مدفع رمضان.. موروث فلكلوري يطلق قذائفه الصوتية عند السحور والفطور
يعتبر مدفع رمضان أحد الموروثات الثقافية المصرية التي استطاعت أن تبقى صامدة طوال الزمن، وأن تنتقل من مصر إلى البلاد العربية المحيطة بنا، بل ونجح في تخطي الحاجز العربي، وانتقل إلى بعض الدول الإفريقية والآسيوية؛ ليصبح أحد مظاهر الفرح والابتهاج بقدوم شهر رمضان، وهناك عدة روايات التي تناقلهتا الأجيال حول مدفع رمضان.. البديل تستعرض تلك الروايات التي باتت تشكل حيزًا كبيرًا من وجدان المصريين.
وهناك روايات عدة عن توقيت ظهور مدفع رمضان وارتباطه بشهر الصوم دون غيره من الشهور، فهناك رواية تقول إنه في أول يوم من شهر رمضان عام 866 هـ – 1461 م، كان السلطان المملوكي خشقدم الناصري يجرب أحد المدافع الجديدة التي وصلت إليه من الخارج، وتصادف إطلاق المدفع مع وقت أذان المغرب، فاعتقد المصريون وقتها أن السلطان يريد أن يخبرهم بقدوم موعد الإفطار، وفي اليوم التالي خرجت الجموع من المصريين إلى قصر السلطان لشكره على ما حدث، فأعجب السلطان بهذا الموقف، وقرر من وقتها استمرار إطلاق المدفع وقت الإفطار ووقت السحور.
وهناك رواية ثانية تقول إن مدفع الإفطار ارتبط اسمه باسم الحاجة فاطمة زوجة سلطان مصر وقتها، فعندما تصادف إطلاق خشقدم لمدفعه مع وقت الإفطار، وارتبط المصريون بهذه العادة وتوقفت، ذهب جمع منهم إلى السلطان لمطالبته باستمرار عمل المدفع، فلم يجدوه لكن الحاجة فاطمة زوجة السلطان استقبلتهم، وقررت الموافقة على طلبهم، وأن يستمر المدفع في العمل وقت السحور والإفطار، فما كان من المصريين إلَّا أن أطلقوا عليه اسم مدفع الحاجة فاطمة، وظل يحمل اسمها حتى الآن.
أما الرواية الثالثة فتقول إن بداية مدفع رمضان العملية كانت خلال عهد محمد علي باشا الذي اشترى عددًا كبيرًا من المدافع، وأراد تجريبها، فتصادف إطلاق صوتها مع لحظة غروب الشمس وقدوم المغرب في شهر رمضان، فاعتقد الصائمون أنه تقليد جديد من الدولة لإعلامهم بقدوم وقت الإفطار، فطلبوا من محمد استمراره، فوافق ومن وقتها ظل يطلقه مرتين بالذخيرة الحية وقت الإفطار والسحور.
وقد ظل مدفع رمضان يعمل بالذخيرة الحية في موقعه بالقلعة حتى عام 1859 عندما بدأ العمران يتوسع في مصر، إضافة إلى ظهور بعض المدافع الحديثة التي تعمل بذخيرة ليست حية، ومع التوسع العمراني والسكاني، وصلت عددها إلى 6 مدافع رمضانية؛ اثنين في القلعة، واثنين في العباسية، وواحد في حلوان، وواحد في مصر الجديدة، إضافة إلى المدافع الأخرى المنتشرة بمحافظات مصر.
توقف مدفع رمضان عن العمل في مصر خلال فترات الحروب، الأمر الذي نتج عنه اندثار هذا الطقس الرمضاني لفترة حتى جاء عام 1983، وقرر وزير الداخلية وقتها أحمد رشدي إعادة عمل مدفع رمضان من جديد من فوق قلعة صلاح الدين الأثرية جنوب القاهرة، لكن تحجج الأثريون بأن المدفع يؤثر على المنطقة التي تمتلئ بالآثار بسبب صوته، فنقل إلى جبل المقطم، ويوجد حاليًّا مدفعان كبيران على هضبة المقطم، يعملان بالتناوب خلال شهر رمضان.
ولدى ظهور مدفع رمضان في مصر أخذت دول عربية عدة الفكرة من مصر، ففي المملكة العربية السعودية وفي جبل «أبو المدافع» الذي سمي نسبة إلى مدفع رمضان، يوجد واحد يطلق 7 قذائف في بداية الشهر؛ ليعلم الناس بقدوم شهر الصوم، ويوميًّا يطلق المدفع قذيفة في وقت الإفطار وأخرى في وقت السحور.
وفي الإمارات انطلق عمله في بداية الثلاثينيات من القرن الماضي، ويسمى هناك «الراوية»؛ لارتباطه بشرب الماء، واستمر هذا التقليد حتى اليوم، وفي إمارة دبي هناك 6 مدافع رمضانية؛ أربعة منها تعمل بشكل أساسي، واثنان منها دورهما احتياطي، وتقع تلك المدافع الأربعة بمناطق مختلفة، اثنان في منطقة بر دبي، في مصلى العيد بالكرامة وحديقة الصفا بمنطقة ديرة، والآخران في مصلى العيد والرأس.
وفي الكويت انطلق مدفع الإفطار منذ عام 1907 في عهد الشيخ مبارك الصباح، ولا يزال يؤدي وظيفته حتى يومنا هذا، وفي الثلاثينيات عرفت البحرين مدفع الإفطار، قبل أن يعلن تأسيس المملكة، ويطلق المدفع قذيفتين وقت السحور ووقت الإفطار، كما يطلق قذيفة ليعلن عن حلول شهر الصيام، وأخرى عند قدوم عيد الفطر، ويطلق أيضًا قذائفه عند حلول عيد الأضحى.
لم يقتصر عمل مدفع رمضان على دول الخليج فقط، وإنما انتقل بعدها إلى اليمن والسودان، حتى إن بعض الدول الإفريقية أخذت هذه العادة الرمضانية عن مصر، مثل دول غرب إفريقيا، تشاد والنيجر ومالي، إضافة إلى دول وسط وشرق آسيا، ومنها دولة إندونيسيا التي بدأ عمل مدفع الإفطار بها سنة 1944.