بعد سد النهضة.. اثيوبيا تزود جيبوتي بمياه النيل على حساب مصر
حذرت القاهرة امس السبت، من “إضاعة مزيد من الوقت” في ملف سد النهضة الإثيوبي، معتبرة أن التأخير يضعها أمام تحديات جسيمة، مطالبة بتدخل سياسي, وإزالة المعوقات أمام الدراسات الفنية للسد وتأثيره على مصر.
وإثر لقاء جمع وزير الخارجية سامح شكري، ونظيره الإثيوبي وركنا جيبيو، على هامش اجتماعات تمهيدية للقمة الإفريقية المرتقبة في أديس أبابا الإثنين؛ قال شكري إن “إضاعة المزيد من الوقت دون إتمام الدراسات بموعدها يضع الدول الثلاث أمام تحديات جسيمة”.
وقال شكري للوزير الإثيوبي إن مصر هي الطرف الرئيس المتضرر من استكمال بناء السد وبدء تشغيله دون أخذ الشواغل المصرية بعين الاعتبار.
وأكد أن الأمر يتطلب التدخل السياسي من أجل وضع الأمور في نصابها لضمان استكمال المسار التعاوني الفني القائم، مطالبا بـ”عقد اجتماع فوري للجنة الفنية الثلاثية على مستوى وزاري”.
وشدد شكري على إزالة أية عقبات قد تعيق الانتهاء من الدراسات المطلوبة عن السد وإضراره بموعدها المقرر في آب والتي يقوم بها مكتبان استشاريان فرنسيان”.
وتتخوف القاهرة من تأثير سد النهضة على تدفق حصتها السنوية من مياه النيل (55.5 مليار متر مكعب)، بينما يقول الجانب الإثيوبي إن السد لن يمثل ضررا على السودان ومصر.
وحول مدى خطورة الأزمة، أكد أستاذ الأراضي والمياه، الدكتور محمود خفاجي، خطورة الأوضاع المائية، وقال في تصريحات صحفية، “إن مخزون المياه خلف السد العالي لا يكفي للزراعة لمدة عام؛ لأن ما يصل أقل من المعدل السنوي بسبب ملء خزان سد النهضة”، مؤكدا أن “المياه الجوفية لن تعوض هذا النقص الكبير”.
وكان عبد اللطيف خالد، رئيس قطاع المياه بوزارة الري، قد قال لوكالة “الأناضول”، في بداية حزيران الماضي، إن فيضان 2016 (الأسوأ منذ 113 سنة)؛ دفع البلاد لسحب مياه من المخزون الاستراتيجي ببحيرة ناصر لسد الاحتياجات المائية (110 مليارات متر مكعب)”، ما اعتبره محللون قرب مصر من مرحلة العطش وبوار الأراضي.
غير ان اثيوبيا لم تكتف باضرار سد النهضة التي ستلحق بمصر, وانما اتبعتها بمكيدة اخرى تمثلت في استنزاف جديد لمياه النيل, ففي التاسع عشر من شهر حزيران الماضي فوجئ المصريون بإعلان تدشين مشروع لنقل مياه النيل من إثيوبيا إلى جيبوتي برعاية صينية.
هذا المشروع يتضمن نقل 100 ألف م3 يوميًا الى جيبوتي، مما يعني تهديد حصة مصر من مياه النهر من جانب، والقلق من التعرض لجفاف النيل خلال السنوات القادمة من جانب آخر.
ففي كلمته خلال حفل تدشين هذا المشروع، أكد الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيله، على أهمية هذه الخطوة الاستراتيجية التي تعكس حجم التعاون بين بلاده وإثيوبيا والصين، كذلك ما يحمله المشروع من فائدة عظمى لتحقيق الأمن المائي لبلاده، حسبما نقلت صحيفة “القرن” الصادرة عن وزارة الإعلام في جيبوتي.
وقد الرئيس جيله اللجوء إلى مثل هذه المشروعات بقوله “جمهورية جيبوتي تعاني من الجفاف المتكرر والمتواصل بالإضافة إلى قلة الأمطار الموسمية، مما أدى إلى ندرة المياه الجوفية التي نستخدمها في احتياجاتنا اليومية، والتي تعتبر غير كافية نظرًا لتزايد عدد السكان في العاصمة والأقاليم الداخلية وكان لزامًا علينا أن نبحث عن حلول ناجعة لهذه المشكلة بتبني هذا المشروع في نهاية المطاف”.
المشروع يهدف إلى توصيل المياه العذبة من مدينة “هدجالا” الإثيوبية إلى إقليم “علي صبيح” الجيبوتي، من خلال ضخ ما يقدر بنحو 100 ألف م3 من المياه يوميًا، حسبما أشار مدير المشروع ديميلاش مولو، الذي أكد أنه سيكون جاهزًا للعمل في غضون ثلاثة أشهر.
مولو قال في تصريحات له أيضًا: “ان من المتوقع ان يوفر هذا المشروع مياه شرب لما يزيد على 700 ألف مواطن جيبوتي, وأنه قد تم اختباره قبل ثلاثة أسابيع، وأثبت نجاحه”، مؤكدًا على استمرار العمل في المشروع الممول صينيًا عبر بنك التصدير والاستيراد الصيني والشركة الصينية سغكوك.
ويشمل هذا المشروع أنابيب ضخمة تدفن في الأرض يبلغ قطر كل منها مترًا وطولها 7 أمتار, وتبلغ المسافة التي يجري فيها هذا الرابط المائي 358 كيلومترًا من الآبار الجوفية بمنطقة مدينة “هدجالا” الإثيوبية إلى ضواحي مدينة “علي صبيح” الجيبوتية، ويتم عبر هذه الأنابيب ضخ 100 ألف م3 من المياه العذبة يوميًا من 28 بئرًا بعمق 500 متر وتستغرق رحلة هذه المياه المنقولة من حقول الآبار في إثيوبيا إلى وحدات التخزين والاستيعاب في جيبوتي مدة يومين بسرعة (0.50 متر/ثانية).
ولا شك أن مثل هذه المشروعات وغيرها تمثل تهديدًا صريحًا لمستقبل مصر المائي نظرًا لما تستنزفه من مياه النيل، مما ينعكس بصورة أو بأخرى على حصة القاهرة من المياه وهي القضية الأكثر خطورة وجدلاً خلال السنوات الماضية.
المشروع يعتمد على ضخ 400 مليون م3 لجيبوتي من مياه نهر النيل، ومن ثم فإن آثار هذه الخطوة ستكون كارثية على دول المصب كافة بشكل عام وعلى مصر بصورة خاصة، ليس من نقص المياه فقط، بل من جفاف المياه على مدى السنوات القادمة، حسبما أشار موقع “البديل” المصري.
الموقع المصري حذر من كارثية الوضع في هذه الحالة لا سيما مع تأكيد الرئيس الإثيوبي أن هذا المشروع لن يكون الأخير، بل بداية لعدة مشاريع قومية، خاصة في مجال المياه بين البلدين في المستقبل.