“تشريح الإرهاب: من موت بن لادن إلى صعود داعش”.. كتاب جديد

علي صوفان أميركي من أصل لبناني، التحق بمكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (إف بي آي)، وشارك في التحقيق في حادثة الهجوم على المدمرة كول التي تعرّضت لهجوم إرهابي في ميناء عدن في العام 2000. وبعد خروجه من الخدمة، أنشأ شركة استشارات أمنية، ونشر في العام 2011 كتاباً بعنوان “الرايات السود: 11 سبتمبر من الداخل، والحرب على القاعدة” في محاولة للتدليل على أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) كان يمكن ألا تقع لو تم تبادل المعلومات بطريقة أفضل بين مكتب التحقيقات الفيدرالي، والسي آي إيه. ولكن التنافس التقليدي، والصراع المُزمن، عطّل إمكانية التعاون بصورة مهنية أفضل بين الجانبين. ومسؤولية ذلك، في نظره، تقع على عاتق السي أي إيه أكثر من غيرها.

واللافت في الكتاب المذكور، الذي يحتل التحقيق في حادثة المدمرّة كول، والذهاب مع فريق من مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى اليمن لهذا الغرض، والتحقيق مع معتقلي القاعدة هناك، قسمه الأكبر، إشارة صوفان، بما لا يقبل الشك، إلى وجود تفاهمات بين أجهزة الأمن التابعة لنظام الرئيس على عبد الله صالح في حينها، والقاعدة في اليمن، وهذا ما أسهم في توسيع الأخيرة لنشاطها في تلك البلاد، ناهيك عن تراخي القبضة الأمنية في ملاحقة رجالها، وعدم التعاون بصورة مُقنعة مع رجال مكتب التحقيقات الفيدرالي، وحتى محاولة التدخّل وعرقلة التحقيقات الجارية.

وفي أيار الماضي، نشر صوفان كتاباً جديداً بعنوان: “تشريح الإرهاب: من موت بن لادن إلى صعود الدولة الإسلامية”، حاول فيه تقصي الفترة التي قضاها بين لادن، بعد سقوط نظام الطالبان، وحتى مقتلة على يد الأميركيين في منطقة القبائل على الحدود الباكستانية ـ الأفغانية، وصولاً إلى مدينة آبوت أباد الباكستانية، مقره الأخير، الذي شهد مقتله، أيضاً، وكذلك رصد ما طرأ على المنظمة الإرهابية من تحوّلات على مدار الفترة المذكورة، وملامح ومصائر الشخصيات الفاعلة فيها، إضافة إلى صعود داعش وانشقاقها عن المنظمة الأم نتيجة الصراع بين جناحيها العراقي والسوري.

وإذا كان الكثير مما ورد من معلومات وتحليلات في كتاب صوفان يتوّفر في دراسات مُتخصصة، وحتى وسائل إعلام عادية، فإن البعض يستحق الإشارة. فمن الشائع، مثلاً، أن بن لادن كان معزولاً عن العالم بعد هروبه من أفغانستان (وهذا ما ذهب إليه سيمور هيرش في كتابه عن مقتل بن لادن). ولكن صوفان ينفي فرضية العزلة عن العالم بمعلومات ودلائل مختلفة من بينها ما عثر عليه الأمريكيون في الغارة على آبوت آباد من وثائق ذات صلة، فالمذكور كان على صلة دائمة بأذرع المنظمة الإرهابية في مختلف أماكن تواجدها، يتلقى رسائل منها، ويُزوّدها بتعليماته. وقد اشتغل شخص يدعى محمود (قُتل في غارة أمريكية بعد مقتل بن لادن) كوسيط بينه وبين فروع التنظيم.

واللافت، أن بن لادن كان متابعاً لما يجري في العالم، وكان حريصاً بشكل خاص على الحضور الإعلامي لجماعته الإرهابية. وفي هذا الصدد يشير صوفان إلى أن المذكور كان يُرسل تعليمات لمحمود ويطلب منه إرسال أشرطة وبيانات لمحطة الجزيرة القطرية، ويقترح على المحطة مَنْ يجب استضافتهم للتعليق عليها. وإذا كان في هذا الأمر ما يفسّر ما أبدته “الجزيرة” من اهتمام ومبالغات ببن لادن وجماعته، فإن فيه ما يدل، أيضاً، على صلة مباشرة بين الجانبين تتجاوز السقف المهني والأخلاقي لمهنة للإعلام.

وما يستحق الإشارة، أيضاً، تحليل صوفان لطبيعة القاعدة، التي تحوّلت في نظره، بعد أفغانستان، إلى ما يشبه صاحب العلامة التجارية (ماركة مُسجّلة) التي تسعى جماعات إرهابية في مناطق مختلفة من العالم للانتساب إليها، والحصول منها على اعتراف بالنسب، لما في صلة كهذه ما يمكنها من الحصول على عوائد مالية وإعلامية هائلة. ولعل في هذا، كما أعتقد، ما يُفسّر حرص “الجزيرة”، وعبر ما لا يحصى من التحليلات والتعليقات والتلميحات على ترسيخ فرضية أن القاعدة تحوّلت بعد الحادي عشر من سبتمبر من تنظيم إلى “فكرة عامة” يعتنقها مَن يريد، وتتجاوز حدود التنظيم نفسه.

وفي سياق الكلام عن تسويق ومنح علامة القاعدة “التجارية”، يستفيض صوفان في تفسير وتحليل دوافع وأسباب الانشقاق بين فرعيها العراقي والسوري، بعد اندلاع الثورة السورية على نظام آل الأسد، ومبررات انحيازها للفرع السوري. ومع ذلك لا ينفي احتمال تقارب الفرعين (داعش والنصرة) بعد ما تكبدا من خسائر فادحة ومتلاحقة في سورية والعراق. ولا ينفي، أيضاً، عودة الدواعش بعد هزيمتهم في العراق، وفقدان أماكن سيطرتهم، إلى القاعدة، أي الجماعة الأم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى