سوء استخدام العلم لتبرير سيادة السعودية على تيران وصنافير

تحت عنوان “الجيولوجيا تؤكد تبعية تيران وصنافير لشبه الجزيرة العربية” نشرت صحيفة الأهرام في  10 حزيران الجاري فقرات من رسالة للدكتور فاروق الباز  لرئيس مجلس النواب جاء فيها “أن الجزيرتين تتبعان كتلة القشرة الأرضية التي تشتمل علي شبه الجزيرة العربية” وعليه فإن “جزيرتي تيران وصنافير تمثلان جزءا من شبه الجزيرة العربية من الناحية الجيولوجية والطبوغرافية” (وبالتالي يتبعان للسعودية) وأن حركة شبه الجزيرة العربية شرقا تبعد الجزيرتين عن أرض مصر ( حوالي 2 مليمتر كل سنة أي مترين كل ألف سنة)

الواضح من الرسالة، ومن تصريحات سابقة، أن الدكتور الباز يؤيد سيادة المملكة السعودية لجزيرتي تيران وصنافير ويستند الي الجيولوجيا في زعمه.

هذا التبرير يتناقض تماما مع حقيقة تاريخية وهي أن الفعل الإنساني، وليست الجيولوجيا، هو الذي يرسم الحدود. فإذا قسمنا العالم جيولوجيا فالخريطة الناجمة (خريطة رقم 1) ستكون مخنلفة تماما عن الخريطة السياسية المعروفة والتي تقسم الدول وحدودها حسب اتفاقات ونتيجة أحداث تاريخية وصراعات سياسية. بل أنه في كثير من الأحيان تكون هذه الحدود متناقضة مع الجغرافيا والجيولوجيا. فهناك جزر نائية عن الدول التي تتبعها سياسيا مثل جزر الفوكلاند التي تبعد عن المملكة المتحدة آلاف الأميال، وجزر هاواي البعيدة عن الساحل الغربي للولايات المتحدة الأمريكية والتي أصبحت إحدي الولايات التابعة لها.

وقد نجم عن رسم الحدود سياسيا أحيانا حدودا مفتعلة وظالمة تمثل اغتصاب أراضي بل أوطان بالقوة. والمثال الصارخ علي ذلك هي حدود الكيان الصهيوني الذي لم ترسمه الجيولوجيا بل تكالب الدول الغربية علي اغتصاب فلسطين التاريخية ثم الاعتداءات العسكرية من قبل هذا الكيان المغتصب. والتاريخ يؤكد أن مثل هذه المظالم تنحسر بنضال الشعوب وتوفر الإرادة لاسترداد أراضيها التاريخية وتغيير الحدود السياسية المفروضة بالقوة والقهر. بيت القصيد هنا أن التاريخ ونضال الشعوب وليست الجيولوجيا هي التي ترسم الحدود.

أما الحديث عن تحركات القشرة الأرضية البطيئة زمنيا لتأييد موقف السعودية فهو أمر مثير للضحك!، فتقسيم العالم للألف عام القادمة علي هذا الأساس، يؤدي الي خريطة بعيدة كل البعد عن واقعنا الحالي كما تبين الخريطة رقم 2. إذاً فاستخدام العلم لإثبات تبعية الجزيرتين للسعودية هو نموذج لاستخدام العلم في غير محله.

كان من  المؤسف ما ذكره د. فاروق الباز في حديث تليفزيوني مؤخرا والذي قال فيه تعليق علي تضحيات الشعب المصري بشأن الجزيرتين: “لا كان هناك حرب ولادم ولا حاجة خالص، كل الكلام ده تهويش”. يتناسي د. الباز أن الكيان الصهيوني استغل إغلاق مصر لمضيق تيران لشن عدوان 1967 المخطط له سابقا، والذي استشهد وجرح فيه الآلاف من المصريين. ناهيك عن تداعيات العدوان الأليمة والتي نعاني منها حتي الآن واتفاقات كامب دافيد المهينة التي انتقصت السيادة المصرية علي أجزاء كبيرة من سيناء بما في ذلك جزيرتي تيران وصنافير. ومن المؤسف أيضا أن آراء د. الباز تلقي مساحة إعلامية واسعة أما الرأي الآخر فقلما نراه علي صفحات الأهرام والقنوات التليفزيونية. أما ادعاء د. الباز أن “كل حاجة كويسة” فهذا القول يمثل تناقضا صارخا مع الواقع. لا أعتقد أن أحدا يمكنه أن يعتبر أن دماء المصريين التي سالت عام 1967  هي من قبل “التهويش”.

إذا عدنا للموضوع الأساسي، وهو السيادة المصرية علي جزيرتي تيران وصنافير، فكما بينت في مقال سابق نشر في صحيفة المقال في إبريل الماضي فالموضوع سياسي ولا علاقة له لا بالجيولوجيا ولا بحركة كتل القشرة الأرضية. إنما هو في مضمونه وتوقيته صراع نفوذ يشمل مصر والسعودية والكيان الصهيوني خصوصا وأن الجزيرتين تقعان في منطقة ج حسب اتفاقية كامب دافيد المشئومة، مما يمثل مخاطر غير منظورة علي الأمن القومي المصري.

نتسائل لماذا كانت كلا من الدولة العثمانية وبريطانيا يتخاطبون رسميا مع مصر بشأن هذه الجزر قبل أن يستولي آل سعود علي الحجاز بالقوة في أوائل الثلاثينات؟ لماذا تأجج حماس السعودية فجأة لتملك الجزيرتين؟ كيف سيتأثر الأمن القومي المصري إذا آلت الجزيرتين للسعودية وكيف سيستفيد الكيان الصهيوني جراء ذلك؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى