حمد بن جاسم زرع الفتن وترك للامير تميم ان يحصد العواصف

اكد عدد من المحللين والمراقبين السياسيين الخلايجة ان قطر تحصد اليوم ما زرعه بالامس رئيس الوزراء ووزير الخارجية السابق الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، الذي اتسمت سياساته الإقليمية بالتناقض أحيانا، وبالتهور في دعم الإسلاميين ومحاولة زعزعة استقرار دول كبرى في المنطقة أحيانا أخرى.

ويعيش الشيخ حمد بن جاسم اليوم في شقة أشبه بالقصر في إحدى بنايات حي “نايتس بريدج” في وسط لندن، ويرقب المشهد السياسي بحرص، لكنه يبدو حريصا على إبقاء علاقته بالأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني على درجة من الود، خشية انفراط عقد الخلافات التي لطالما جمعت العائلتين.

ويبقي الشيخ حمد في الاعتبار نظرة تملؤها الريبة من قبل أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، الذي قال ذات يوم إن “الشيخ حمد بن جاسم هو من يملك البلاد كلها”. ويخاف الشيخ حمد، الذي مازال في منتصف الخمسينات، من تطور هذه النظرة، التي قد تنهي أحلامه المستقبلية التي على ما يبدو لم يضع لها حدودا بعد.

مازال الشيخ حمد متمسّكا برؤيته التي يصفها بـ“البراغماتية” لسياسات الشرق الأوسط، إذ يقف اليوم عند سياسة محددة، ثم سرعان ما يتبنى عكسها وفقا لتطور الظروف. وأسست هذه السياسة لنهج “ابتلاع قطر أكثر مما تستطيع أن تهضم”، الذي قادها إلى عزلة غير مسبوقة في تاريخها القصير.

بدأت بوادر العزلة منذ انحياز قطر لخيار الإخوان المسلمين، قبيل قرار السعودية والإمارات والبحرين سحب سفرائها في الدوحة عام 2014. ولم يكن الشيخ حمد بن جاسم وقتها في الحكم، لكنه كان في قلب أزمة سبقت ذلك بكثير.

واعترف الشيخ حمد في مقابلة مع صحيفة “فاينانشيال تايمز” بـ“بحالة تنافس” بين السعودية وقطر، بعدما قررت الولايات المتحدة “سحب القيادة في الملف السوري من قطر، وتولي السعودية الملف، حينها شعرنا أن السعودية تريد دفعنا إلى المقعد الخلفي”.

ومنذ أن ترك الحكم صيف عام 2013، توارى الشيخ حمد بن جاسم عن الأنظار، لكنه كان قد ترك وراءه إرثا سياسيا مازالت قطر تسير عليه إلى اليوم.

يجمع هذا الإرث، الذي ترعرعت بذوره مع تصاعد حدة الصراعات من العراق إلى سوريا وليبيا ومصر، بين الأضداد، إذ تدعم قطر ذراع تنظيم القاعدة في سوريا، وفي الوقت نفسه تعتبر حزب الله الشيعي اللبناني الداعم لنظام الرئيس بشار الأسد “حزب مقاومة”، كما جاء في تسريبات نسبت للشيخ تميم بن حمد آل ثاني.

في الوقت الذي لعب فيه الشيخ حمد الدور الحاسم في ربط مصير قطر بمصالح إسرائيل في المنطقة خشية تقلب المزاج السياسي في واشنطن، كانت الدوحة تعزز علاقاتها بحركة حماس الفلسطينية الإسلامية التي تسيطر على قطاع غزة، وتتعمد بين الحين والآخر إشعال حرب مع إسرائيل تعوّض عبرها شرعيتها التي تتآكل يوما بعد الآخر.

ولم يكن الشيخ حمد بن جاسم في الحكم عندما قررت قطر الدخول في تحالف عربي موسع أسسته السعودية لوضع حد لانقلاب ميليشيا الحوثيين على نظام الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي. لكن البصمة الأيديولوجية التي تركها خلفه كانت سببا في شق التحالف من الداخل، إذ لم تأل قطر أي جهد في سبيل دعم حزب الإصلاح بزعامة علي محسن صالح الأحمر، وهي حركة تمثل ذراعا رسميا لتنظيم الإخوان المسلمين في اليمن.

بعد ذلك انتقلت قطر إلى هدم التحالف من الداخل، ضاربة بعرض الحائط تحذيرات القيادتين السعودية والإماراتية، اللتين وجدتا في صعود الإسلاميين في اليمن خطرا على مستقبل السلطة الشرعية.

وتقول مصادر في اليمن إن قطر لعبت دورا حاسما في تحييد تنظيم القاعدة والإبقاء عليه خارج الأضواء، في مقابل استمرار الدعم المالي السخي الذي ساهم في تعاظم أعداد المنضمين في هدوء إلى التنظيم من أجل المال.

وتقول لاورينت لامبيرت، الباحثة المتخصصة في شؤون الخليج العربي في جامعة أكسفورد، إن “تنظيم القاعدة انتقل من مرحلة القتال إلى مرحلة حشد الصفوف عبر تجنيد المزيد من الشباب مقابل الحصول على المال وتحسين مستواهم الاجتماعي”.

وتظهر في هذه السياسة طبيعة الشخصية المزاجية للشيخ حمد، التي كانت محور بناء رؤيته لنفسه ولقطر إبان توليه رئاسة الوزراء. وتقوم هذه الرؤية على منافسة السعودية في وزنها الإقليمي الكبير عند الحديث عن السياسة الخارجية. لكن هذه الرؤية أيضا لا تخلو من اللعب بالنار.

وحتى تواريه عن الأنظار، كان الشيخ حمد بن جاسم يحلم بالمساهمة في تغيير الحكم في السعودية عبر تحرّك شعبي يشبه التحول الذي حصل في مصر عام 2011. ونقل في تسريب شهير رؤيته للزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، بلهجة كانت تحظى على ما يبدو برضاء الشيخ حمد بن خليفة الذي كان يتولى منصب الأمير آنذاك.

ولم يخف الشيخ حمد بن جاسم شيئا في حواره مع هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” الذي قال فيه إن دعم قطر لتنظيمات متشددة، خصوصا في سوريا، “تم بعلم الغرب والولايات المتحدة ودول عربية أخرى”.

وامتدح الشيخ حمد إيران في أكثر من مناسبة. وقال إن “العرب يحاولون اللحاق بإيران، ويجب أن اعترف بشيء واحد، إنهم -الإيرانيون- أكثر ذكاء منا، وأكثر صبرا من الولايات المتحدة، وهم أفضل مفاوض”.

وكان الشيخ حمد يكثّف حينئذ من ظهوره الإعلامي آملا في الحصول على أحد المنصبين، الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، أو الأمانة العامة للأمم المتحدة. وضاع المنصب الأول من الشيخ حمد بعد احتجاجات شعبية أطاحت بحكم الإخوان المسلمين في مصر عام 2013، وصعود نظام يكنّ عداء كبيرا للحكم في قطر. كما أدى تراجع الدور القطري كثيرا في المنطقة، وتورط الحكم في دعم تنظيمات إرهابية ومتشددين إسلاميين إلى تلاشي السعي للترشح إلى قيادة الأمم المتحدة.

ولعبت فضائح على وقع صفقات اقتصادية مشبوهة في بريطانيا دورا كبيرا في أفول نجم الشيخ حمد. وأجرت السلطات البريطانية تحقيقا موسّعا في صفقة سرية جرت بين مصرف “بركليز” ورجال أعمال قطريين، كان الشيخ حمد على رأسهم، وقالت إن صفقات عدّة جرت بشكل غير قانوني بين الجانبين.

كما قاد الشيخ حمد صندوق قطر للثروة السيادية إلى ضخ مئات الملايين من الدولارات في استثمارات أثبتت لاحقا فشلها تماما في تحقيق أي عوائد تذكر. ويقول مراقبون إن الاستثمار كان هدفا ثانيا لضخ هذه الأموال في مشروعات فاشلة، بينما كان الهدف الأول هو البحث عن غطاء سياسي غربي لنفوذ قطر المتعاظم إقليميا وقتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى