مصر والسعودية تخدمان مصلحة اسرائيل في قضية تيران وصنافير

اشارت صحيفة “جيروزاليم بوست” في تقرير لها عقب تمرير البرلمان المصري لاتفاقية تسليم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية, إلى أنه قد آن الأوان أن “يرى السعوديون فعليًا حصاد ما أنفقوه من أموال على مصر طيلة السنوات الماضية”، مبينة أن تنازل مصر عن الجزيرتين هو الثمن الحقيقي لموقف الرياض الداعم لنظام السيسي منذ 2013 وحتى الآن.

الصحيفة الإسرائيلية في متن تقريرها لفتت إلى أن هناك زاوية أخرى يمكن النظر من خلالها إلى الاتفاقية، كونها صفقة بين الرياض والقاهرة، سعت فيها الأخيرة إلى تقديم الجزيرتين “ثمنًا لإرضاء الأشقاء السعوديين مقابل عدم المشاركة مع السعودية في حربها في اليمن”.

ورغم تعرض شعبية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى هزة عنيفة جراء موافقته على الاتفاقية والتي ربما تكون الأخطر منذ توليه الحكم، حيث شبه المصريون تخليه عن الجزيرتين بنكسة 1967، إلا أنه آثر أن يكافئ الرياض على موقفها الداعم له والذي كان له بالغ الأثر في ترسيخ أركانه، هكذا تقول الصحيفة.

الناشط السياسي المصري محمد أبو الغار في حديث له نقلته الصحيفة أشار إلى أن هذه الخطوة سيتبعها تنازلات أخرى، وستصبح مصر دولة هامشية في كل شيء وستكون دولة عبودية، مضيفًا أن “الشعب المصري برمته يعتقد أن الجزر مصرية لكن النظام يتعرض للضغوط من قبل السعوديين”.

الرياض والقاهرة تطمئنان تل أبيب

إصرار الجانب المصري على التنازل عن الجزيرتين للسعودية لم يقلق “تل أبيب” مقارنة بموقف الرياض من اتفاقية السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل، وهو ما دفع بعض الصحف الإسرائيلية للتساؤل حول الموقف السعودي وتوجهات المملكة حيال دولة الاحتلال مستقبلًا.

“جيروزاليم بوست” أشارت إلى خطورة مضيق تيران وما يمثله من أهمية إستراتيجية للكيان الصهيوني إذ إنه الممر الوحيد الذي من الممكن أن يربط بين ميناء إيلات في الجنوب على البحر الأحمر بميناء أشدود في الشمال على البحر المتوسط، ولطالما استخدمته القاهرة كورقة ضغط خلال حروبها السابقة، فماذا لو تم نقل سيادته للسعودية؟

وزير الدفاع الأسبق، موشيه يعالون، في تصريحات سابقة له أشار إلى أن اتفاق السلام بين مصر و”إسرائيل” تم تنقيحه ليتسع لهذا التحول في تبعية الجزيرتين ونقل سيادتهما، مؤكدًا أن السعودية التزمت خطيًا ببنود اتفاق كامب ديفيد، وأنها ستحافظ عليه وعلى حرية مرور السفن الإسرائيلية من مضيق تيران.

الموقف لا يقتصر على تطمينات الرياض وحدها، فبحسب الصحيفة فإن دبلوماسيين إسرائيليين صرحوا في وقت سابق أن القاهرة كانت تطلع “تل أبيب” على آخر المستجدات الخاصة بالمباحثات وعملية نقل التبعية بشكل مستمر، ما يؤكد الأقاويل التي تشير إلى أن دولة الاحتلال طرفًا أساسيًا في الصفقة.

وهو ما توصلت إليه صحيفة “هآرتس” التي أشارت إلى أن مصر أبلغت “إسرائيل” في وقت سابق بنيتها نقل تبعية الجزر للسعودية، وأنها أي “تل أبيب” لا تعارض هذا الانتقال ما دامت تضمن أن السعودية لن تمس حرية الملاحة الإسرائيلية في تلك المنطقة، إضافة لما نقلته عن صحيفة “الأهرام” المصرية تأكيدات الرياض أنها لن تستخدم الجزر لأي أغراض عسكرية ضد “إسرائيل”.

القاهرة تجهض الغضب الشعبي

أما عن التحديات التي تواجهها القاهرة جراء توقيع الاتفاقية، أشارت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” في تقرير لها تحت عنوان “اعتقالات في مصر إثر دعوات للتظاهر على خلفية صفقة الجزر” مستعرضة أبرز العقبات التي تعرقل إتمام نقل مصر سيادة الجزيرتين للسعودية.

الصحيفة نقلت بعض ردود الأفعال داخل الشارع المصري والتي جاءت في معظمها رافضة لهذه الاتفاقية ومنددة بتمرير البرلمان لها، ملخصة ما يقال في الشارع إن نقل الجزيرتين “كان بمثابة بيع للجزيرتين في مقابل تمويل سعودي”.

وعن رد فعل النظام حيال موقف الشارع لفتت الصحيفة إلى أنه من الصعب هذه الأيام خلق زخم سياسي حقيقي من أجل التظاهر، موضحة أن أي دعوة من هذا القبيل ستقابل بالسجن والاعتقال والتنكيل، وهو ما يدفع الكثيرين من المعارضين إلى التفكير قبل الانخراط في هذه المغامرة.

مكاسب متعددة

ورغم كونها ليست طرفًا مباشرًا في توقيع الاتفاقية فإنها صاحبة النصيب الأكبر من المكاسب المحققة حال إتمامها، وهو ما يثير الكثير من علامات الاستفهام عن مساعي القاهرة والرياض المستمرة لخدمة الكيان الصهيوني، وسواء كانت تلك المساعي بقصد أو بدون قصد إلا أنها تصب في نهاية المطاف في صالح “تل أبيب”.

وكشف التقرير عن بعض المكاسب التي من الممكن أن تحققها دولة الاحتلال من جراء نقل سيادة تيران وصنافير للسعودية، على رأسها تحقيق الحلم الصهيوني في بناء خط سكة حديد موازٍ لقناة السويس يربط بين إيلات على البحر الأحمر بأشدود على البحر الأبيض المتوسط.

المشروع المزمع المسمَّى “Med – Red” نسبةً إلى البحرين المتوسط والأحمر، من المقرر له أن يمتد عبر مسافة تبلغ 350 كيلومترًا، يربط المدن المركزية الإسرائيلية ببعضها البعض مثل بئر السبع وديمونة بصحراء النقب، ويشمل إقامة نحو 63 جسرًا وخمسة أنفاق.

التكلفة التي تم رصدها للمشروع بحسب ما نشرته صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية في تقرير لها عام 2012، قاربت ملياري دولار على أن يدخل حيز التنفيذ خلال خمس سنوات، وتباينت الآراء بشأن افتتاح المشروع بصورة رسمية، فهناك من يشير إلى عام 2018 بينما يذهب آخرون إلى 2020.

الحلم الإسرائيلي لم يتوقف عند حد الربط بين البحرين بخط سكة حديد فقط، خاصة في ظل ما يمكن أن يترتب عليه من عراقيل خاصة بالطبيعة الجغرافية للتربة المزمع تدشين المشروع عليها، إذ إن العصب الأساسي للحلم الإسرائيلي يتمثل في إقامة ممر مائي موازٍ لقناة السويس المصرية، يربط بين الميناءين، ومن ثم حاولت تل أبيب خلال السنوات الماضية الاقتراب من هذا العصب خطوة تلو الأخرى، حيث نجحت في الاتفاق على إقامة أول مرحلة منه عبر اتفاقها مع المملكة الأردنية على إنشاء مشروع الخط المائي الذي يربط بين البحر الأحمر والبحر الميت.

وظلت المرحلة الثانية المتمثلة في تدشين قناة مائية منافسة لقناة السويس قيد البحث والدراسة والتخطيط منذ 1948 وحتى الآن، وذلك لوجود العديد من العراقيل لعل أبرزها خضوع مضيق تيران للسيادة المصرية وهو ما حال دون تحقيق دولة الاحتلال لحلمها.

وقد تسبب هذا الموقع الاستراتيجي المتميز لمضيق تيران في نشوب العديد من الصراعات والحروب في المنطقة، لعل أبرزها العدوان الثلاثي على مصر في 1956 وحرب 1967، ومن ثم لطالما سعت تل أبيب إلى فرض سيطرتها على هذا الممر الملاحي الحيوي، أو على أقل تقدير خروجه من السيادة المصرية ليصبح ممرًا دوليًا ومن ثم يتسنى لها تنفيذ مشروعها القومي في بناء ممر مائي موازٍ لقناة السويس، وهو ما حدث بالفعل عقب توقيع اتفاقية ترسيم الحدود بين القاهرة والرياض.

علاوة على ذلك فإن الاتفاقية المبرمة تخرج هذه المنطقة – تيران وصنافير – من المنطقة (ج) محظورة السلاح بنص اتفاقية كامب ديفيد، ومن ثم بات من حق تل أبيب كما من حق القوى الدولية الأخرى إقامة قواعد عسكرية فيها حال موافقة الرياض، وهنا مكمن الخطر.

ماذا لو؟

بحسب الاتفاقية فإن نقل تبعية الجزيرتين للسعودية وفي ظل ما يتمتعان به من موقع استراتيجي خطير قد يدفعان إلى تقوية العلاقات بين الرياض و”تل أبيب” بصورة غير مسبوقة، خاصة بعدما تجد المملكة نفسها طرفًا في اتفاقية السلام الموقعة بين مصر و”إسرائيل”، ما ينعكس بصورة أو بأخرى على مستقبل العلاقات السعودية الإسرائيلية.

السؤال الأكثر حرجًا للقاهرة الآن: ماذا لو واجهت المملكة ضغوطًا وتهديدات داخلية أو خارجية استغلتها تل أبيب – في ظل العلاقات الحالية والمتوقعة مستقبلًا – في أن تفرض سيطرتها على الجزيرتين تحت أي مبرر، ومن ثم تحكم قبضتها على خليج العقبة في غيبة تامة من مصر التي بموجب الاتفاقية خرجت تمامًا من حلبة الصراع؟

وهكذا بعيدًا عن عزف الإعلام المصري على أوتار الرعب الذي دب في نفوس الإسرائيليين جراء توقيع الاتفاقية فإن الصحف الصادرة من قلب تل أبيب تشير إلى عكس ذلك، وتؤكد على التنسيق الكامل بين العواصم الثلاثة (القاهرة – الرياض – تل أبيب) وأن مصر والسعودية التزمتا بالحفاظ على المصالح الإسرائيلية عند إبرام الاتفاقية وخلال سير تطورات الأحداث بها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى