الدولة العربية القطرية إلى أين ؟

لعل أسوأ ما تقارفة الدولة العربية القطرية في المرحلة الراهنة وهي في أوج انحطاطها وانسدادها هو فتح صفحة جديدة من التصعيد والصراع البيني ، والإمعان في التفتيت وإشعال الفتن والحروب الأهلية وتحطيم عقل أبناء الأمة والتخلي عن أبسط الأعراف القومية والواجبات التقليدية للدولة في المحافظة على كيانية وسيادة وكرامة الدولة ومواطنيها الذين أصبحوا فيما يشبه الإقامة الإجبارية داخل حدودها وجرّاء احتقاناتها وابتذالاتها السياسية .

أما كبيرة الكبائر التي تقع فيها الدولة القطرية فتتمثل في ترسيخ وتعميق المروق القومي السافر واستبعاد الرابطة القومية كميثاق معنوي لتنظيم العلاقات وحل الخلافات بينها ،  والإذعان والاستسلام الكامل لمخططات وأهواء الدول الاستعمارية ومشروعها المتقدم  ورأس حربتها في بلادنا المتمثل بالكيان الصهيوني بحيث أصبحت هذه الدول المفككة والعاجزة لا تجد خلاصاً لوجودها وشرعيتها إلا بالانصياع الكامل لهذه المشاريع والمخططات وتنفيذها حرفياً حتى ولو كانت صادمة لشعوبها وتتعارض مع مصالحها الوطنية القريبة والبعيدة .

والسؤال الذي يثار وترافقه الحيرة والدهشة هو بأي عقل تفكر الدولة القطرية بتكوينها الانشطاري الراهن وملامح انحلالها الكبير والعميق وارتباطها الذيلي بالدول الاستعمارية والقوى الاقليمية ؟ وأي مصير تنتظر وهي تحطم ذاتها وتحبط شعوبها وتسدّ الآفاق أمامها وترهن مصيرها لقوى استعمارية متربصة تتأبط شراً وتسعى إلى إعدام الأمة بكل السبل ؟

وهنا نكون أمام مأزقية السؤال وغرابته ذلك أننا لا نكاد نصل إلى جواب مقنع لهذا الحال المتردي وهذه الاشتعالات المفتعلة ولا نلوي على تفسير واضح لمثل هذا السلوك السياسي العقيم وهذا القبول السهل الرخص بحالة ووضعية “الرجل المريض” الذي لا يرى آخرته وما سيأتي ، ولا يرى إلا العدم ويذهب إلى الهاوية بسبق إصرار ودون أي حساب للعواقب والمآلات ؟

ونحن لا نفهم حتى اللحظة كيف تقرأ  الدول القطرية العربية الوقائع الشاخصة والأحداث الملتهبة وكيف تحلل الدروس المستفادة مما مرّت به الأقطار العربية منذ عام  2010  من أهوال وحروب أهلية وتمزقات لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا ؟ وما الذي استخلصته وتستخلصه من هذه الأزمات والتشققات الكبيرة التي حلت بنا وتكاد أن تضع الجميع دون استثناء على حافة الهاوية ؟

أم تراها رأت وهي في ذروة تأزمها أن الجميع لا بد أن يكونوا في الهمّ والحماقة شرق وأن وجوب “التماثل القومي بالفوضى”  يتطلب التصعيد والتوحد في صناعة الموت والتأزم لتصبح الأمة بمجموعها داخل متاهة وفي حمى وطيس مقتلة لا تبقي ولا تذر وتمهد لإخراج أمة بأسرها من التاريخ أو تجعلها قاعاً صفصفاً بلا ثروات وبلا رؤى وأشواق وطنية وقومية وتبقيها بتاريخ ممزق تذروه الرياح .

الأخطر الآن هو أن الدولة القطرية تحاصر شعوبها بكل هذا اللامعقول والغرائبي وتخضع وتفرغ مجتمعاتها وتدمر مؤسساتها وتهدر ثرواتها وترتمي في أحضان الأجنبي وتعيد إنتاج واستدعاء المرحلة الاستعمارية بأبشع صورها, وهذه المرّة ليس بفعل الاحتلال الخارجي القسري والارغامي وإنما من خلال نداء غرائبي من صنف اللامعقول, أن هلموا إلينا لاستعمارنا ونهب ثرواتنا, ولكم صدر البيت  ما دام البيت اصبح مشرعاً ومستباحاً !

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى