شكيب ارسلان يكتب قبل مئة عام.. «لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم»
في كتاب «لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم» يسرد الكاتب اللبناني العريق شكيب أرسلان الأسباب التي أدت إلى الوضع الذي وصل إليه المسلمون حاليًا، من ضياع وتخلف مقابل تقدم الأمم الأخرى، حيث كتب الشيخ محمد بسيوني عمران، إمام جزيرة جاوه، رسالة إلى الشيخ رشيد رضا مالك مجلة «المنار» طرح فيها ثلاثة أسئلة مفادها معرفة أسباب ما صار إليه المسلمون من الضعف والانحطاط في الأمور الدينية والدنيوية، وما هي الأسباب التي ارتقى بها الأوربيون والأمريكان واليابانيون، وكيف تعود الأمة الإسلامية إلى المقدمة من جديد، وطلب منه فيها أن يرد أمير البيان شكيب أرسلان عليه.
يرى أرسلان في كتابه أن المسلمين تقدموا في الماضي بسبب أن الديانة الإسلامية كانت قد ظهرت في الجزيرة العربية فوحدت القبائل المتناحرة وحولتها من الجاهلية إلى المدنية ومن القسوة إلى الرحمة ومن عبادة الأصنام إلى عبادة الله الواحد الأحد، الأمر الذي نتج عنه حيرة المؤرخين من قدرة الإسلام على تحويل الجزيرة العربية بهذه الطريقة، حتى إن نابليون بونابرت فكر في اتخاذ الإسلام دينًا له عندما كان في مصر، وذلك حسبما ورد على لسان لاكاس، الذي رافقه إلى جزيرة سانت هيلانة.
ويرصد المؤلف مراحل ابتعاد المسلمين على مر الزمن عن أسباب رقيهم وتطورهم حتى أصبحت مفقودة بلا رجعة، فأصبحت كباقي الوشم في ظهر اليد، ولما وعد الله المسلمين بالعزة والنصر كما قال «ولله العزة ولرسوله» وأيضًا «وكان حقًّا علينا نصر المؤمنين» لم يكن ذلك الوعد الصريح لينفذه الله دون أن يأخذ المسلمون بأسباب تحقيقه؛ لأن الله قال «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» فكيف ينصر الله أمة ويفيض عليها خيراته وهي أهملت جميع العزائم التي كان يتخذها آباؤها، وكيق يحقق الله عزة دون استحقاق وفوز ودون سعي ولا كسب؟!
ويشير الكاتب إلى أنه إذا حاولنا المقارنة بين المسلمين وغيرهم حاليًا، سنجد أن المسلمين تخلوا عن كل ما يتعلق بأسباب أخوّتهم وترابطهم، ويتطرق المؤلف إلى أن أكبر دليل على ذلك هو مسألة فلسطين، فعندما بدأت المناوشات والوقائع الدموية بين العرب واليهود في فلسطين أصيب فيها أفراد من الطرفين، أخذ اليهود في جميع أقطار الدنيا يساعدون قرناءهم من المصابين حتى بلغت التبرعات 13 ألف جنيه ـ وقت اندلاع الأزمة وإصدار الكتاب ـ أما المسلمون فكان موقفهم مخز على جميع الجهات.
أسباب تأخر المسلمين
أضاف المؤلف إلى ما سبق الجهل الذي هو أشد خطرًا على المسلمين من أي شيء آخر، بالإضافة إلى العلم الناقص وهو أشد خطورة على المسلمين من الجهل نفسه؛ لأن الجاهل إذا سخر الله له عالمًا اتبعه ولم يتفلسف عليه، أما ناقص العلم فهو لا يعرف المعلومة كاملة ولا يرد حتى أن يتقبلها من متلقيها، وفساد الأخلاق بفقدان بعض الفضائل التي حث عليها القرآن.
كما يشير الكاتب إلى فساد أخلاق حاكمي الأمة الذين اعتبروا انفسهم منزهين عن أي خطأ، حتى إذا قام أحد بتوجيههم ونصحهم وإرشادهم إلى الطريق الصحيح تطاولوا عليه وبطشوا به أشد أنواع البطش، مستندين إلى علماء السلطان الذي يفتون ويبيحون له أن يفعل كل ما يشاء، وإذا وقف أحد في طريقه أباحوا له أن يفعل به أي شيء، بحجة شق عصا الطاعة، عنصر الخوف والجبن هو الآخر أصبح أحد عوامل ضعف المسلمين، فبعد أن كانوا أشهر الأمم في الشجاعة والإقدام أصبحوا يهابون الموت.
وتابع أرسلان أن عنصر الجمود على ما سبق أيضًا هو عامل رئيسي في انحطاط وتخلف المسلمين، فكما أن آفة الإسلام هي الفئة التي تريد إلغاء كل شيء قديم دون النظر في ضرره أو نفعه، أيضًا الفئة التي لا تريد تغيير شيء من الإسلام ظنًّا منهم أن الاقتداء بالكفار كفر، فهذا السبب ساهم بشكل كبير في ضياع المسلمين.
فيما يرى المؤلف أن المسلم الجامد أشد خطرًا على الإسلام من الجاحد؛ لأن الجامد يعمل ما يعمله عن جهل وتعصب، كما أنه مهد الطريق أمام أعداء المدنية الإسلامية لمحاربة هذه المدنية، بحجة أن التأخر الذي يعانيه العالم الإسلامي اليوم هو ثمرة تعاليمه، وهؤلاء هم الذين لا تألف عقائدهم المدنية، ويحولون دون الرقي العصري للإسلام وهو من جمادهم براء.
مدنية الإسلام
وعن المدنية في الإسلام يرى المؤلف أن من زعم أن الإسلام فشل في تأسيس مدنية خاصة مستدلًّا بذلك على حالته الحاضرة، فهي محاولة حتى يصبغوا الإسلام بالصبغة الأوروبية، وحتى يزرعوا في العالم الإسلامي بذور الإلحاد، فنحن لا ننكر تأثير الدين في المدنية، لكنه لا يصح أن يكون لها نفس ميزاننا؛ لأن كثيرًا ما يضعف تأثير الإسلام في الأمم، فتفلت من قيوده وتفسد أخلاقها وتتبدل أوضاعها، فيكون فساد الأخلاق علة السقوط، ولا يكون الدين هو المسؤول، وكثير ما تطرأ عوامل خارجية غير منتظرة فتتغلب على ما أسسه الشرع من قواعد وحضارة، وتزلزل أركانها وقد تهدمها، ولا يكون التقصير من الشريعة وإنما من عدم إجراء أحكامها كما ينبغي.
حث القرآن على العلم
ويقول ارسلان، إن العالم الإسلامي يمكنه النهوض والرقي واللحاق بالأمم المتقدمة إذا أراد المسلمون ذلك وطورا أنفسهم ووجدوا حافزًا لهم على العلم، وقد زعم بعض علماء الغرب أن العلم الذي قصده الإسلام هو العلم الديني فقط، ولم يكن المقصود به العلم مطلقًا، لكن الرد على هؤلاء بسيط جدًّا فالمتدبر للقرآن الكريم سيجد أن جميع آيات العلم في القرآن حثت على السير والتأمل والتفكير لمعرفة السر والحكمة العليا من وراء كل ذلك.
* يعد الكاتب شكيب أرسلان ومضة بارزة في تاريخ الفكر العربي، فهو كاتب وأديب ومفكر اشتهر بلقب أمير البيان الذي أطلقه عليه الشيخ رشيد رضا، صاحب مجلة المنارة؛ لأنه كان أديبًا وشاعرًا، بالإضافة إلى كونه سياسيًّا. وكان يجيد اللغة العربية والتركية والفرنسية والألمانية، وولد عام 1869 وتوفى في 1946.