نحو حاكمية رشيدة في ادارة المدن والعمل البلدي

 

“بدأت الحضارة والمدنية بدولة المدينة…. وستؤول الحضارة الانسانية بدولة المدينة”

قد يتساءل احدنا عن ماهية هذه المقولة ومدى تطابقها مع الرؤية المستقبلية لشكل الدول, ونحن بدورنا نقول من باب الخبرة العلمية والعملية, والرؤية المستقبلية لكيفية شكل لدول مستقبلا بانه نظرا للزيادة الكبيرة في عدد سكان بعض المدن الكبرى التي في بعض الاحيان يشكل فيها التعداد السكاني اكبر من سكان بعض الدول التى لها السيادة وتحظى بالاعتراف الدولي, ولديها من المقومات الشيء الكثير, ولكن هي في النهاية تعتبر مدن تابعة لدولة ما .

ان الزيادة المستمرة في عدد السكان تجاه المدن نتيجة للهجرات القسرية طلبا للعلم وللعمل والرزق في بعض الاحيان, وطلبا للخدمات في احيان اخرى ادى الى الزيادة في الطلب على المساكن والخدمات المرافقة- مثل المياه والكهرباء والصرف الصحي – مما ادى الى عدم وفاء المدن بالتزاماتها تجاه سكانها فظهر البناء العشوائي وتجمعات الصفيح, وانتشرت هنا وهناك دون حسيب او رقيب واستشرى الفساد المالي والاداري علاوة على سوء التخطيط لنمو المدن – هذا ان وجد التخطيط أصلا – ولعدم توفر الكوادر البشرية المدربة لادارة المدن.

لهذه الاسباب وغيرها ترهل العمل البلدي في العديد من دول العالم, وغابت الرقابة والمسألة, وبدأت صيحات وتذمرات المواطنين بالظهور الى العلن, نتجه للنقص الحاد في تقديم الخدمات الضرورية, فانعدمت الثقة بين الموطن وادارة المدينة, وبدأ المواطن يتساءل عن جدوى الضرائب والرسوم التي يدفعها الى البلديات لقاء حصوله على خدمات ما عاد يحصل عليها, وان حصل على بعض منها فهي لا تساوي قيمة الرسوم المدفوعة.

من هنا فان المدن اصبحت بحاجة الى حاكمية رشيدة في ادارتها تبدأ اولا من وجود قوانين بلدية ديمقراطية ناظمة للعمل البلدي تواكب الحاضر وبنظرة استشرافية للمستقبل تبرز فيها واجبات المجالس البلدية واعضائها دون تغول على صلاحيات الاجهزة التنفيذية في البلدية وضمن شفافية ومساءلة للطرفين: الجهاز التقريري ويمثله المجلس البلدي المنتخب, والجهاز التنفيذي المناط به ادارة العمل التنفيذي اليومي للمدينة, كذلك لابد من وجود قانون انتخاب يبين فيه المؤهلات التي تنطبق على عضو المجلس البلدي فما عادت ادارة المدن محض مشيخات او ديوانيات يعبث بادارتها كل من هب ودب, فادارة المدن علم قائم بذاته يدرس في الجامعات والمعاهد له اصوله ومؤهلاته, كذلك لاباس في تعزيز الاستقلالية الادارية والمالية للبلديات, وترك هامش للرقابة من قبل الحكومة المركزية حتى لا تتغول الادارة المحلية على المواطنين وتصبح دون رقيب اوحسيب, كذلك لابد من دور فاعل للمرأة في العمل البلدي يؤثر في اتخاذ القرار , واعتبار دورها أساسيا وليس ترفا اداريا اوشكلا تكميليا مظهريا, حيث لا يمكن ان يبقى نصف المجتمع في بعض البلدان او يزيد على ذلك معطلا دون عمل, كما لابد من سيادة القانون على عمل الجميع , وعدم اعتبار القانون “بيت عنكبوت الحشرة الصغيرة تقع فيه والكبيرة تعمل على اختراقه” بل كما يقول أفلاطون ” القانون فوق اثينا”.

ان تعزيز سلطة القانون وترسيخ مبادئ المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار البلدي ومكافحة الفساد باشكاله المختلفة –المالية والادارية –والشفافية في العمل والمساءلة المستمرة – تشكل بمجموعها عناصر الحاكمية الرشيدة لادارة المدن” وشرطااساسيا للنهوض بواقع المدن وتأهيلها لكي تواكب العصر ومتطلباته المستقبلية ودورها في البحث عن توفير فرص عمل للمواطنين وتحسين مستوى  معيشتهم واشباع حاجاتهم.. وقبل هذا وذاك تحقيق الامن القومي لمجتمعاتهم وهو ما تنشده الدول وتعمل من اجل تحقيقه في مدنها ولا تزال تناضل من اجله, وقد صدق الشاعر القائل :

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم

 ولا سراة اذا جهالهم سادوا

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى