استعادة بريق الشباب عبر صناعات التجميل والترشيق والجاذبية
لا يكاد المرء يطالع صحيفة أو مجلة أو محطة إذاعية أو قناة فضائية، أو موقعاً إلكترونياً، إلا وتغمره: إعلانات طرائق التجميل، وإعادة بريق الشباب على أحدث صيحات الموضة.. وتبهره صور نساء رائعات الجمال، وأخرى لنجوم السينما في مظهر بهي.
ويرى المرء الكثيرين يسعون لصنع جمالهم الخاص، و(تسويق شخصياتهم) ليصبحوا بمظهر (أجمل) ويتبارون في ذلك. وتشير دراسات الأكاديمية الأمريكية لجراحة التجميل إلى أن أكثر الجراحات شيوعاً هي عمليات شفط الدهون وإزالة ترهلات البطن (ازدادت من 71 ألف حالة عام 1990م إلى 600 ألف حالة عام 1999م)، وجراحات تضخيم الثديين (ارتفع بنحو ستة أضعاف في نفس الفترة)، وشهدت جراحات شدّ الوجه، وإزالة الطبقة السطحية من جلد الوجه ليبدو أصغر سنّاً زيادة مماثلة في نفس الفترة المذكورة (مليون ونصف مليون أمريكي أجروا عمليات العلاج الكيميائي لجلد الوجه في العام الماضي مقارنة بأربعة وستين ألفاً فقط عام 1990م)، كما أن هناك عمليات تغيير الشكل لينسجم مع (نموذج هوليود ووسائل الإعلام) إذ تكثر عمليات نفخ شفاه الإناث على شاكلة بعض النجمات الأمريكيات وغيرهن.
وكانت الممثلة (فيليس دلير) هي الأولى التي أعلنت عام 1971م عما أجرته من جراحات تجميل وبذلك فتحت الباب على مصراعيه أمام الجميع، وكسرت الحاجز النفسي حول ذلك. وظهرت نجمات مثل (كايتي هولمز)، و(أنجلينا جولي)، و(جيسيكا بيل) الخ.. كن أنموذجاً لطموح الراغبات في إجراء جراحات تجميل للحصول على هيئة أو صفة مميزة في وجوه وأجساد مثل هؤلاء النجمات. فالأوصاف الخاصة بهن تصدرت القائمة السنوية (لأكثر نجمات هوليوود جمالاً). وتقرر الدراسات أنه في العام 2003م، تم إجراء7.2 ملايين عملية جراحية تجميلية بين الأمريكيات، وخضع الرجال لـ 1.1 مليون عملية، مما يدر مليارات الدولارات. ولا غرو أن تجد (لوس أنجلوس) اليوم تضم أكبر عدد من جراحي وعيادات ومراكز التجميل في العالم، وما يجري فيها وحدها يفوق ما يجري في أي مدينة أخرى داخل أو خارج أمريكا. (زبائننا يحضرون إلينا بهدف رفع مستوى جمالهم ونضارتهم. إنهم يرغبون في أن يظهروا مستريحين ونشطاء، وقبل كل ذلك شباباً مثل المشاهير الذين يرونهم في المجلات اللامعة). أما في بريطانيا فقد زادت نسبة جراحات التجميل إلى 50 %، وقد أنفق عليها البريطانيون عام 1999م ما يزيد عن 158 مليون جنيه إسترليني، وتأتي عمليات تكبير الثدي في المقدمة، ثم جراحة شفط الدهون، وتجميل الأنف وإزالة الأكياس الدهنية من منطقة العين، وعمليات شد الوجه على التوالي.
بينما في مجمعاتنا العربية فقد بدأت عمليات التجميل تنتشر، ويشير الصحفي (أندرو هاموند) في كتابه (الثقافة الشعبية العربية) الصادر عن دار نشر الجامعة الأمريكية بالقاهرة: (في العام 2003م شهد العالم العربي قفزة في عدد عمليات التجميل التي أجريت من 380 ألف عملية سنوياً لتصل إلى 650 ألفاً، وفي مصر وحدها قفز العدد من 55 ألفاً إلى 120 ألف عملية، ويورد الكاتب تبريراً يفسر الظاهرة في مصر بأنها تعود إلى إحباط المصريات من مقارنة أزواجهن المستمرة لهن بنماذج اللبنانيات اللاتي يتسمن بالرشاقة ومقاييس الجمال الغربية)، فيعمدن إلى إجراء تعديل غير أساسي على أجسامهن، وكذلك النجمات كبيرات السن ليظهرن أصغر عمراً.
وجراحة التجميل Plastic/ Cosmetic Surgery (كلمة Plastic مشتقة من الكلمة اليونانية plastikos أي: يقولب/ يشكل) فهي جراحات تجرى لأغراض وظيفية أو جمالية، فمن أغراضها الوظيفية والضرورية: جراحة الحروق وتشوهات الكوارث والحوادث والمشاجرات (وخصوصاً مشاكل الوجه والأطراف)، والقرح المزمنة وجراحات تشوهات الأطفال مثل الشفة الأرنبية، وشق سقف الحلق، وإصلاح مجرى البول عند الأطفال، وتشوهات الجمجمة والوجه وغيرها. فجراحات كهذه لتقويم عاهة أو تشوه خلقي أو طارئ بسبب حادث فإن الأمر يكون مقبولاً وطبيعيّاً. أما الأغراض التجميلية فهي تهدف إلى استعادة التناسق وإضفاء مقاييس الجمال المناسبة على أبرز أجزاء الجسم كأجزاء الوجه والصدر والبطن والأرداف. (طريقة الجراحات تختلف حسب الحالة، وحسب سمات الأجناس البشرية المختلفة، وحسب الطلب ووفق تصاميم معينة وغالباً كومبيوترية.. فهناك قوائم تضم عشرات الأشكال للأنف وللشفاه وللعين، ويختار الشخص الموديل الجديد الذي سيغير شكله إليه!) أو إزالة آثار التشوهات من جراحات سابقة إلخ.
ويعد تجميل الأنف من أدق وأكثر العمليات شيوعاً، لما للأنف من مكانة على عرش جمال الوجه تعبر عن العزة والشموخ/ أو الذلة والمهانة.. (عنوان) دال على الشخصية، وعيوبه تسبب كثيراً من الضرر النفسي وعدم الثقة. والأنف له علاقة قوية مجتمعة مع العين والفم والأذن ووضعيته في منتصف الوجه وكل هذا في تناسب، واستقلالية وفق كل شخصية. ومع ذلك كانت أنف الأنثى الأكثر طلباً للتقليد هي أنف (كاثرين هيجل) نجمة مسلسل (تشريح جراي) (غراي أناتومي)، وبالنسبة للرجال، كان أنف الممثل (ليوناردو دي كابريو) محل الطلب. ويجري تجميل الأنف عبر إعادة تشكيل جزئه العظمي وتكسيره وإزالة الجزء الزائد منه، وتصليح الغضاريف (تصغير/ تكبير، رفع/ تقصير إلخ)، وقد يتم تضييق فتحتي الأنف. أما في حالات الأنف الأفطس فإنه يتم وضع مواد خاصة في مكان العظم الناقص للوصول إلى الشكل المناسب، وللكومبيوتر دور مهم في قياسات عظام الأنف، أما بالنسبة لأنسجته الرخوة، فإن دوره فيها ضعيفاً. لكن الشكل النهائي للأنف قد لا يكون واضحاً للعيان قبل عام أو أكثر، من الجراحة، حيث إن الالتئام بالنسبة لعمليات الأنف أبطأ إذا قورن بعمليات تجميل أخرى، وخلال تلك المدة يتوقع المرء ردود فعل متباينة من أهله وأصدقائه وزملائه.
ولا يقتصر تجميل الوجه وإعادة رونقه ونضارته ليبدو في حالة جذابة على الأنف فقط بل هناك: شد الوجه والرقبة وإزالة ترهلاتهما، وإزالة الجيوب الدهنية، وحقن الشفاه بالكولاجين لتكبيرهما، وتناسق الحاجبين وشد الجفون والخدود.. عبر ملئها بدهون مشفوطة من أماكن أخرى من نفس الجسم (يؤدي الحقن بالدهون إلى تقلص التجاعيد وتخفيفها والحصول على بشرة ناعمة، وبهذا لا تنتج حساسية أو آثار جانبية، كما يمكن استخدام كميات أكبر من الدهون في الحقن، بعكس حقن أنواع أخرى من المواد. يؤدي حقن الدهون في الطبقات الداخلية العميقة للجلد في الوجه إلى تخفيف بروز العظام والنحول الذي يصاحب التقدم في العمر)، أو حقن البوتوكس أو استعمال الليزر، والتنعيم الكريستالي أو التقشير الكيميائي. وكان الإقبال أكثر طلباً على وجنة الممثلة البريطانية (كيرا نايتلي)، بينما أدرج اسم (باريس هيلتون) في مقدمة أجمل بشرة تريدها النساء. ولم تغب وجنتا الممثل (جورج كلوني)، وشفتا (مات ديمون)، والعينان الزرقاوان للممثل (دانييل كريغ) عن اللائحة. لم يكن نجاحها فقط بسبب شفاهها التي كانت تكبر وتصغر خلال حلقات الجزء الأول من مسلسلها (Bay watch).. ولكن يؤكد مختصون أن صدر (باميلا أندرسون) كان هو السبب الأول في نجاحها في ذلك المسلسل.
وتعتبر عمليات تكبير الصدر من الشيوع والكثرة بمكان، ولها غرضان: تعويضي تكميلي ترميمي بعد ضمور أو استئصال الثدي أو أجزاء منه بسبب أورام سرطانية، وتجميلي لزيادة حجمه. وكانت تجري هذه الجراحات عبر الحقن الموضعي للهرمونات بعد معالجتها كيميائياً بمادة الجيل، لكن أنتجت مضاعفات خطيرة أهمها أورام الثدي، ثم كان زرع هلام السيليكون ومعالجاته Silicone gel implants، لكنه بعد إثارته الكثير من الجدل، وتسببه في حالات من السرطان أيضاً وكونه يصبح جزءاً من نسيج الجسم الضام ويختلط به اختلاطاً شديداً، وإثارته الخلايا السليمة وقد يدمرها، فكان هناك مادة الصويا وزيوتها المعالجة بديلة عن السيليكون، وهناك المحلول الملحي Saline implants. وتشير دراسات إلى أن مزروعات الثدي تزيد من خطر الأنتانات الجرثومية بنسبة 2.5 %، وبمقدار أعلى بعشر مرات عند السيدات اللاتي يخضعن لعمليات التجميل التعويضية (فضلاً عن أن التدخل الإشعاعي والكيماوي المستخدم في علاج الأورام يؤخر التئام الجروح)، ولعلاج تلك المضاعفات هناك حاجة لإزالة تلك المواد المزروعة. لكن على الجانب الآخر هناك تصغير الثدي لكنه ليس بشيوع التكبير، فهناك نسوة لديهن أثداء كبيرة (كأن يكون أكثر من 5 كيلوجرامات) ومترهلة وتشكل عبئاً كبيراً على أجسامهن وقد تؤدي إلى انزلاق غضروفي في الظهر وضغط على العمود الفقري، لذا هن بحاجة لتدخل مناسب.
ولا يقتصر التجميل على الوجه والصدر فقط، وإنما يشمل الجسم أيضاً.. لذا فهناك شفط الدهون (البطن والأجناب والأرداف والأفخاذ) من أكثر عمليات التجميل بين النساء، وتأتي أهمية عمليات شفط الدهون مع جدلية نجاح/ أو فشل الحميات الغذائية. وعبر تقانة الليزر.. هناك إزالة الشعر الزائد من أماكن الجسم، وكذلك في علاج البقع الجلدية وفي إزالة ندب الجروح السابقة. وكان جسد لاعب كرة القدم «ديفيد بيكام» الأكثر اهتماماً من محبي الرشاقة ومن الرجال.
إن شيوع الجراحات التجميلية قد يعود إلى عوامل منها: زيادة نسبة كبار السن، وارتفاع الدخول، واحتدام التنافس بين جرّاحي التجميل ما جعل تكاليفها في متناول أعداد أكبر من الناس، وكذلك فإن الأساليب الجديدة لها جعلتها أسهل وأسرع، ما دفع الكثير للإقبال عليها دون خوف من التعرض لآلام مبرحة أو فترات نقاهة طويلة. لكن يبقى أن ترقب تقدير الآخرين حاجة نفسية، وبالتالي فصورتي عن نفسي لا تتحدد من داخلي، وفكرتي عن نفسي تتحدد من خلال نظرة الآخر لي. فمن الذي يحدد/ ويعمم أن هذا الشكل جميل أو غير ذلك؟ مع أن معايير الجمال نسبية وتختلف حسب المناطق والتجمعات البشرية، لكن يسعى الراغبون في التجميل إلى الانسجام مع نموذج (الجسد المشاعي)، إذ الجسد لم يعد ملكاً للشخص ولم تعد نظرة الإنسان لنفسه محددة بمعايير وأخلاق، إنما نمطية الاستهلاك حولت نظرة الشخص إلى جسده من خلال (الجسد النموذجي) ومعيارية إعلامية واحدة هي (موضة الجسد الغربي)، فتتزايد الهوة بين جسد المرأة العادي وجسدها النموذج، فيسعى البعض إلى تداركها بالتجميل. الأمر الذي يستدعي التصالح مع الذات والرضا عنها، وعدم كراهيتها وعدم الاعتداء على الذات وقهرها وتعديلها، والوعي بما يخلقه المجتمع الاستهلاكي المعاصر وتكريسه الإعلاني لحاجات جديدة غير ذات فائدة حقيقية (ومنها جراحات تجميلية).