر إلى شيء قبيح تنقبض نفسه وينكبح خاطره ولكنه إذا رأى شيئا جميلا تنشرح نفسه ويطرد خاطره، إذاً فالجمال هو الحرية، والصوت الجميل هو الذى يخرج بسلاسة من الحنجرة ولا ينحاش فيها، والماء يكون آسنا لكنه إذا جرى وتحرك يصبح صافيا عذبا، والجسم الجميل هو الجسم الذى يتحرك حرا فلا تشعر أن عضوا منه قد نما على الآخر، وكأن أعضاءه قائمة بذاتها فى هذا الجسد، وللعقاد إسهامات فى اللغة العربية إذ كان عضوا فى مجمع اللغة العربية بالقاهرة وأصدر كتبا يدافع فيها عن اللغة العربية ككتابه الفريد من نوعه «اللغة الشاعرة».
وعن علاقته بالليل يقول: إننا نكبُر بالليل جداً يا صاح إن الليل هو عالم النفس، وأما النهار فهو عالم العيون والأسماع والأبدان.. إننا بالنهار جزء صغير من العالم الواسع الكبير، ولكن العالم الواسع الكبير جزء من مدركاتنا حين ننظر إليه بالليل، وهو فى غمرة السبات أو فى غمرة الظلام. ذلك النجم البعيد الذى تلمحه بالليل هو منظور من منظوراتك ووجود منفرد بك أمام وجودك. ذلك الصمت السابغ على الكون هو شىء لك أنت وحدك رهين بما تملؤه به من خيالك وفكرك، ومن ضميرك وشعور.