يسري فودة نجم “الجزيرة” السابق يفضح تواطؤ امير قطر مع المخابرات الامريكية
يسرد الإعلامي يسري فودة الذي عمل سابقاً في قناة «الجزيرة»، في كتابه «في طريق الأذى.. من معاقل القاعدة إلى حواضن «داعش»»، أجواء تلك العلاقة التي جمعت أمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني، ومدير وكالة الاستخبارات الأمريكية «سي آي أيه» الأسبق جورج تينيت.
وينقل فودة بعض تفاصيل تلك العلاقة المشتبكة، حين يستعرض ما كتبه الصحفي والكاتب الأمريكي رون ساسكيند، الذي يحظى بعلاقات وطيدة جداً مع دوائر الأمن والاستخبارات الأمريكية، في كتابه «مبدأ الواحد في المئة»، ويتتبع فيه ما أنجزه فودة من مقابلات مع المدبرين والمخططين لهجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية في 2001، في إطار برنامجه «سري للغاية» الذي كانت تنتجه وتبثه قناة «الجزيرة».
يدخلنا فودة في تفاصيل ما حدث بينه وبين أمير قطر السابق، واللقاء المفاجئ له به في لندن، وكيف أنه – أي أمير قطر السابق – كان حريصاً جداً على الحصول على أشرطة المقابلات التي أجراها فودة مع زعماء القاعدة، مهما كلف ذلك من ثمن، ويحكي القصة قائلا: «مرّ عليّ صيف ذلك العام، 2002، بطيئاً ممللاً، وإن كان في الوقت نفسه حاراً مملوءاً بالترقب، وأنا أجتهد في محاولة الوصول إلى شرائط لقائي بأعضاء تنظيم القاعدة التي وعدوني بإرسالها إلي قبل مغادرتي أفغانستان، في تلك الأثناء بينما كان يقضي عطلته في الصيفية المعتادة في لندن، اتصل بي رئيس مجلس إدارة قناة «الجزيرة»، الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني، كي يدعوني إلى عشاء في وسط العاصمة البريطانية، ولم يكن ذلك خارج مألوف ما جمعنا من علاقة مهنية إنسانية ودية. لكن الذي كان خارج المألوف أنه لدى وصولي إلى ذلك المطعم الإيطالي المتواضع المتخصص في وجبات البيتزا في شارع جيمس (قرب شارع أوكسفورد)، لمحته قبل نزولي من السيارة واقفاً بنفسه في انتظاري على باب المطعم. اصطحبني مرحباً إلى ركن عميق منزوٍ من المطعم، كي أفاجأ بطاولة يجلس إليها رجل ممتلئ البدن، كثيف الشعر، أملسه، أسوده إلى حد النصوع، يرتدي بدلة من الجينز الأزرق، وينهمك في تناول حساء المينيستروني الإيطالي المعروف، استغرقني الأمر ثواني عدة وسط ابتساماتهما، قبل أن أدرك أنني أمام أمير قطر، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني.
ويتابع فودة: كانت هذه أول مرة أرى فيها الأمير في زي آخر غير الزي القطري التقليدي، كما كانت أول مرة أراه وجهاً لوجه؛ هو يفضل فرنسا على بريطانيا لقضاء عطلة الصيف، لكنه بعد ترحيب حار دعاني إلى الجلوس، وقال إنه اضطر إلى قطع إجازته كي يراني، ويشد على يدي بعد ذلك السبق الصحفي. لم يضيع وقتاً كثيراً قبل الدخول إلى صلب الموضوع. «وين الشرايط يا ريّال؟»، شرحت له ملابسات ما حدث، وأن وسطاء دخلوا على الخط، ويحاولون الآن أن يساومونا للحصول على تبرع قبل توصيلها.
قال «زين.. أديش يعني؟»
قلت: عايزين مليون دولار قال: «ونت أيش رأيك؟»
قلت: طبعاً لأ يعني، قولاً واحداً.
نظر الأمير إليّ في تلك اللحظة كأنه ينظر إلى ساذج غر، وقال: «مش أفضل ندفع لهم وناخد شرايطنا؟»، بدأ إحساس بعدم الارتياح يتسرب إلي، لكنني وضعت أمامه رؤيتي، وخلاصة تقديري للموقف، فالمسألة لم تقتصر على كونها مسألة مبدأ، وحسب، بل إن ثمة تحليلاً عملياً واقعياً يقودني إلى الاعتقاد بأن الشرائط ستصلني لا محالة، وبأنهم سينالون عقابهم من أولئك الذين التقيتهم، عاجلاً أو آجلاً، والأهم من ذلك أنني افترضت أسوأ الاحتمالات وسأمضي في استكمال التحقيق على أي حال، كما كان من الممكن أن يمضي في استكماله صحفي في جريدة.
لم يبد الرجل مقتنعاً بأي من هذه الحجج. كان كل ما يهمه الوصول إلى الشرائط مهما كلف الأمر، وكان إلحاحه لافتاً. بوصولنا إلى هذه الفجوة، نظرت أنا بدوري إلى رئيس مجلس الإدارة ممازحاً: «أمّال ليه بقى عمّالين تقولولي ما عندناش ميزانيات.. ما عندناش ميزانيات؟».
يمضي فودة، ليطرح بشكل غير مباشر سؤالاً مهنياً مهماً وهو: ما الذي يمكن أن ينغرس في ذهن صحفي استقصائي حين يشك – ولو مجرد شك – في أنه كان مجرد مخلب قط في عملية تعاون استخباري أكبر منه؟
ذلك السؤال الذي يبرز من خلال استعراض ما أشار إليه يسري آنفاً، من اطلاعه على ما كتبه ساسكيند في كتابه عن علاقة أمير قطر السابق برئيس الاستخبارات الأمريكية تينيت، حيث يقول يسري نقلاً عن تينيت من الكتاب السابق:
«كما تعلمون كانت لدينا خلافاتنا مع صديقي الأمير (يقصد حمد بن خليفة آل ثاني) ولكنه اليوم أعطانا هدية مذهلة».
ثم يشير فودة إلى تلك الهدية التي وصفتها المخابرات المركزية الأمريكية بأنها ثمينة، وتتعلق بشرائط برنامجه «سري للغاية».
وعن واقعة الاستغلال التي قام بها أمير قطر السابق للمعلومات الصحفية التي أتى بها فودة، ينقل الأخير عن ساسكيند قوله: «نوقشت الشروط أثناء الاتصال الذي جمع تينيت بالأمير في ما يخص الكيفية التي ستتعامل بها وكالة الاستخبارات المركزية مع المعلومات، لا أحد على الإطلاق ولا حتى داخل قناة الجزيرة كان على علم بأن الأمير أقام ذلك الاتصال».
ثم يمضي فودة ليبين، من خلال كتابه، في موضع آخر، علاقة أخرى تبدو معاكسة ومتناقضة جداً مع علاقة أمير قطر السابق بمخابرات أمريكا، وكيف أهداهم معلومات من تحقيقات «الجزيرة»، إذ يتحدث يسري عن إعجاب أسامة بن لادن بقناة «الجزيرة»، وكيف أنه فضلها على كل وسائل الإعلام، فينقل عن ضابط الاتصال مع القاعدة الذي أسماه أبوبكر قوله: «الشيخ أبو عبدالله (ابن لادن)، من أشد المعجبين بقناة الجزيرة».
ومن المحيّر، إن لم يكن من الصادم جداً، أن يبذل الصحفي الاستقصائي جهدا ًجباراً ليقدم مادة صحفية محققة، ومدعومة بشهادات من شخصيات وأطراف معنية مباشرة بالموضوع، ثم يفاجأ بعد ذلك بسنوات بشهادات أخرى، تبرز أن كل ما جمعه من معلومات استغلت بطريقة ما في نشاط تخابري للدولة التي تمتلك وسيلة الإعلام التي يعمل فيها.
ويقدم فودة في كتابه تفسيراً لموقع «الجزيرة» أداة سياسية في خدمة قطر المزدوجة، وكيف أنها تخلت منذ فترة طويلة عن المهنية فيقول:«وفي ما يخص قناة الجزيرة فقد أتت نقطة التحول في مسيرتها المهنية من وجهة نظري، بعد فترة وجيزة من قصة القاعدة، تحديداً بعد الغزو الأمريكي للعراق».
ويضيف شارحاً ذلك بأن الأمر بدأ باستقدام: «من لا حيثية مهنية له ولا إدارية له في مكانه سوى أنه له خلفية إسلامية، متشددة، وأنه كان مقرباً من بول بريمر حاكم العراق بعد الغزو، وفقاً لما قاله لي مصدر أمريكي أثق به وأحتفظ به حماية له، بدأت ما أسميها مرحلة الاستثمار السياسي» للجزيرة سواء من قيادة بلدها، أو من دوائر أخرى».