انحدار شديد في مستوى الحريات العامة والحق بالتعبير لدى كل الدول العربية

رأت منظمة حقوقية وخبراء في الاعلام والقانون، أن المنطقة العربية تشهد أسوأ انحدار في معدلات حريات الرأي والتعبير، في ظل قمع وسائل الإعلام وتوظيف التضليل وإشاعة الكراهية من خلال نشر الأخبار المزيفة.

وفي ندوة حضرها مندوبو عدد من الدول ومنظمات المجتمع المدني من أنحاء العالم، أقيمت الاثنين في مقر الأمم المتحدة في جنيف على هامش أعمال مجلس حقوق الإنسان المنعقد حاليا، أبرزت الباحثة رمال سائد، في كلمتها خلال الندوة أن الدول العربية “تصدرت في معظم مؤشرات قياس الحريات الصحفية العالمية، قائمة الدول الأكثر قمعًا وانتهاكًا لحقوق الإعلام وحرية العمل الصحفي والمؤسسات العاملة في هذا المجال”.

ولفتت سائد، خلال حديثها في الندوة التي نظمها “المرصد الأورومتوسطي” لحقوق الإنسان ومؤسسة كوجيب، حول “واقع حرية التعبير والإعلام في الوطن العربي”، إلى أن هذه الصورة المتردية لحالة حرية الرأي والتعبير واتساع دائرة الانتهاكات الإعلامية، ظهرت نتيجةً للحراك الشعبي والمدني الذي يشهده العالم العربي، والذي يطالب بضرورة وجود إصلاحات مجتمعية وسياسية، أو تغيير أنظمة الحكم القديمة واستبدالها بأنظمة سياسية ديمقراطية تراعي حقوق الإنسان واحتياجات المواطنين.

واستعرضت الباحثة في المرصد الأورومتوسطي أبرز أشكال انتهاك الحريات الصحفية في المنطقة العربية والتي تمثلت في في عدد من الصور منها استهداف أرواح الصحفيين والعاملين في الحقل الإعلامي.

وبينت أنه وخلال السنوات القليلة الماضية سقط مئات الصحفيين بين قتيل وجريح أثناء تغطيتهم للأحداث. ففي سوريا وحدها قتل أكثر من 404 شخصًا من العامليين في حقل الإعلام منذ بداية الأحداث عام 2011 وحتى بداية أيار 2017، وفي العراق تم توثيق مقتل 11 إعلاميًا وإصابة 44 آخرين بجروح في الفترة ما بين أيار 2016- أيار 2017.

وأشارت في كلمتها إلى عمليات الاعتقال والاحتجاز والضرب، والتهديد بالاختطاف ومنع التغطيات الإعلامية بحق الصحفيين والإعلاميين. ففي العراق ارتفعت نسبة الاعتداءات التي تطال الصحفيين والعمل الإعلامي إلى أكثر من 375 حالة انتهاك، خلال الفترة ما بين أيار/مايو 2016- أيار 2017. وفي سوريا ارتفعت أعداد الانتهاكات الصحفية منذ بداية الأحداث وحتى منتصف العام الحالي 2017 إلى أكثر من 891 انتهاك ما دون القتل بحق الصحفيين.

وتحدثت الباحثة في المرصد الأورومتوسطي حول الملاحقة الأمنية وفرض السيطرة الحكومية على العمل الإعلامي، فعلى سبيل المثال تجاوز عدد المعتقلين السياسيين داخل السجون الإماراتية 71 معتقلًا، حتى تاريخ حزيران 2017، معظمهم تم ادانتهم بناء على تهم تتعلق بحرية التعبير عن الرأي، وقد تراوحت مدة العقوبة من (3–10) أعوام داخل السجون.

وتطرقت إلى الرقابة المشددة على المؤسسات الإعلامية والعاملين في الحقل الصحفي ونشطاء الرأي، من قبل الأجهزة الأمنية وأجهزة الاستخبارات العاملة في معظم الدول العربية، حيث وصل الحال ببعض الدول إلى استصدار قرارات تحريضية ضد دول أخرى واعتبار أي مشاركة إعلامية تبدي تعاطفًا من خلال منصات التواصل الاجتماعي بأنها جريمة يعاقب عليها القانون بالسجن ولمدة طويلة وبغرامة مالية مرتفعة، مثل القرارات التي صدرت عن العديد من الأنظمة العربية خلال أزمتها الأخيرة مع دولة قطر.

من جهته انتقد الخبير في الاعلام الأوروبي حسام شاكر إدخال وسائل الإعلام عنوة في أزمة عدة بلدان في الشرق الأوسط خاصة سوريا والعراق.

وقال شاكر إن الكثير من السلطات في الشرق الأوسط تحاول قمع وسائل الإعلام وتفضيل طرف ضد طرف أخر دون أخذ مسألة الكفاءات بعين الاعتبار.

وتناول شاكر ما شهدته البيئة الأوروبية في السنوات الأخيرة من أخبار مزيفة وملفقة بشكل مقلق جدا متعلقة باللاجئين “خاصة كيفية الشحن والتعبئة التي في النهاية ربما ساعدت في شحن الجمهور بقدر من الكراهية وخلف الكثير من الاعتداءات “.

وذكر أن “الاخبار المزيفة استطاعت في لحظة معينة أن تنتج لنا أخبارا مرعبة، وبالتالي نحن في الواقع نحتاج إلى وقفة لنفهم كيف تستقبل المجتمعات الأخبار المزيفة وكيف تتعامل معها لاسيما أن عالمنا يشهد تسارعا كبيرا في التحولات ما يولد حالة قلق ومخاوف من التهديدات “.

وشدد شاكر على أن “المجتمعات القلقة لا تفكر دوما بشكل حيادي وعقلاني وسوف تشعر بأن الخوف يسيطر عليها وبالتالي لن تتعامل بعقلانية مع الاخبار بل بشكل انتقائي ومن ثم تفضيل أخبار على حساب أخرى وربما الجاهزية لاستقبال كثير من الأخبار المزيفة”.

ودعا إلى تصويب صورة المؤسسات والشخصيات المسلمة المعتدلة في ظل ما تتعرض له من كثير من التشويه بغض النظر عن مصداقيتها.

وخلص شاكر إلى أن “تزييف الأخبار يمثل تحديثا حقيقا للمجتمعات وهو يأخذ أشكالا متعددة ويصعب ضبطها، وعلينا أن ندرك أن المشكلة تتعلق بالوعي الإعلامي للمجتمعات الذي ينبغي أن يتم تمكينه أكثر من أي وقت مضى، وأن يكون له الحس النقدي في استقبال المعلومات وتوفر منصات للتدقيق”.

من جهتها تحدثت الخبيرة القانونية جوليا ليجنر عن فارق كبير بين ما يحصل في أوروبا والعالم العربي فيما يتعلق بالتعامل مع الأخبار الملفقة ونشرها عن عمد.

وقالت ليجنر إن في دول مجلس الخليج العربي “أساتذة وصحافيون ورجال قانون تم قمعهم لأنهم يحاولون أن ينقلوا ويتحدثوا بحرية تعبير”، مستعرضة حالات إغلاق صحف ومنابر إعلامية في دول خليجية ووضع قوانين تقييد تحت مسمى الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب.

وأشارت إلى أن غالبية بلدان الخليج لم توقع الاتفاقيات الدولية بشأن الحقوق الأساسية وتعاونها لتطبيق تلك الاتفاقيات مع الأمم المتحدة محدود وضعيف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى